«الأيام» تسلط الضوء على معاناة مناطق ريفية في يريم بإب .. مواطنون: نسيان تام لمناطقنا وحرمان شامل من المشاريع الخدمية

> «الأيام» الخضر عبدالله محمد:

>
منطقة دخلة عويدين المحرومة من الخدمات
منطقة دخلة عويدين المحرومة من الخدمات
عندما تطال يد الحرمان وحياة البؤس والشقاء شريحة من المجتمع لتحرمهم من الحياة الكريمة، أو تطال المرأة بحرمانها من الحقوق المكفولة لها شرعاً.. فإن كل هذا من شأنه أن يوقظ أصحاب الضمائر الحية من سباتهم.. لكن عندما تمتد لتطال الأطفال، فلذات الأكباد فإن هذه كارثة كبرى سيما في ظل التقاعس واللامبالاة من قبل المسؤولين ومن بأيديهم زمام الأمور، فما أن يبلغ الطفل السادسة ذكراً كان أم أنثى حتى يثقل كاهله بأعباء يعجز عنها الكبار أحياناً.. كحرث الارض ورعي الأغنام وجلب الماء من مسافات بعيدة إلى المنازل، كل هذه الأعباء يضعها الآباء على كاهل أطفالهم ليس كراهية لهم ولا انتقاماً منهم.. لكنه الواقع الذي تفرضه حياة الريف. إذاً فسهام المعاناة والحرمان والنسيان قد أصابت كل الفئات العمرية بدءاً بالشباب مروراً بالشيوخ والنساء ووصولاً إلى الاطفال. «الأيام» بدورها تجشمت الصعاب بنزولها إلى عدد من المناطق بمديرية تريم محافظة إب (وهي دخلة عويدين، وعبوم، وبني ساري بعزلة رعايين) لتسلط الضوء على معاناة لا يعيشها أهاليها وحسب.. بل وكافة أهالي مناطق مديرية يريم بإب من جراء حدمانهم من أبسط الحقوق، كخدمات المياه والصحة والطرقات والهاتف وغيرها. فإلى الرحلة الاستطلاعية التي دونّاها على هذه السطور.

نقطة البداية منطقة دخلة عويدين

ما إن تطأ قدماك تراب هذه المنطقة التابعة لمديرية يريم حتى تشاهد القرى ذات البيوت المتناثرة المبني بعضها من الأحجار وأخرى من الطين (اللبن) وتسمع من بين تلك البيوت المتواضعة أنات وصرخات العجزة والشيوخ الضعفاء يدوي صداها في كل ارجاء البلاد.. وتذوق طعم الواقع المر الذي يعيشه أبناء هذه المنطقة الذين لا يملكون عوناً ولا نصيراً.. وتضم منطقة دخلة عويدين خمس قرى وعزل هي: الساري، المنشر، السبلة، بيت العباب ونجد العزب.

> التقينا في البداية بالحاج علي عبدالله عويدين (65 عاماً) أحد ساكني المنطقة ويعمل فلاحاً، الذي وصف المنطقة بأنها ما تزال خارج نطاق التغطية لعدم ربطها بشبكة الاتصالات «حيث أوصلوا شبكة الاتصالات إلى كافة القرى المجاورة التي تبعد مسافات طويلة عن المديرية، ومنطقتهم رغم قربها للمديرية لم يتم ربطها بشبكة الاتصالات». أما عن معاناة الأهالي بشأن المياه فقال: «رغم كثافة وجود الماء في الآبار الموجودة بالمنطقة، وقد تم حفر البئر على حساب الأهالي وتم بناء خزان كبير يغذي المنطقة وأيضاً ووجود مضخة ماء وأنابيب، لكن المشكلة تكمن في عدم ربط شبكة المياه وتوصيل الماء إلى المنازل دون تعب، والغريب في ذلك أن المقاول تخلى عن تنفيذ وإكمال المشروع بسبب عدم تسليم حقوقه المالية، وأصبح العمل في المشروع متوقفا منذ ثلاث سنوات إلى الآن فما ذنب أهالي هذه المنطقة المحرومة من الماء وبقية المشاريع؟ نطالب الجهات المسؤولة بتنفيذ ما يجب تنفيذه بأسرع وقت وأن يؤخذ هذا الكلام بعين الاعتبار».

> والتقينا بالأخ ماجد عويدين فقال: «منطقة دخلة عويدين التي يبلغ عدد سكانها 200 نسمة تعاني عدم استكمال مشروع المياه المتوقف منذ أكثر من ثلاث سنوات، والنساء في هذه المنطقة يقطعن المسافات البعيدة لجلب الماء.كما أن المنطقة بالاضافة إلى أنها تعيش في عطش وحرمان فإنها محرومة من الخدمات فلا مدرسة ثانوية والطلاب يدرسون بمدارس في مناطق أخرى أو في عاصمة المديرية، وحتى المشاريع في المجالات الاخرى غير متوفرة فلا يوجد طريق مسفلت، ورغم ردم ومسح وتخطيط وترقيم الطريق إلا أنه لم ينفذ بعد.. ويواجه المواطن صعوبة في نقل وإسعاف المريض ويتكبد الزيادة في سعار المواد الغذائية والاستهلاكية نتيجة وعورة الطريق. وفي السنوات السابقة تم وعد أهالي منطقة دخلة عويدين بسفلتة وتعبيد الطريق، ولكن ذهبت الوعود أدراج الرياح، والمثير للاستغراب أنك تشاهد بعض القرى التي تبعد مسافات طويلة عن عاصمة المديرية طرقها معبدة بالإسفلت، ورغم قرب مسافة منطقة دخلة عويدين عن المديرية إلا أنها لم تحصل إلا على وعود لم تنفذ إلى الآن».

> كما التقينا الأخ عبدالرحمن القوسي، الذي تحدث عن الخدمات الصحية قائلاً: «لا توجد وحدة صحية بمنطقة دخلة عويدين التي يبلغ عدد سكانها 2000 نسمة وتبعد 4 كيلو مترات عن مديرية يريم، وليس فيها طريق اسفلتي، وبالتالي يصعب نقل المرضى بصورة سريعة لذلك فإن أكثر حالات الوفاة بسبب هذه العوامل.. وأتساءل إلى متى ستظل هذه المنطقة محرومة من الخدمات الصحية؟».

المحطة الثانية منطقة بني ساري عزلة رعايين

بعد أن أنهينا تجوالنا في منطقة دخلة عويدين شددنا الرحال إلى منطقة بني ساري عزلة رعايين بمديرية يريم، مارين ببعض المناطق على جنبات الطريق الاسفلتي، وعند نهاية الطريق الاسفلتي المعبد وصلنا إلى طريق ترابي تحيط به الوديان الزراعية من كل الاتجاهات وكانت الطريق وعرجة وخطرة وضيقة بما يفوق الوصف.. قضينا أكثر من ساعة ونصف بين صعود وهبوط، على الرغم من أن المسافة كانت قصيرة ولا تستغرق نصف ساعة إذا كانت الطريق سليمة أو حتى شبه سليمة. على أي حال وصلنا منطقة بني ساري، ووجدناها وحيدة مع معاناتها لا يشاركها في ذلك غير نواح طيور شردها الجفاف، وماشية أهلكها الظمأ.. ورغم وجود الماء في الآبار فإن ضخ المياه ينقطع عن المنطقة عدة أشهر.. ولكن على وجهها ترتسم ابتسامة رغم المعاناة، وفي عيون قاطنيها تبدو دهشة وبراءة طفولة.

وحول ما تعانيه المنطقة من هموم تحدث الينا الأخ خالد ناجي محمد الدغار قائلاً: «يبلغ عدد أهالي منطقة بني ساري حوالي 1800 نسمة وتبعد عن عاصمة مديرية يريم كيلومتر فقط ولكن المعاناة جاثمة على صدورنا في هذه المنطقة، فالمواطن صار يواجه أزمة المياه من ناحية إذ وصل سعر الوايت (البوزة) 1700ريال، والمواطن في هذه المنطقة لا يملك إلا الاستسلام أمام ما يحدث، فكثير من أبناء هذه المنطقة من ذوي الدخل المحدود فإلى أين سيذهبون ومن أين لهم بثمن الماء؟ ويبدو أن المواطن مغلوب على أمره فهو بحاجة ماسة إلى قيمة وايت ماء يروي به عطشه وعطش أبنائه وماشيته التي يضطر إلى بيعها حتى يدفع ثمن الماء.

ويزداد الأمر سوءاً إذا ما عرفنا أن منطقتنا خالية من أي مرفق حكومي، أما المدارس فيوجد في المنطقة مدرسة واحدة مكونة من فصلين فقط يدرس فيها أبناء المنطقة كلهم من الصف الأول ابتدائي إلى السادس.. إذاًَ كيف يتعلم هؤلاء الطلاب وهم مجمعون معا ومختلطون من الصف الأول إلى السادس؟ هذا أمر يدعو للضحك، ويدرس في المدرسة ثلاثة مدرسين فقط، وكما أن منطقتنا ليس فيها مركز صحي ولا اتصالات، وبات أهالي المنطقة للأسف الشديد يعانون الأمرين فالمدرسة لا تتسع للطلاب والطريق وعر وغير مسفلت».

> أما الأخ منصور محمد مسعد الدغار فقد تحدث قائلاً: «منطقة بني ساري وما أدراك ما منطقة بني ساري، الماء فيها بالفلوس وإن أتى لا يأتي إلا عدة ايام ثم ينقطع عدة شهور، وأرثي لنساء المنطقة اللاتي يقمن بجلب الماء من مسافات بعيد جداً على ظهورهن، ولا حول لهن ولا قوة، والمنطقة كما ترى فيها مدرسة بفصلين لا غير، والطلاب يذهبون إلى أماكن بعيدة للتعليم، والطريق وعرة وخطرة، وفي ظل تنامي الفقر فمنطقة بني ساري محرومة ومعظم سكانها من ذوي الدخل المحدود.. وعبر «الأيام» التي لها باع وذراع في الوطن نأمل أن تصل مناشدتنا إلى الجهات المختصة وأن يكون للمنطقة نسبة من المشاريع والخدمات».

> وتحدث إلينا الأخ إبراهيم ناجي مسعد بحرارة مخلوطة بالأسى قائلاً: «مشاكلنا في المنطقة كثيرة ولا أحد يعلم بحالنا وكان أملنا في المجلس المحلي لعل وعسى أن يعمل لنا شيئاً، لكن مرت السنوات ولم نلمس منه شيئا.. فإلى متى هذا الحرمان؟ ولا نقول إلا: لا حول ولا قوة إلا بالله». استغرق تجوالنا في المنطقة حوالي نصف ساعة وكانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً.. واصلنا المشوار إلى مقصد رحلتنا منطقة عبوم بمديرية يريم، وبعد نحو ساعة وصلنا إلى منطقة عبوم التي استقبلنا أهاليها الطيبون بالترحاب.

المحطة الثالثة منطقة عبوم

منطقة عبوم بمديرية يريم محافظة إب تتكون من عدة قرى منها قرية حنصل وغيرها من القرى الأخرى، هذه المنطقة وقراها ريفية تقع في الجهة الغربية لمديرية يريم ويقطنها حوالي 3000 نسمة، يعتمد أهلها على الزراعة وتربية الأغنام.. وخلال زيارتنا لها وجدنا المنطقة تعاني ما تعانيه منطقتا دخلة عويدين وبني ساري من حرمان من الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والمياه والاتصالات، إلا أن منطقة عبوم تتميز بوجود طريق اسفلتي معبد.كان أول المتحدثين من أهالي منطقة عبوم الشيخ عبدالوهاب هادي الظوراني، شيخ منطقة عبوم.. وبدأ حديثه قائلاً: «نرحب بكم في منطقتنا فهي أول مرة يزور منطقتنا صحفيون ليحملوا همومنا». وتحدث عن حرمان المنطقة من أبسط مقومات الحياة حيث قال: «أولاً سأتحدث عن الصحة، تعتبر منطقة عبوم من أكبر مناطق يريم بمحافظة إب حيث يبلغ عدد سكانها 3000 نسمة تقريباً وتبعد عن عاصمة المديرية 4 كم ورغم ذلك حرمت من أبسط مقومات الحياة، ورغم شهرة منطقة عبوم الواسعة وكثافة سكانها لا توجد فيها وحدة صحية تستفيد منها المنطقة وكذا القرى المجاورة لها، حيث يتم إسعاف المريض إلى أي مستشفى أو إلى أي محافظة ويتحمل المريض عبئاً كبيراً في نقله، رغم أن ظروف الأهالي صعبة ولا يستطيعون تحمل تكاليف نقل المريض، لذلك فأبناء منطقة عبوم بحاجة ماسة إلى وحدة صحية تقوم ولو بالإسعاف الأولي. أما بالنسبة للتعليم.. ففي منطقة عبوم مدرسة تم تأسيسها في الثمانينات مكونة من ثمانية فصول بنيت بطريقة غير منتظمة، ونظراً لقدمها فقد تعرضت لتشقق الجدران والسقوف السقوف التي أصبحت آيلة للسقوط، وبسبب وضعها السيئ فإنها لم تعد صالحة للدراسة.كما توجد مدرسة جديدة شيدت على نفقة المجلس المحلي لمديرية يريم مازالت مغلقة منذ سنتين لغياب ضمير المقاول الذي لم يقم ببنائها بالشكل المطلوب.فهي لا محالة ستسقط يوما من الأيام على رؤوس الطلاب والمعلمين، إذ يوجد فيها شقوق في السقف وعند هطول الأمطار يتسرب الماء بغزارة وكأنه ليس ببناء حديث، وهذا كله غياب ضمير المقاول».

بئر عبوم التي يشرب منها الأهالي وبداخلها المخلفات
بئر عبوم التي يشرب منها الأهالي وبداخلها المخلفات
أما عن الاتصالات فيقول: «لم تصل بعد خدمة الاتصالات السلكية ويعتمد الاهالي على الهواتف المحمولة (الجوال) التي تصل تغطيتها إلى بعض الأماكن المرتفعة، وأهالي المنطقة يطالبون وزارة الاتصالات بإدخال شبكة الاتصالات إلى منطقتهم، إذ رغم أن المنطقة تقع بالقرب من مدينة يريم مع ذلك ما تزال محرومة من خدمة الاتصالات».

وعن مشاريع المياه فأشار قائلاً: «المنطقة محرومة من مشاريع المياه فأهالي القرية يعتمدون كل الاعتماد على جلب المياه من الآبار القريبة والقديمة التي تتكون داخلها جميع القاذورات. وأصبحت الآبار التي نشرب منها ملوثة، بل أصبحت مقلبا للقمامة، ففي قاع البئر تشاهد القطط والكلاب الميتة والطحالب والمخلفات من الأحذية والأتربة.. وقد أثقل كاهل النساء في هذه المنطقة التعب من جلب المياه يومياً على ظهورهن دون توقف، وبعضهن يلدن في الطريق . فأي حياة هذه التي نعيشها؟! ومن هذه الصحيفة نناشد مدير مياه الريف بدعم المنطقة بمشاريع المياه من مضخات وأنابيب مياه لتوصيل الماء إلى منطقتنا المحرومة من مشاريع المياه، وبناء خزانات مياه لمنطقتنا البائسة».

> ويقول الأخ محمد عبدالله مثنى، معلم وإمام وخطيب مسجد منطقة عبوم: «نحن نعاني من شحة المياه، حتى أنه يوجد في المياه التي نشربها مخلفات من الأحذية والقراطيس والعظام والأتربة مما ينتج عنه أمراض حصوات الكلى لدى الأطفال والكبار».أما عن التعليم فتحدث قائلاً: «لدينا مدرسة قديمة أوشكت على الانهيار فوق رؤوس الطلاب، ولدينا مدرسة أخرى مضى عليها من الوقت سنتان لغياب ضمير المقاول، إذ تشرخ سقفها وصار الماء يتسرب من تلك الشقوق عند هطول الامطار. ويدرس الطلاب من أول ابتدائي إلى ثاني إعدادي فقط، كما يدرس في مدرستنا طلاب من قرى مجاورة لذلك نأمل من الجهات ذات الاختصاص مراعاة ظروف هذه المنطقة والالتفات إليها، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق)».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى