والحل؟ عودة للعقل والضمير بعد غياب عربي

> عبدالله الأصنج:

> تتخبط الأمة العربية يميناً ويساراً بين طموحات مشروعة وحقوق منهوبة وثروات مهدرة يساء استغلالها وتوظيفها فيما لا ينفع الأمة، فلا تتحرر الإرادة ولا تنطلق خطط التنمية ولا يتحقق التطور والتقدم على قاعدة المشاركة الفعلية بين الحاكم والمحكوم فتتأسس الممارسة الحقيقية للديمقراطية بجوهرها ومضامينها لا بقشورها ورتوشها كما هو الحال مع الأدعياء في المحيط العربي والإسلامي. فالإعلام الكاذب والمخادع لا يقدم خبزاً لجائع ولا عملاً لعاطل، كما أن سياسة القمع والقهر لا تخضع الشعوب طوال الوقت. وبينما تعنى الإدارة الأمريكية وأجهزتها بخلخلة أوضاع العرب والمسلمين وإخضاعها للقبول بدور إسرائيلي قائد في عملية إنشاء الشرق الأوسط الجديد أو الكبير لتتربع فيه مصر وتركيا بعد إسرائيل أدواراً مكملة أقل أهمية أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لا يعتقد مراقبون سياسيون عرب وأجانب بأن الإدارة الأمريكية وإسرائيل ومن ورائهما كل دول الاتحاد الأوروبي ترغب في إقرار أدوار ذات قيمة لدول عربية وإسلامية تغرق في بحر من الأحلام والأماني.

وإذا كانت إيران وسوريا والسودان والصومال وغالبية الشعب اللبناني بأكثريته المسلمة والمسيحية تقف عقبة تعترض طريق الانتقال بالمنطقة العربية لتتحول من انتمائها العربي الإسلامي المطلق إلى السير وراء مغامرة مشبوهة تهدف إلى طي صفحة الانتماء والتضامن للأمة الواحدة وتوسيع رقعة الهيمنة الخارجية في ظل إدارة المحافظين الجدد التي تعلن مراراً وتكراراً عن عزمها على بعثرة وتجزئة إيران وسوريا ولبنان كبداية بعد السودان والصومال وتمزيق مجتمعات هذه الدول وغيرها مثل مصر والمغرب والجزائر ودول خليجية والباكستان بصورة ستكون أعظم وأخطر.

إن مشروعاً تكميلياًِ لإشاعة الفوضى يجري التمهيد لتنفيذه بدءاً بضغوط متصاعدة وإشغال لعدد من الدول والأنظمة العصية، ومن ثم تفجير فتنة داخلية والدفع إلى مواجهات مسلحة كما هو واقع اليوم في فلسطين، حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي صنوفاً من القهر والإرهاب والعقاب الجماعي، والحال غير مختلف في دارفور بالسودان والصومال بدعم وتمويل أمريكي وأوروبي.

وأمام هذه التحديات والمخاطر التي ترافقها تجاذبات محاور عربية متواطئة ومتصارعة وبعضها متنافسة ومتهافتة على تمرير إملاءات أمريكية بقصد الالتفاف على المشروع العربي المعلن لإحلال سلام عادل يمثل الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية، وهو المشروع الذي نعته جامعة الدول العربية وتجاهلته إسرائيل.

وعليه فإن المسئولية تقع اليوم على عاتق الأمة وحكوماتها حتى تقرر كيف تصمد وتتصدى للضغوط، وتتمثل في الآتي:

فرض عودة الأوضاع الفلسطينية إلى سابق عهدها وتخلي حماس وفتح عن التمترس وراء موقف رفض الآخر وإنهاء قطع صلات وروابط قطاع غزة بالضفة والعودة إلى مرجعية فلسطينية تضم كافة الأطراف الفلسطينية: فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية وما تشمله منظمة التحرير الفلسطينية من مكونات، فالانفراد بالسلطة والقرار واحتكار اقتسامها بين فتح وحماس سوف يوقع الجميع في شراك موضوعة للشعب الفلسطيني نسج خيوطها حكماء صهيون ومن والاهم.

الالتزام برفض عربي قاطع لكل محاولات وضغوط تفرض على الأمة وشعب فلسطين بالسكوت لقبول أي تعديل لمشروع السلام العربي أو حتى مجرد القبول بالنظر في بعض بنوده ما لم يتم أولاً إقرار موعد قريب تعلن فيه إسرائيل والمجتمع الدولي الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس العربية وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين كما تنص عليه القرارات الدولية التي قضت الاعتراف بدولتين في فلسطين منذ ستين عاماً. والخوف هنا من مبادرات وتنازلات عربية تخلق المزيد من الانقسامات في صفوف الفلسطينيين وتحقق لإسرائيل مزيدا من الضم والإلحاق لأراض وقرى وضواح ومزارع ومبان فلسطينية، وصولاً إلى حكم ذاتي فلسطيني في إطار فيدرالي مع الأردن.

ولذا لا حاجة لمشاركة عربية وفلسطينية في اجتماع دولي وليس مؤتمراً دولياً يجري الإعداد له في واشنطن، حيث لن يكون هناك جديد يطرأ على موقف إسرائيل وإنهاء احتلالها ومنع تنكيلها بالشعب الفلسطيني. والخوف في هذا السياق من مساع أردنية مصرية تبذل على استحياء مع دول عربية لإقرار التصرف خارج جامعة الدول العربية، والخشية من أكذوبة تسويق المشروع العربي للسلام بموافقة حكومات المشرق والمغرب يعبر عنها أصحابها بالسكوت. فالسكوت من «علامات الرضى» حتى في زواج المستحية أو أن «السكوت من ذهب» في توصيف السياسة العربية فلا يخسر أصحابها شعب فلسطين ولا يغضبوا إدارة أمريكية لا تألو جهداً لإذلالهم واستغلالهم وخلخلة أوضاعهم. وفيما بقي لنا من وقت ضائع نحكم فيه العقول والضمائر.

قول حكيم اليمن في معهد العميان

كنا وآخرين برفقة زعيم وحكيم وفيلسوف اليمن الأستاذ أحمد محمد النعمان والقاضي عبدالله بن أحمد الحجري، يرحمهما الله، حين افتتحا معهد العميان في صنعاء قبل ثلاثة عقود من الزمن. كانت جموع العميان يقبعون في أبهى حلل يديرون رؤوسهم يمنة ويسرة دون فهم وإدراك لما يجري في محيطهم.

وأمام المنظر المؤلم سمعنا صوت الأستاذ النعمان يردد:

أرانب غير أنهم رجال

مفتحة عيونهم نيام

وما أشبه الليلة بالبارحة.. فاليمن تعج بالأرانب البشرية وسط أحداث جسام وتحديات خطيرة وفساد مقيم وحروب ومصادمات واعتصامات ومظاهرات.. ودوي صرخات وما ضاع حق وراءه مطالب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى