حرية الفكر كيف يجب أن نفهمها؟

> «الأيام» أسامة بن محمد الكلدي /المعلا - عدن

> جرَت سُنة الله في الإنسان التطلع إلى الجديد، والبحث عن المفيد، والتفكر والنظر فيما حوله، ولا يتصور إنسان لا يفكر.. والفكر في كتب اللغة والدراسات الحديثة هو إشغال العقل بالنظر في الأمور طلباً للوصول إلى حقيقتها، لتنمو معارفه وعلومه، وهو للإنسان دون الحيوان.

ولقد دعا الإسلام إلى النظر واكتشاف الكون وأخذ الفكرة والعبرة من ذلك، قال تعالى:?{?الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض..?}? الآية (191) آل عمران.

وبهذا شهـد التأريخ، ففي ظـل دولـة الإسلام استنار العقل البشري بالعلم والمعرفة، وازدهـر الفكـر، حتى كتـب أحدهم كتـاباً عـن دولـة الإسـلام سمـاه دولـة الفكـرة. وحيث إنـنا نفكر فنفـهم، ونفهم فنعـلم، ونعـلم فنعمل، فالفـكر - كان ولا يزال - يدعو إلـى الخير والعمـل بـه. ولكن هـل الفكر بشـكل عام يتجه نحو هذه الحقيقة؟ وهل الفكر يستقل بالحكـم والمرجعـية؟ بحيث لا يخضع لشرع، ولا ينضبط بقانون ولا يرجع إلى عرف معقـول، فـلا راد لفـضوله، ولا معقب لشطحاته ونزواته، فمن الناس مـن يدعـو إلى ذلك بإطلاق، ويجعله الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه.. وهم بهذا ينسون أو يتناسون أن من الفكر ما يهـدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، ويفرق ولا يجمـع، ويخـرج عن جادة الحق وطريق الجماعة، ومصالح الأمة ومقدساتها وركائزها الأساسية.

ألا فليتذكروا أن حرية الفكر ليست حرية تآمر، ولا فتنة ولا خلاف، إنها خير عميم ومصلحة كبرى للأمة تتجاوز الأفراد، وليست هروباً من كل التزام، ولا خرقاً لثوابت المجتمع الدينية والخلقية.. فنعما هو الفكر الذي يسعى إلى تنوير العقل، ونشر الفضيلة وتهذيب الأخلاق، وإحياء الروح العلمية، وتوجيه العقول والطاقات لعمارة الأرض لصالح البشرية الآخذ بكل خير موجود عند الآخرين، المتوسط بين الفكر المنحرف الهاوي في كل وادي، وبين الفكر الجافي القابع في خانة الجمود والتقليد.

إني لأخشى أن تتحول حرية الفكر إلى صنم آخر من أصنام العصر، يقدس فلا يمس بسوء تُرد إليه أقـوال الناس وتصرفاتهم، يقـدم منها ما شاء ويؤخر، ويخفض ويرفع، ويبيح ويمنع، فباسم حرية الفكر تعرض نصوص الوحيين - القرآن والسنة - على الأذواق والآراء والاقيـسة، جاعـليـنها كأقـوال البشر عرضة للقـبول والرد. ولا نعجـب حينها ممن جعل إنتاجه الفكـري محصوراً في تشويه الإسلام وتصوير النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته بما لا يليق، والطعن في السنة النبوية الصحيحة وردّ أحكامها وأخبارها، والاستهزاء بالشعائر الإسلامية كالحجاب واللحية وغيرها وربط ذلك بالإرهاب، لنرى في الوقت نفسه كيف توأد حرية الفكر والرأي والاختيار عندما تُجمع دول العالم وشعوبه على أمر ما فيقضي على ذلك وكله بما يسمى بحق النقض (الفيتو) من دولة واحدة!!

فهل هذا تناقض تعيشه دول الحرية والديمقراطية والفكر الحر؟ أم هو مراعاة لمصالحها القومية؟ الجواب متروك لأرباب الفكر المستنير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى