رعشة الرعب والثوابت الوطنية

> برهان أحمد إبراهيم:

> حينما تراهن السلطة على الحلول الاستبدادية القمعية لمواجهة مشاكل الواقع، فلا يمكن لها عنذئذ أن تكون أمينة على القيم والثوابت مهما ادعت في خطابها، لأنها أظهرت حقيقتها كقوة قهر متأهبة لممارسة عنفها تجاه القيم والثوابت.. وبذلك تكون قد خالفت حقيقة وظيفة السلطة كوسيلة سلمية، وفاعلة لاستقطاب الإجماع.. لذلك فهي تعيش حالة انفصال حاد عن شعبها.. فوسواسها القهري، يجعلها تضيق بالمكان على سعته.. وتنكر الحق على قوته!! لذا، لا تجد أمامها سوى الاحتماء بخطوط (عزل) حمراء وبقانون (العصا).. وبخطاب (الاتهام والالتهام).. وهي في كل ذلك، تستنفر (الثوابت الوطنية) و(الرموز التاريخية) ويا حبذا أيضاً بشيء من (المقدسات الدينية) لتستر عُقَدها النفسية، خلف تلك الغضبة للقيم والثوابت!! فإذا بالمعاني العظيمة (الوطن/ الثورة/ الشهداء/ الوحدة/ الاستقرار.. الخ) حق يراد به باطل.. وسلاح إرهاب في وجه الآخر.. فأية مصيبة أعظم من ابتلاء الشعوب بسلطة تختزل في ذاتها كل شيء من الوطن إلى الحياة!.. تفصّل الأوضاع حسب مزاجها، وتضع خطوطاً حمراء كيفما أرادت أهواؤها.. تجعل الحق باطلاً.. والباطل حقاً.. وبنرجسية تلغي الآخرين، وفي مواجهة الرأي بالقوة تستعين.. فما أعظمك أيها الرأي وما أقواك!

إرهاب فكري، كالذي مارسه (مكارثي) في ستينيات القرن الماضي تحت مسمى (النشاط المعادي لأمريكا) فإذا بالولايات المتحدة تعيش (رعشة الرعب) أصابت نخبة المجتمع من علماء، أساتذة جامعات، كتّاب، فنانين، جنرالات.. حالة شلل تام، وكأن الطير على رأس أمريكا..! فعلى الرغم من غرق أمريكا في المستنقع الفيتنامي، إلا أن أحداً لم يجسر على قول الحقيقة، أو حتى ينبس ببنت شفة خوفاً من أن يتهم بـ(معاداة الوطن) والعمل لصالح (الخارج) الصين الشيوعية!!

وهكذا وضع (مكارثي) بإرهابه الفكري، كل عقل في قفص الاتهام، أمام لجنة التحقيق في الكونجرس!!

ولأن الكرسي دوار فقد انتهى (مكارثي) بفضيحة . غير أن بنت أفكاره (رعشة الرعب) ظلت رمزاً للإرهاب الفكري في كل زمان وكل مكان.. وما نسمعه اليوم من حديث عن قانون (الثوابت الوطنية) لا يختلف في معناه وأهدافه، عما صدر عن المستر (مكارثي). فتوظيف الدين، أو الثوابت لإرهاب الآخرين أمر جبلت عليه الأنظمة المستبدة المتوجسة، وكذلك المنظمات والأحزاب والجماعات ذات العقلية الإلغائية، التي ترى في نفسها الكمال، وتنظر إلى الآخرين نظرة دونية إقصائية!!

وما يهمنا هو تداعيات ذلك التوظيف (القانون؟!) باستثمار (الدين/الوطن/التاريخ/ دماء الشهداء/الوحدة) والاتكاء عليه بقوة القانون ونفاذه، لممارسة الإرهاب الفكري ولقمع هامش الديمقراطية.. وبعيداً عن المغالاة، فإن هذا القانون (الثوابت الوطنية) ستترتب عليه نتائج مكلفة شديدة الخطورة، منها:

- أنه سيصعد من الأزمات ويزيدها اشتعالاً وانتشاراً، بعكس ما ظن أصحابه من أنه سيخمدها.

- سيقود البلاد، بإجراءاته القهرية إلى حالة (رعشة الرعب) الأمر الذي يعمق من الهوة والجفوة بين السلطة والشعب.

- إن حالة الإرهاب والرعب إذا أصابت مجتمعاً ما أفقدته القدرة على الاحتكام للعقل والمنطق، مما يتيح ظهور التطرف والفوضى وصعوبة التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور.

- إن ذلك القانون (المكارثي) بسلبه حق الآخرين في التعبير السلمي المشروع عن مطالبهم، سيدفعهم إلى البحث عن أساليب أخرى، والدخول في مواجهات حادة مع السلطة، مما يعني الوقوع في خطر (المجهول) سلطة وشعباً.

- إن ما وظفته السلطة لصالحها (كما توهمت) سينقلب عليها كانقلاب السحر على الساحر. إذن، لا وسيلة غير الاعتراف الكامل بالآخر، وليكن الحوار قبل خراب الديار؟؟.. فالوطن وطن (الجميع)، بما (فيه) وما (عليه).. وطن حر ، لا يحتاج (خط أحمر)، ولا (قانون) يقهر به إنسان.. فهل تدرك السلطة ذلك قبل فوات الأوان!!؟؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى