نوافذ مفتوحة على المتاعب في الكتابة الفنية

> «الأيام» مختار مقطري:

> الكتابة في الفن مسؤولية كبيرة، على الكاتب الفني إن كان مؤمنا بأنها رسالة ثقافية تنويرية وطنية، أن يخلص لها فلا يدنسها برياء ونفاق أو محاباة وأن يتوخى المصداقية فيما يكتب وإن بدت قاسية أحيانا دون خوف من العواقب غير المرجوة التي تجرها عليه مصداقيته فيما يكتب وخصوصا كتابته للنقد الفني. والأرزاق على الله.

فلو أن ملحناً ومطرباً أحبه ومؤمن بموهبته تقوقع على ذاته الفنية واستسلم لحالة من الانكماش وخذل نفسه وخذل جمهوره، وكتبت لأوجهه إلى أن ما يبهرج به مشواره الفني من أخبار مجلجة لكنها في معظمها كاذبة وغير صحيحة أو مقالات تكتبها عنه أقلام النفاق أو الحب الأعمى فترفعه إلى مصاف الفنانين الكبار فيها ضرر كبير يلحق به وبمشواره الفني جراء هذه البهرجة الإعلامية (الفالصو) ناصحا إياه أن يخلص لفنه ولجمهوره، لثار علي هذا الفنان ولربما رد علي بتعقيب اتهمني فيه بما يعرف هو جيدا أني منه بريء، ولن أسلم بالطبع من كراهية شيعته الذين يبخلون عليه بالنصح ويضرونه بالمديح الزائف بدلا من أن ينفعوه بالتوجيه الشفيق.ولو أن ممثلا صاحب مشوار طويل فشل في تجسيد شخصية ما على خشبة المسرح أو في مسلسل تلفزيوني، لتدهور الصحة أو تقدم العمر، وكتبت ناصحا إياه بالتدقيق في اختيار الشخصية في المرة القادمة بما يتناسب مع ظروفه أو بالاعتزال، لاتّهمني بالحقد على الناجحين ومعاداة النجاح والجهل الفني. لكن للكتابة الفنية والنقد الفني تحديدا عواقب أكبر وأخطر مما ذكرت قد تمس وطنية الكاتب ومواقفه السياسية.فقبل نحو شهرين التقيت بفنان شاب من أبناء محافظة شمالية وبعد أن غنى هذا الفنان الشاب أغنية من تلحينه لم تعجبني، سألني عن رأيي في الأغنية فهربت من الإجابة لكن إلى إجابة أكثر قسوة فقلت «إن معظم الفنانين في المحافظات الشمالية الذين برزوا في الخمس والعشرين سنة الماضية غير مثقفين موسيقيا». وقد كبر في نظري هذا الفنان الشاب حين لم يغضب بل ابتسم بمنتهى الود وقال «أنصحك بعدم نشر رأيك هذا وإلا اتهموك بأنك انفصالي».

وفي الحفلات الرسمية يحدث أن يطرب مسؤول كبير من الحزب الحاكم لطفل موهوب أو لطفلة موهوبة فيكافئها فورا بمبلغ محترم، وكتبت أقول إنها موهبة واعدة بمستقبل فني كبير لو اهتم المشرفون عليها بتدريبها وصقل موهبتها وتعليمها المقامات الموسيقية وحفظ الشعر وضبط مخارج الحروف، ولأنها طفلة خرجت عن الإيقاع ولم تغن بإحساس يوازي عمق المعاني العاطفية في الأغنية بالطبع سوف اتهم بالانحطاط في الذوق و(الوسخ في الأذون).. لماذا؟ لأن المسؤول الكبير قد شهد لها، دون اعتبار لذوقه الشخصي الذي لا يمكن الاعتماد عليه لإصدار تقييم فني جدي وشامل، فإذا قررت عدم الاعتراف بالذوق الشخصي لهذا المسؤول الكبير اتهموني بمعارضة الحزب الحاكم.

وكنت وما زلت من أشد المعجبين بالفنان الكبير محمد عبده، وقبل سنوات لم يعجبني أن يطلق عليه لقب (فنان العرب) فما زال عبدالحليم حافظ إلى اليوم هو فنان العرب دون منازع، لكني عرفت أن أحد الملوك العرب هو الذي أطلق على محمد عبده هذا اللقب، فإذا صرحت بأن لا محمد عبده ولا غيره يستحق هذا اللقب لقيل لي بل يستحقه محمد عبده.. لماذا؟ لأن الملك الفلاني هو الذي لقبه بفنان العرب.. فما هو مستوى التذوق الفني لهذا الملك العربي حتى يطلق مثل هذا اللقب الكبير على فنان عربي لن يضيف إطلاق هذا اللقب عليه ولن ينقص عدم إطلاقه عليه من تاريخه الفني الكبير، وكيف لنا إلغاء البحث عن أي عامل سياسي وراء هذا اللقب الملكي .. رأي كهذا يعرضني دون شك لتهم سياسية عدة لعل أكبرها وأخطرها معاداة النظام الملكي في الحكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى