مختارات في مدائح النبي ومسراه ومعراجه

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> مختارات الشعر العربي في مدح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ضمن قصائد اشتهرت في السياق الأدبي بالمدائح النبوية وهي كثيرة وشعراؤها أكثر.

غير أن أكثر تلك المدائح شهرة هي القصيدة الاعتذارية الجميلة التي أنشدها (كعب بن زهير) في مدح الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم طالبه فيها الأمان منه فوعده إياه بل وزاده عليه أن وهبه بردته الشريفة، التي اشتراها عمر الفاروق رضي الله عنه من أحفاد كعب بالثمن المعلوم في ذلك الزمان ومطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

وهي إذن مقدمة غزلية أنشئت على الإطار التقليدي لنظم الشعر العربي خاصة فيما يتعلق بورود المقدمة الغزلية التي تعد لازمة في تلك الفترة، وإن ذهبت أبياتها في غرض غير ذلك فيما بعد، وهو عرف تدارج عليه الشعراء وتواضعوه في مقدمات قصائدهم ومازال حتى الآن عند أنصار المدرسة (الكلاسيكية) وفيها يقول:

أنبئت أن رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

إن الرسول لسيف يستضاء به

مهنّد من سيوف الله مسلول

في عصبة من قريش قال قائلهم

ببطن مكة لما أسلموا زولوا

فخلع عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد مديحته تلك بردته الشريفة ومن يومها عرفت تلك القصيدة بـ (البردة).

هذه المديحة التي قيلت في صدر الإسلام والتي تعتبر من أشهر المدائح النبوية كانت منهلاً ومفتتحاً للمدائح النبوية التي خصت أشرف الرسل أجمعين والشفيع عند رب العالمين.

وبعد ستة قرون كاملة من بردة كعب بن زهير جاءت بردة أخرى للبوصيري وقد لاقت من الذيوع والانتشار ما جعل شعراء آخرين يعارضونها ويشاكلونها جرياً على نظم البردة التي قيلت تيمناً بالبردة الأولى إن لم تكن سمية لها ويقول البوصيري في بعض أبياتها:

محمد أشرف الأعراب والعجم

محمد خير من يمشي على قدم

محمد خير خلق الله من مضر

محمد خير رسل الله كلهم

محمد سيد طابت مناقبه

محمد صاغه الرحمن بالنعم

محمد يوم بعث الناس شافعنا

محمد نوره الهادي من الظلم

محمد قائم لله ذو همم

محمد خاتم للرسل كلهم

وعرفت هذه القصيدة باسم آخر هو (البرأة) بجانب (البردة) بحسب ما تذهب إليه بعض الروايات من أن قائلها قد شفي من (فالج) أصابه فهب واثباً بعد نظمها، خاصة وهو قد أنشأها طامعاً من ربه بالبراء والشفاء، قربة في مدح رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

ولمحمد سعيد بن حماد البوصيري قصائد أخرى في مدح الرسول ومنها ما تعرض لمسرى النبي في رحلة المعراج وفيها يقول:

كيف ترقى رقيك الأنبياء

يا سماء ما طاولتها سماءُ

لم يساووك في علاك وقد

حال سنا منك دونهم وسناءُ

غير أن أشهر هذه المدائح تبـقى (نهج البـردة) لأمـير الشـعراء أحـمد شوقـي وإن كـانت قد قيلت معارضة لبردة الـبوصيري إن لـم تنشأ على منوالها إلا أن (نهج البردة) لشوقي فيها من المعنى والمبنى وحتى المغنى ما قيض لها سعة الذيوع وشمول الانتشار خاصة وقد غُنيت بصوت سيدة الغناء العربي (أم كلثوم).

إضافة إلى أن متذوقي الشعر ومتلقيه ودارسيه وحتى ناقديه سيجدون في (نهج البردة) لشوقي تماسك البناء الفني وبراعة الضرب الموسيقي للإيقاع العروضي للبناء العمودي وهذا لا يعني بتاتاً الانتقاص من بردة البوصيري، وإنما الطبيعة الوجدانية في (الملحمة) الشعرية لقصيدة (نهج البردة) لشوقي قد تستوقفك كثيراً، وهي لعمري إن كانت (اليتيمة) التي أنشأها شوقي لاستحق عليها إمارة الشعر أيضاً قبل المبايعة على ذلك، سيما وقد تضمنت جماليات من فنون وضروب الأدب العربي من جودة في الغزل وبراعة في الحكمة وبلاغة التشبيهات والصور الشعرية ووضوح في البيان وغنى في المرادفات وعذوبة في المفردات، فضلاً عن المضمون الفني والأسلوب العام لشوقي، وهو ما يحتاج أبحاثا ودراسات وليس مجرد مقالة عابرة لقراءة حابرة بذكرى مسرى النبي الكريم في هذا الشهر المبارك والتي أحبذ أن أختمها بهذه الأبيات المختارة من قصيدة (نهج البردة) لأمير الشعراء أحمد شوقي:

ريم على القاع بين البان والعلم

أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

لما رنا حدثتني النفس قائلة

يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم

جحدتها وكتمت السهم في كبدي

جرم الأحبة عندي غير ذي ألم

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه

فقوم النفس بالأخلاق تستقم

والنفس من خيرها في خير عافية

والنفس من شرها في مرتع وخم

محمد صفوة الباري ورحمته

وبغية الله من خلق ومن نسم

ياأفصح الناطقين بالضاد قاطبة

حديثك الشهد عند الذائق الفهم

أسري بك ليلاً إذ ملائكة

والرسل في المسجد الأقصى على قدم

صلى وراءك منهم كل ذي خطر

ومن يفز بحبيب الله يأتمم

يارب أحسنت بدء المسلمين به

فتمم الفضل وامنح خير مختتم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى