برافو عفراء

> د.هشام محسن السقاف:

> يستغرب المرء أن تتعثر منظمات المجتمع المدني في مدينة عدن، وهي المدينة صاحبة السبق في نشوء وتطور الحركة النهضوية الباكرة قبل قرن ونيف من الأعوام في ظل الإدارة البريطانية للمدينة، وتجلت ملامحها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بظهور الصحافة والطبقة العاملة والأحزاب السياسية. لقد ران على المدينة- وكل الجنوب- بعد الاستقلال الوطني في 1967م ملمح تغريبي لنظام أحادي، كان كفيلا بأن يلغي كل المنجزات المدنية السابقة، بل ويرمي ما سبقه بكل التسميات التي لم ينزل بها الله من سلطان.

وعند عودة الوعي بالوحدة المباركة في مايو 1990م حظيت المدينة بتسميتها الأليقة «العاصمة التجارية والاقتصادية» وجرى تدشين المنطقة الحرة فيها، ولكن مع ذلك الخطاب التبشيري بالمنجزات، مع عدم نكران بعض ما أنجز فعلاً، لم تستعد المدينة ألقها الخليق بها، وقد كانت قاب قوسين أو أدنى أن تتحول إلى مصاف (هونج كونج) التي تدر عسلا ولبنا- بتعبير التوراة- للصين، بينما تعثرت كثير من المشاريع الاستراتيجية لعدن بقدرة قادر، ولا يزال أبناؤها ينتظرون اللحظة الموعودة في مدينة حباها الله بكل مقومات النهوض التجاري والاستثماري وبشكل طبيعي، إذا حلت الإدارة السليمة مكان التجريب والتخريب والدوران في الحلقة المفرغة.

وبالعودة إلى موضوع منظمات المجتمع المدني في عدن وهي لا تزال في حالة لاترقى بها أن تكون ضلعاً أساسياً في بنيان مجتمعها المحلي، كمساهم وشريك في دفة الحكم المحلي بالمحافظة، انطلاقاً من أهمية تكامل أضلع الحكم الرشيد: الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص -المروج له والذي نتمنى أن يتحول إلى حقيقة قائمة ليس في عدن وحدها وإنما في كل ربوع الوطن، من المركز إلى الأطراف والعكس- وهو أمر لا تتحمل هيئات هذه المنظمات مسئوليته وحدها، وإنما جزء من المسئولية تتحملها أجهزة الحكم المحلي- أو سلطته بالأصح- التي من المفروض أن تدعم وتساند وتساعد هذه المنظمات بأكثر من الكلمة الطيبة- مع أنها صدقة- إلى نوع من التعاضد الاجتماعي والمشاركة الإدارية.

وقد لفت انتباهي مؤخرا الجهود الإنسانية الطيبة التي تبذلها المحامية عفراء الحريري مديرة مركز دار الإغاثة بعدن ومعها زميلات رائدات في مجال عملهن الخيري على رأسهن الأستاذة رضية شمشير والمحامية الألمعية راقية حميدان والدكتورة أسمهان العلس وغيرهن، فعملها الإنساني مع الفئات المهمشة وخاصة (السجينات المفرج عنهن) وتأهيلهن والعودة بهن عودة حميدة إلى منظومة الحياة الاجتماعية، ناهيك عن حمايتهن وتقديم العون اللازم لهن للوقوف بكرامة في وجه التهميش ومحاولات إصباغ نمط لا أخلاقي عليهن في الحياة باستغلال الظروف السابقة، كل ذلك عمل عظيم يجعلنا نزجي التحية والتقدير لصاحبته المحامية عفراء ومن معها، دون أن نقف متفرجين على أنموذج غير مسبوق في العمل الخيري الإنساني وضمن أنشطة وتفاعلات منظمة من منظمات المجتمع المدني، بل الغاية أن تتفاعل السلطة المحلية والجهات الرسمية المختصة والقطاع الخاص بكل شرائحه، لدعم الجهود الحثيثة لهذه المنظمة التي تضطلع بدور رائد في إعادة تأهيل شريحة مهمة من شرائح المجتمع.

لقد كانت لفتة طيبة من نائب السفير الأمريكي نبيل الخوري أن يكرم مديرة المركز في زيارته التوديعية لعدن قبل أن يعود إلى بلاده، وإشادته بإسهام المركز في مجاله الإنساني المهم، ونتمنى أن يحظى المركز باهتمامات مماثلة من قيادة المحافظة وكل المسئولين الذين بإمكانهم أن يدعموا مثل هذه المنظمات المدنية وتذليل صعاب ما يعترضها لتقوم بدورها على أكمل وجه، وفتح أفق إنساني أوسع لخدمة المجتمع. تحية لعفراء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى