ملابس الحراج زهيدة الثمن تجلب المخاطر الصحية للبشر

> «الأيام» الخضرعبدالله هيثم :

>
بائعون يستعرضون الملابس في سوق الحراج
بائعون يستعرضون الملابس في سوق الحراج
باتت الأسواق المحلية تعج بكميات كبيرة من الملابس المستخدمة التي يتم استيرادها كنفايات عن طريق متعهدين محليين وتجار جملة يقومون بتوزيعها على بائعي التجزئة الجوالة لتجد طريقها لتغطية أجساد غالبية الناس بأثمان زهيدة, دون النظر إلى المخاطر الصحية التي قد تترتب عن استعمال ملابس تم استخدامها من قبل أشخاص آخرين شبعت لبساً وغسلاً قبل وصولها إلى الأسواق اليمنية.

«الأيام» بدورها تسلط الضوء لتجعل هذه المعضلة تحت المجهر.

تتدفق على الأسواق اليمنية كميات كبيرة من (بالات) الملابس المستعملة التي يتم استيرادها من دول آسيوية وأوروبية بأسعار زهيدة وربما يتم تصريفها كنفايات بدون قيمة تذكر عن طريق متعهدين محليين يقومون بنقلها إلى الأسواق اليمنية لبيعها بأسعار مناسبة بعد أن يتم صيانة بعضها وغسله وكيّه ليكون مناسبا للعرض ومغريا للزبائن من أصحاب الدخل المحدود والشرائح العاطلة عن العمل التي تعتمد على هذه الملابس المستخدمة بجميع أنواعها من الثوب والمعوز والفوطة إلى الكوت (الجاكيت) وهناك أيضا من يشتري حتى ملابس الأطفال الصغار من هذا النوع المستخدم، الذي قد يعرض الطفل لمتاعب جلدية في حالة عدم نظافة هذه الملابس التي قد تجلب من جمعيات ومستشفيات أو مقالب نفايات، ففي الدول الغنية يتم التخلص من الملابس وهي في ربع عمرها أو أكثر من ذلك، ولا أحد يتصور هناك أنها ستعود إلى الأسواق من جديد لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد زبونا لها في دول آسيوية أو خليجية باستثناء دولة واحدة هي بلاد الإيمان والحكمة والفقه والتواضع (اليمن)، هذه الدولة التي تستقبل أي شيء ويشتري معظم سكانها كل ما يتم التخلص منه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا تحت إلحاح الحاجة والفقر وضعف دخل الفرد وغيرها من العوامل والظروف القاسية التي يقف فيها الفرد اليمني عاجزا عن توفير ملابسه وملابس أطفاله، فكيف بالاحتياجات الحياتية الأخرى - وهي كثيرة - في ظل واقع اقتصادي متردّ وغلاء فاحش يصعد يوميا إلى السماء ليستنشق الهواء العليل

وفي بلادي بلاد الإيمان يسهل دخول شحنات كبيرة لا تعد ولا تحصى من هذه البالات إلى الأسواق المحلية بسهولة، حيث تلقى رواجا منقطع النظير من الكثير من البائعين الذين ينتظرون قدومها بشغف وبفارغ الصبر لكي يوزعوها على بائعي التجزئة الذين يبيعونها في الجولات والأسواق والحراج وكأنها هدايا الأعياد.. ثم تبدأ الهتافات «يا حراجاااااه.. يا بلاشاااااه..»

نلبس أي شيء ولو سبق استعماله مرات

كنت مارا بالشارع الرئيس بمدينة الشيخ عثمان ووجهتي مسجد النور، وحبا للاستطلاع والفضول اتجهت إلى سوق الحراج لأشاهد باعة الملابس المستعملة، وهناك وقفت أمام أحد المواطنين يبايع أحد باعة الملابس البالية المتجولين، فسألته لماذا تقوم بشراء هذه الملابس؟ فقال: «إننا نقوم بشراء ما يناسب من هذه الملابس، وأنا لا أشتري سوى الأكوات والثياب فقط، وأحيانا تكون نظيفة وأسعارها لا بأس بها مقارنة بأسعار الجديدة التي لا يقوى على شرائها غير الموظفين الكبار والمسئولين، أما نحن فنلبس أي شيء، وظروفنا المعيشية صعبة، ولو كانت حالتنا تساعد على شراء الأفضل أو الجديد لما تأخرنا عن ذلك لأن كل شيء له ثمن، وعندما نشتري المستخدم نشتريه من ضيق ذات اليد، وليس عن رغبة أو شغف به، فلا أحد يرغب بارتداء ملابس سبق استعمالها إلا إذا كان فقيرا ولا يمتلك مبلغا يكفيه للحصول على ملابس جديدة من أفضل الخياطين أو المعارض الغالية جدا.. فيا أخي العين بصيرة واليد قصيرة».

ملابس ذوي الدخل المحدود

بعد الحوار مع المشتري اتجهت إلى صاحب محل للملابس المستخدمة وطرحت عليه سوالا واحدا فقط: كيف يتم شراء هذه الملابس المستعملة؟

فرد قائلا: «يتم شراؤها من تجار جملة يستوردونها مضغوطة في بالات كبيرة، ويمكن شراء بالة أكوات بمبلغ 15 ألفا أو أقل بحسب جودة هذه الملابس، ويكون الإقبال عليها جيدا من قبل الناس وخاصة أصحاب الدخل المتدني والمحدود أو الذين يعملون باليومية، ونادرا ما تباع لأفراد آخرين، وتكون أحيانا الحالة التي تأتي عليها هذه الملابس عند شرائها غير جيدة وتحتاج إلى خياطة وكي وترقيع، وهذا سر المهنة بعد أن قلت إنك صحفي، أما لو كنت مشتريا فلا يمكن أن أكشف لك العيوب، وعلى العموم هي ملابس جيدة للناس المساكين ولولا أن هذه الملابس مستخدمة لكان الكوت بخمسة آلاف ريال والثوب كذلك، ولكن هذه الملابس قد استعملت من سابق».

بائع يستعرض بعض الملابس
بائع يستعرض بعض الملابس
ملابس متعفنة وفيها رائحة كريهة

تحدث أحد الأطباء قائلا: «إن الملابس المستخدمة ربما تجمع من أماكن غير نظيفة مثل المقالب الخاصة بالمخلفات في بعض الدول أو من داخل المستشفيات أو من جمعيات خيرية أو غير ذلك من الجهات، المهم أنها ملابس مشكوك في نظافتها كونها مستخدمة ورائحة بعضها كريهة وإعادة صيانتها وشحنها للأسواق اليمنية فيه إساءة واستخفاف بصحة المجتمع واستغلال واضح للحالة الاقتصادية والمعيشية للناس عن طريق استيراد مثل هذه المخاطر التي تصيب المرء بالأمراض الجلدية والصحية».

لوكان الفقر رجلا...

وفي خاتمة هذا التحقيق نقول: كنا لا نعرف عن هذه الملابس إلى وقت قريب، لم يكن أحد يشتري ملابس مستخدمة إلا منذ ما بعد التسعينات حيث ظهرت هذه البضائع بشكل كبير في الأسواق وأصبح لها محلات وأسواق وبائعو جملة وتجزئة وزبائن كثيرون يعتمدون عليها في كل المناسبات والأعياد، إننا بطرحنا هذا الموضوع لا نسخر من الذين يلبسون هذه الملابس، بل إننا نخاف من أضرارها الجانبية التي قد تحل بمن يستخدمها تحت ضغط الظروف الصعبة التي تدفعه لشرائها وارتدائها وإن كان على مضض، فليس باليد حيلة، والفقر لا يرحم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى