حرية الصورة المفروضة

> «الأيام» عبدالواحد محمد عبدالله:

> شاهدت في الصغر أعمالا محلية قدمت لي صورة عن الحياة التي سأعيشها وهي من حولي تجري بصورة عمقت في نفسي التشبث بالأرض وبعادات وطموحات أبناء هذا الوطن.

فقد شهدت فترة السبعينات تزايد حدة تأثير الشاشة الفضية وعالم السينما. ففي حين قدمت السينما العالم الهندي والغربي، عرض التلفزيون تمثيليات ومسلسلات محلية من كل المحافظات. وغنى تلك الفترة بالفرق المسرحية كفرقة المصافي وأخرى جعل المادة المحلية غنية ما حبب في التعلق بالوطن والالمام بتفاصيله.

تختلف اليوم الصورة عند الفتية، فهم لا يشاهدون أي اعمال محلية، كما تختلط عليهم مفاهيم الخاص بالعام دون القدرة على التمييز. ونشأت هوة عميقة بين خطباء المساجد وما يشاهده المواطن على الشاشة.

أنا مع حالة التذمر الشديد مما تعرضه الشاشة وضد العجز البادي عند صناع القرار لرسم سياسة استراتيجية لتثقيف الشعب. وهذه الخسارة الاستراتيجية ضريبة الحرية المفروضة.

يصحو المواطن كل صباح ليشاهد ماكينة ضخمة من الأفلام الامريكية المترجمة دون ان يشعر أنها تلبي حاجته، غير انها تنمي لديه شعورا إنسانيا بقضايا جديدة على وعيه وبعيدة عن متطلبات المرحلة الوطنية والشعور القومي. هي برامج موجهة تخدم عالم ما بعد 11 ايلول.

وتأثير ذلك كبير وسلبي على الاطفال، خاصة وكمية الافلام الـ (Action) التي تمر امام عينيه تقيد تفكيره وتأسر لبه. هذه الكمية من الافلام والمسلسلات خلطت الحابل بالنابل ففقدت دول العالم الثالث بوصلتها في الإرشاد والتأثير ورسم المستقبل. وهي مشكلة.

وحرية الصورة المفروضة هي شطب الصورة الذهنية المختزنة بدواخلنا عن ثقافتنا.

تكافح الدول الاوروبية ضد حدة تأثير الأفلام الأمريكية، ففي فرنسا تركيز كبير على تشجيع الثقافة المحلية بكل اتجاهاتها، واستحدثت قاموسا خاصا للكلمات الانجليزية الدخيلة ومفرداتها بالفرنسية حتى يستخدم المواطن لغة فولتير.

وفي روسيا يتم دبلجة الأفلام الأجنبية بحيث تشاهد الأبطال الأمريكيين في الفلم يتكلمون الروسية، واندهشت ذات يوم أن جعلوا الفنان أحمد رمزي يتكلم لغة بوشكين. هذا لا يعني حل المشكلة، فإلى جانب ذلك تعلو الهمة في الأعمال الأدبية المحلية.

أما في الصين فتمنع الصحون اللاقطة ويشاهد المواطنون أكثر من خمسين قناة محلية ضمن شبكة (CCTV).

وفي حين تنشط الدول المتأثرة بهيمنة الثقافة الأمريكية في تشجيع الأعمال المحلية ورصد الإمكانيات المتواصلة لها، تبقى دولتنا بحاجة ماسة إلى يقظة إبداع.

ما كنت أتصور في حياتي أن يأتي يوم أجد فيه اليمن تفتقد لقاعة مسرح.

وأحيي الارادة الصلبة لكل من وقف خلف إحياء ليالي عدن المسرحية رغم غياب المسرح؛ فقد استمتعت بها وكأنني أعود لمراهقتي التي عشتها في عالمي المحلي بمختلف توجهاته وإيقاعه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى