النفس والحياة

> «الأيام» ماجد حسين شايف:

> مع استباحة الكتابة، والتجرد بالفكر في أعماق الحال، والحال هنا هما الزمان والمكان، ورؤية ما تسوله الأذهان، اقتضت البلاغة في مزاولة السر، وبوح الكتمان بالجهر، فالبلاغة هي مطابقة مقتضى الحال، وحقائق الأشياء ثابتة والعلم بها متحقق، ومقتضى الحال، هو مما يسوء له المنظر، وتشرئبُ له العقول فما زلتُ أرى المرء تهواه نفسه ويهواها وتهواه دنياهُ ويهواها، أولم يع قول الشاعر :

إبليس والدنيا ونفسي والهوى

كيف المصير وكلهم أعدائي

فها هنا يشتهي كلٌّ فيها مناه، ويستعبد منها عنوانه وهواه، المال فيها راحته، والنساء فيها عقيدته، لا يعي حكمة الخلق وإنما يعي نعمة الأرض، أولم يعٍ أنه عبد وعبد لله وحده، وأن هذه الدنيا لا تقبل لزيادة على اثناين، هذان الاثنان هما البائع والمشتري، فالبائع فيها من باع دنياه ليشتري بها آخرته وقد ربح التجارة، أما المشتري فيها فهو من اشترى دنياه ليبيع بها آخرته وقد خسر التجارة، والتجارة هنا لا تقتضي قبل الوجوب وحدها، وإنما هي مقتصرة على عدة عناصر أساسية فأي منها اختار، فإن اختار الأولى أصبح سعيداً اليوم وغدًا، وإن اختار الثانية أصبح تعيساً اليوم وغدًا، ولقد يوشك المرء في هواه دون استبيانه، ويغدو غدو الطفل في أول أيامه، يفضل راحة الدنيا عن راحة الآخرة وهو يعلم أنها زائلة، وأنه عما قريب سلف الأولين وذاكرة المفقودين، غير أنه في بحر لجي هو هواه دونما شك وإني لأراه قد تربع على كرسي عرشه، مستلا بشدة سيفه ليرى بطشه فيما اختارته نفسه، فلقد اتخذ من المتاع جاراً ومن الحرب على الله ناراً جهارًا، أولم يستبق العلم في خلجات عقله بأن النفس تطمع، وعليه إلزامها بأن تقنع، فهي كالزجاجة في ذاتها فان لم تمتلئ الزجاجة بشيء ملأها الهواء، وكذلك النفس إن لم تشغلها بطاعة الله، شغلتك بمعصيته، وسرعان ما يتوهج الإنسان كي يستبيح به العصيان، وما الدنيا بدار بقاء وإنما هي دار فناء، المال فيها ظل زائل وعارية مسترجعة، والعيش فيها رغد قليل لها عمر لكنه الأطول عمرا، ومازاد من الأمر رهبة أنه استباح هذا، ونسي ذاك، وماذاك، ذاك الشيء الذي يسمى بالتوبة، والتوبة إلى الله عز وجل، ولم يزل العبد يشقى بتعاسة الدنيا، ويظن بأنها سعادته.. أولم يئن الأوان إلى التوبة أم أن هناك بقية باقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى