حكاية قصيرة .. وضاعت في النفق

> «الأيام» عوض بامدهف:

> بحث طويلاً عن ساحل البحر وذاك الشاطئ الناعم شديد البياض والنعومة والدفء، والذي طالما شهد لقاءاتنا بين أحضانه الحنونة، حيث احتفظنا فيها بأسرارنا ونجوانا وتلك الأحاسيس الرقيقة. اعترف بأني كنت لحظتها قد تحولت في رحلة البحث هذه إلى من يبحث عن إبرة في كومة قش، أضعت الكثير من الوقت في مشوار بحثي المضني هذا، ومع ذلك لم أفقد الأمل كما لم أدع اليأس يتسرب إلى أعماقي، لأن ما بين الأمل واليأس مسافة مازالت طويلة، أو هكذا اعتقدت .. ربما لأني بطبعي شديد التفاؤل إلى درجة السذاجة وإلى حد لا يطاق ولا يحتمل، فدائماً ما يدور بمخيلتي منظر نصف الكوب المملوء، ولا أدري سبباً لذلك؟ هل لأني الاستثناء عن القاعدة أم هو من تداعيات بحثي المستمر عن شيء مبهم أفقدني القدرة على التوازن .. لأنزوي بعيداً أستمتع بترديد هذا المقطع الأطرشي (العمر قضيته حزين مظلوم).

يا سبحان الخالق .. رددتها أقرب ما تكون إلى الهمس منها إلى البوح وكأني أحدث نفسي في داخلي .. وقد استقرت عيني في اتجاه أحادي الوجهة.

وجدتها أمامي تجسد كل ما كنت أتمناه وأحلم به ويداعب ويراود مخيلتي لفترة طويلة .. ورب صدفة خير من ألف ميعاد ..

حينها تزاحمت المشاعر والكلمات.. وتعطلت ملكات الإفصاح .. وأحسست أن عوامل التعبير والنقل قد أصيبت بعجز مفاجئ .. حيث ساد الصمت .. المكان والزمان واللحظة ..وحقاً «ما ألذ الصمت حين خيم..» كان أصدق تعبير عن تلك اللحظة الهانئة .

وابتعدت .. لا بل انسلت سريعاً وبنفس القدر الذي ظهرت فيه، وتركتني غارقاً في بحر متلاطم من التساؤلات.. وعدت أدراجي للاستمتاع بحالة الغزل وأمواجه التي كانت أكثر شوقاً ولهفة لتداعبني كراً وفراً .

وحاولت قدر الجهد .. الخروج من شرنقة تلك اللحظة الهانئة العابرة.. وعندما تصورت بأني قد حققت وبلغت ذلك .. رأيتها صدفة أمامي في تكرار جميل لمشهد اللحظة الأولى .. وكان القدر هذه المرة كريماً معنا إلى أقصى الحدود.

وتكررت مشاهد اللحظات الهانئة .. في تعاقب ممتع أثار فينا الدهشة والنشوة والابتهاج ... وشربنا من كأس الحب المترعة حتى الثمالة، ومارسنا طقوس الحب .. في محراب النفق الدافئ .. وكما جرى كل شيء في غفلة من الزمن ..أفقنا فجأة فإذا كل الأمر سراب .. وصرت كالقابض على الماء.. بعد أن تلاشت وتبخرت من أمامي بعد لقائنا الإخير في أحضان النفق.

كانت الظروف المحيطة بها أقوى من قدراتها على المواجهة والاحتمال والتصدي، وسقطت فريسة سهلة في شباك ما يدبر لها في ليل حالك الظلمة لإرغامها على الارتباط بشريك قسراً .. أضعتها بسلبيتي وتخاذلي وعدم استجابتي لدعواتها وتوسلاتها ودموعها لإنقاذها ولم أحرك ساكناً .. وهكذا ضاعت أو أضعتها في النفق، ودفنت هناك .. كل الآمال والأحلام واللحظات الهانئة.

وكلما مررت بالقرب من النفق أسمع صدى صوتها الحبيب يناديني بنبرات دافئة: أرجوك .. باسم الحب واللحظات الهانئة .. وكل ما كان بيننا .. أرجوك أنقذني أنقذني.. ويتلاشى صوتها الحبيب، ويسود الظلام أعماقي والمكان والنفق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى