زنجبار المعطرة بالقرنفل تلغي التأميم

> فاروق لقمان:

> عرفه العالم لأول مرة في جزر الملقة في إندونيسيا أخصب أرض في آسيا تقريباً. ولما سمع به ثم ذاقه الصينيون قبل أكثر من ألفي سنة استوردوه بالجملة وشجعوا على زراعته. سماه سكان الجزر «شنكه» وشغف به الأباطرة قبل الشعوب لرائحته العطرة وأرغموا كل من يود الاقتراب من الملك أن يمتصه كما نفعل حالياً بالنعناع السائل أو الحبوب.

ولما وصل الهولنديون إلى إندونيسيا ثم استعمروها خمسمائة عام أطلقوا عليه الاسم اللاتيني الذي يعني المسمار وهو «كلوف» وسماه العرب القرنفل وهي مشتقة من لغات جنوب الهند «قرانبو». وعن العرب أخذت الشعوب الأخرى ليس فقط الكلمة في بعض الأحيان بل الشغف به. فمثلاً اليونان تسميه بكلمة قريبة «قرايفالو». وهكذا البلغاريون «قرمفل». وكان للعرب فضل عظيم في انتشاره بالإضافة إلى عدد كبير من التوابل الآسيوية الأخرى كما سجلها المؤرخ البريطاني في كتابه العجيب (درب التوابل) الذي استعرضته أكثر من مرة هنا وفي مطبوعات أخرى. وكأنه بذلك أراد محاكاة كتاب (درب الحرير).

ومن إندونيسيا انتقلت غرساته إلى البرازيل وسريلانكا وموريشس ومدغشقر والهند وجزر الهند الغربية - البحر الكاريبي- وجزيرة زنجبار في المحيط الهندي الملحقة بتنزانيا. ولعل الأخيرة أشهر الجزر خارج إندونيسيا بزراعة القرنفل بعد الغزو والاحتلال البريطاني الذين أدركوا فوائده الاقتصادية والتجارية للجزيرة. لذلك سموها يوماً ما «الجزيرة المعطرة بالقرنفل».

وتقول السجلات التاريخية إن الصين عرفته قبل ألفين وأربعمائة سنة وإن هناك معلومات مكتوبة أن الحاشية كانت كما قلت سابقاً تمتصه قبل الاقتراب من الحضرة الملكية.

وهناك من المعلومات ما يفيد بأن للقرنفل - كما أن للهيل أو الحبهان - منافع صحية إلا أنني سأتفادى الخوض في هذا الجانب بالذات والأفضل قراءة كتب طبية حديثة للاستفادة. وبينما يستخدم أهل إندونيسيا القرنفل في الغذاء تراهم يسرفون في مزجه بالتبغ في صنع السجائر. لذلك إن كنت مثلي لا تدخن ستجد رائحة الدخان الإندونيسي امتحاناً عسيراً إذا ما شاء سوء الحظ دخولك مكاناً مغلقاً فيه مدخنون لسجائر القرنفل. صحيح أن في ذلك إساءة بالغة للنبات النبيل مع أن الأفضل إضافته إلى معجون الأسنان كما جربت واستفدت لأنه يعطر الفم ويساعد المواد الكيميائية المعروفة فيه مثل الكلورايد في علاج التسوس. وأيضاً إلى مئات الأطباق الغذائية كما تفعل شعوب آسيا لكن دون إفراط في كمياته لأن عطره يطغى على سواه في الشاي واللحوم والمرق إلى الأرز الزربيان عندنا والبرياني في الهند والكبسة أو المندي أو البخاري في بعض دول الخليج. كما أنه يضاف إلى كل حبة تمبل لإحكام إغلاقها وتحسين مذاقها.

حتى الآن ظلت زنجبار، التي سماها العرب «بر الزنج» نسبة إلى أهلها لأنهم أفارقة، تعتمد على صادرات القرنفل لتأمين بعض الدخل لأنها لا تمتلك مقومات اقتصادية أخرى باستثناء سياحة محدودة لاشتهارها بالشواطئ التي لم تتعرض للتلوث الخطير حتى الآن.

وكانت الجزيرة التي كانت تابعة لسلطنة عمان إلى أن قامت ثورة شعبية نالت بعدها استقلالها. ثم وقعت في حبائل الحزب الماركسي الذي صادر كل المرافق والثروات ومنها بالطبع القرنفل، التي كان الشيوعيون يطلقون عليها «الذروات الاقتصادية» مهما كانت صغيرة وتافهة.

ثم اضطرت عندما تدهورت أحوالها إلى الالتحاق أو الانضمام إلى جارتها الكبرى تنجانيكا أيام قيادة يوليوس نايريري وشكل الجانبان دولة تنزانيا - حرف الزاي أضيف تكريماً لزنجبار. ومع ذلك ظل فكر الحزب الماركسي سائداً حتى عهد قريب والحكومة مسيطرة على القرنفل زراعة وتوزيعاً وتصديراً حتى بدأ يفقد أهميته بعد تعدد بلدان زراعته سيما في الشرق الممتد من جنوب الهند إلى إندونيسيا.

وقد أعلنت الحكومة الزنجبارية أنها تنوي تخصيص القرنفل زراعة وتوزيعاً وتصديراً أولاً لأنه لم يعد له تلك الجاذبية الأصلية ولم تعد زنجبار إحدى أهم مصادره. ويُقال هناك أن المستقبل الاقتصادي يكمن في السياحة الأوروبية للجزيرة المعطرة وتأمين مصادر دخل حكومي من بيع العملية كلها للقطاع الخاص خصوصاً بعد انتشار تهريبه إلى الخارج سيما إلى كينيا بالرغم من العقوبات الفادحة التي يفرضها القانون ومنها السجن لثلاثين عاماً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى