في ختام معرضه.. الفنان الألماني (هارالد بيرك) لـ «الأيام»:أعمالي التشكيلية والطينية مستوحاة من نتائج الحفريات والبيئة اليمنية

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
هارالد بيرك مع محاوره
هارالد بيرك مع محاوره
اختتم أمس الفنان الالماني (هارالد بيرك) معرضه بعدن الذي افتتحه في 25 أغسطس الماضي بمعهد جميل غانم للفنون الجميلة، قدم خلاله قراءة بصرية فنية عكست ملامح فنه ومدارك أحاسيسه التي لا تبقيه في التعبير وإنما ذهب إلى معان مبحرة في عالم الجماليات، وأثبت أن الطين يمكن أن يشكل مادة لإنتاج أشكال فنية معبرة، ربط أعماله بحركة أصابعه وبإيقاعات الزمن وبلغتي الجغرافية والتاريخ لحضارات جنوب بلاد العرب، واستفاد أثناء وجوده في أرض اليمن ضمن بعثة الحفريات لدى معهد الآثار الألماني خلال فترة عمله مشرفا ورساما فنيا (1994 - 1997) في منطقة صبر محافظة لحج .

الفنان بيرك (47 عاما) المولود بمدينة (هيدنايهم) درس في الأكاديمية الحكومية للفنون الجميلة في (كارلسروها)، احتوى معرضه المتنوع والمتعدد صنوف المنحوتات والطباشير وطريقة التقاطه بعيون حاكية لمراحل وأبعاد زمنية واتجاهات بيئية.

أعد دورة تدريبية تزامنا مع افتتاح واختتام معرضه لـ 20 طالبا وطالبة من معهد الفنون الجميلة بالتنسيق مع السفارة الألمانية في ورشة عمل فنية لصقل مهاراتهم في مجال النحت. «الايام» أجرت مع الفنان (هارالد) حوارا فنيا، تفضل بترجمته د. أحمد سالم علوي، الاستاذ بكلية التربية جامعة عدن ومدرس اللغة الألمانية بالمعهد الألماني بعدن، فحدثنا عن بدايته الفنية واحترافه في مجال النحت وعمله ضمن بعثة الحفريات في صبر، وسبب إقامة معرضه بعدن، وأعماله المستوحاة من البيئة ومدى تأثيرها، ومشاريعه المستقبلية، وانطباعه عن اليمن وتحديدا عدن، وتقييمه لمستوى طلاب معهد الفنون الجميلة بعدن، ومشاريعه المستقبلية.

> هلاّ حدثتنا عن بداياتك وصولا إلى الاحتراف في مجال النحت؟

- أنا من مدينة (هيدنهايم) التحقت بأكاديمية الفنون الجميلة بمنطقة (كارلسروها) خلال الفترة 83 - 1989م وتتلمذت على يد البروفسور (كلاوس أرنولد) ودرست فيما بعد في مجالي النحت والتصوير، وأعيش في برلين منذ 17 عاما، وعملت خارجها تحديدا في بحر الشمال منطقة (ايبرسفالدا)، وقبل عام أقمت معرضا بالنرويج، وشاركت في عدة تصاميم منها فنية وتصويرية لمستشفيات في مناطق (ايبرسفالدا، لوبن، توبتز، روبين)، والآن أعيش وأعمل ما بين (برلين) و(مارفال) الفرنسية مكان ورشتي.

> سبب اختياركم عدن في تنظيم أول معرض، وبداية وصولكم إلى عدن؟

- اختياري لمدينة عدن سببه ملامح بيئتها وتعاملي أيضا مع مجالي السابق ضمن بعثة الآثار الألمانية كمشرف ورسام في الحفريات بمنطقة صبر محافظة لحج القريبة من عدن خلال الفترة 1994 - 1997م.

فمعرضي في عدن يعتبر الأول، وسبق أن أقمت معرضا في شهري أبريل ومايو المنصرمين في البيت الألماني بصنعاء.

> المتأمل لأعمالك الفنية يلاحظ ارتباطك بالبسطاء من الناس والصيادين كما هو متجسد في أعمالك.. كيف وجدتهم؟

- ارتباطي كرسام في الحفريات الأثرية شكل باعثا لاهتمامي بمادة الطين كمادة يمكن أن استخدمها للتعبير عما شاهدته، إلى جانب البيئة المحيطة بي أثناء عملي ضمن بعثة الحفريات، فاحتكاكي بزملاء العمل من اليمنيين كان له أثر بالغ في التعبير عن أعمالي، أعطيك مثالا، هناك رجل تعرفت عليه منذ عشر سنوات اسمه السيد سليمان سكيني وهو من أبناء منطقة الشيخ عثمان بعدن، وخلال عملنا معا- إذ أنه يساعدني في حرق الطين في مجال عملي- كوّنّا صداقة فيما بيننا، فأنا مرتاح منه جدا، فهو إنسان ودود وخدوم وأعتبره مهما بالنسبة لي.. إلى جانب قربي من الصيادين، كون عدن قريبة من موقع عمل بعثتنا، هذا ما جسدته من خلال عدستي (كمصور فني).

> كيف وجدت مستوى طلاب معهد الفنون الجميلة من خلال احتكاكك بهم أثناء الدورة التدريبية في مجال النحت؟

- وجدتهم مثابرين ومهتمين بصقل مواهبهم، ولديهم رغبة كبيرة في العمل والإبداع، لمست موهبتهم منذ الوهلة الأولى، وما قمت به ليس إلا دفعة بسيطة لتوجيههم وتمكينهم من أداء عملهم، وقد قاموا بإنجاز عمل رائع وفي وقت قصير من بداية الدورة لوحدهم.. أثمن جهدهم، فقد شكلوا فعلا نواة حقيقية للعمل، وهذا يستحق التسجيل والإشادة، وينبغي توجيههم للمستقبل لأنهم موهوبون في أداء عملهم، ويعود الفضل في إنجاح ورشة العمل وتذليل الصعاب إلى الزميلين الأستاذ عبدالله باعبيد، المشرف الأكاديمي بالمعهد، والأستاذ سالم باشعيب، مدرس في مادة التشريح الذي كان إلمامه بالنحت مفتاح نجاح الورشة من خلال جهده وعطائه الكبير، إلى جانب السيد كريستيان هاوكه، المسئول الثقافي والعلاقات العامة بالقنصلية الألمانية بعدن.

رؤوس منحوتة من الطين المحروق أثناء تجفيفها
رؤوس منحوتة من الطين المحروق أثناء تجفيفها
> سبق عرضك معرض الفنانة الألمانية (ماريانا ماندا) للخط العربي كرسامة متخصصة في الحفريات، هل محض صدفة أنكم عملتم في المجال ذاته أم أنه يأتي ضمن إطار أنشطتكم؟

- اطلعت على معرضها الجميل، وكل منا يعمل وفق طريقته، لكنه ينصب في الأخير ضمن عملنا الثقافي والفني.

> هل يمكنك أن تحدثنا باختصار عن الأعمال الميدانية التي قامت بها بعثة الآثار في مناطق اليمن المتفرقة، وأهم النتائج التي توصلت إليها؟

- لا يسعني ذكر النتائج، لكن على ما أذكر قامت بعثتنا منذ القدم بتنفيذ الحفريات ومنها حفريات معبد (حقه) همدان القريبة من صنعاء، وأعمال الحفريات في معبد آلهة (المقه) التابع للمدينة السبئية بصرواح محافظة مأرب، وإجراء الدراسات الميدانية حول تاريخ البناء في الجامع الكبير بصنعاء، وتحديد المناطق الجديرة بالحماية تاريخيا وحضاريا ومنها محمية مأرب التاريخية كمعبد (برآن) والسد القديم، وكذا أعمال التدعيم في صرواح، وتم ايضا إجراء المسوحات بغرض التوثيق الكامل للأنصبة الأثرية والأرضية الواقعة في منطقة مأرب، وإعداد الدراسات لتقنية الري السبئية التي أمكن من خلالها القيام بحفريات في عدد من أبنية مرافق الري، إلى جانب أعمال الحفريات بمنطقة صبر محافظة لحج باعتبارها موقعا أثريا أساسيا لحضارة سادت في العصر البرونزي لم تكن معروفة حتى ذلك الحين.

> هل لك أن تزودنا بلمحة مبسطة عن فن النحت؟

- يختلف فن النحت في أسلوبه عن باقي الفنون، فالنحات لا يتعامل مع الأشكال المسطحة مثل فن التصوير، وإنما يتضمن عمله أشكالا مجسمة ذات أبعاد ثلاثية، عند القيام بعمل بورتريه (وضعية الصورة) لأي رأس بالحجم الطبيعي يبدأ بعمل قالب يتواجد على مسند من الخشب، حيث يتم تشكيل مادة الطين عليه مباشرة.. فمن المعروف أن الإنسان استخدم مادة الطين منذ القدم في صياغة تماثيله المنحوتة لأغراض عديدة كغرض تذكاري وتخليدي وتاريخي وديني.. ويشكل النحات عمله بيديه التي هي أقدر الوسائل لنقل الحس الفني العالي عن طريق الملمس والحركة المجسمة.

> لمسنا من أعمالك انك تستقي أفكارك الفنية من أكثر من بيئة منها (عدن، صبر - لحج، زنجبار- أبين، شبام - حضرموت) ما مدى مدى تأثيرات المكان في أعمالك؟

- أعتمد دائما وأتأثر تماما بالبيئة المحيطة بي كوني عملت سابقا ضمن بعثة بلدي في مجال الآثار، فإحساسي الفني شكل ارتباطا وثيقا بمن حولي دائما، هذا ما أوضحته مسبقا عندما أشرت إلى تأثري بما شاهدته، وللتعبير قوة واضحة بما عبرت عنه وجسدته، لهذا فمختلف أعمالي تعتبر من تصوراتي أكانت رسومات أم صورا أم منحوتات طينية أم طباشيرية هي كلها مستوحاة من البيئة التي عايشتها في اليمن.

> هل من تقارب (نقاط التقاء) بين فن النحت وأعمال الحفريات، وما مدى تأثر أحدهما بالآخر؟

- للبعد الثقافي والفني لأي عمل علاقة مؤثرة، وما تم اكتشافه من الحفريات شكل نقطة التقاء، إلى جانب أن هناك فنانين متخصصين بالرسومات المتعلقة بنتائج الحفريات.. أما بالنسبة لي فانتهى عملي كرسام في الحفريات في عام 1997م، سابقا كنت أرسم الحفريات المستخرجة وكانت تلك وظيفتي، أما الآن فلدي تجربة جديدة ومهمة، ورغبة شخصية في إبراز أعمالي، وما رأيتموه في معرضي متعلق بي، بمعنى (أنا) عبرته فنيا ما بعد 1997م.

> هناك نظرة مختلفة نحو النحت في عموم العالم العربي والإسلامي مرتبطة بالدين، هل لاحظتم ذلك؟

- اهتمام الزوار بالمعرض كان جيدا على الرغم أن المعرض هو الأول من نوعه في اليمن، كان الزوار منبهرين، وليس هناك أي تحفظ أو رفض، بل كان هناك إقبال.. فما جسدته في أعمالي النحتية والرسومات والصور تعكس علاقتي بالحياة والإنسان.

> ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

- حتى الآن ليس لدي مشاريع في اليمن، فهذا العام أقمت معرضين كما أشرت لكم في شهري أبريل ومايو المنصرمين في البيت الألماني بصنعاء وحاليا أنهيت معرضي بعدن، لكنني الآن بصدد إعداد كتاب أدونه عن اليمن يحتوي كل أعمالي وصوري الفنية، وسيضم كتابي بين دفتيه صورا لعدن وصبر وغيرهما، ويستهدف مجمل أعمالي التشكيلية في اليمن وصورا تتعلق بتواجدي مع البعثة الأثرية الألمانية.. وأستعد الآن لإقامة عدة معارض خارجية في براغ بتشيكيا والنرويج ونيويورك بأميركا وفرنسا.

> انطباعك عن اليمن، وتحديدا عدن؟

- تربطني صداقات طيبة مع اليمنيين منهم في صنعاء وعدن، فأنا أحب اليمن بشكل عام، إنها بلد مليئة بالصور الفنية البديعة، فهي فعلا بلد تثيرك للتعرف عليها، أما عدن فهي معشوقتي، أحببتها كثيرا، فالناس منفتحون، ودودون، بسطاء في تعاملهم مع الآخرين وبإمكان أي زائر أن يحتك بهم دون تعقيد أو صعوبة، أنا تعايشت معهم منذ سنوات أثناء وجودي مع بعثة الآثار في صبر، فمسكني كان في عدن.. وفعلا وجدتهم طيبين، وبالإمكان التفاهم معهم بأي لغة أكانت انجليزية أم خليطا من العربية والإنكليزية، ولا توجد مشكلة في التواصل معهم، وحبي للفن جعلني قريبا منهم في كل شيء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى