ليس فقط معاجين الأسنان المغشوشة والمقلدة قد تحتوي على مادة «داي إثيلين جليكول» السامة بل الأدوية المقلدة والمزورة أيضاً!

> د.علي محمد سعيد الأكحلي:

> نشرت بعض الصحف مؤخراً خبراً عن ضبط معاجين أسنان صينية الصنع في ميناء عدن (قبل دخولها البلد) والتي أحتوت على مادة سامة هي داي إثيلين جليكول Di-Ethylene Glycol (1) والمختصر إسمها ب (DEG) . والحقيقة أن أول اكتشاف لهذه المادة في المعاجين الصينية تم في شهر مايو من هذا العام في دولة (بنما) التي قامت بدورها بإشعار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وهذه الأخيرة أكتشفت أن معاجين الأسنان الصينية الموجودة في أمريكا بلغ عددها 39 نوع وهي مصنعة من قبل عشر شركات صينية (حكومية ، مختلطة وخاصة) وأمرت بسحب هذه المعاجين و منعت دخول أية معاجين من دولة الصين حتى إشعار آخر.. كما قامت بنشر هذه المعلومة على موقعها الالكتروني لتحذير بقية البلدان ، حيث استفادت منها السعودية على ما يبدو والتي باشرت في تفتيش سوقها واكتشفت احتواء معاجين صينية الصنع لهذه المادة. وهذه المادة عبارة عن مركب عضوي تستخدم بشكل أساسي في الصناعة «كمرطب» للصمغ الصناعي والأحبار وتضاف إلى زيت الفرامل وإلى منتجات صناعية أخرى. وتعتبر بحد ذاتها مذيبا عضويا تستخدم في صناعة الأصباغ والزيوت والراتينجات. وهى تشبه في تركيبها الكيماوي إلى حد كبير مادة الجليسرين Glycerin (2).

إن الجليسرين يضاف إلى معاجين الأسنان ليعمل كمرطب Humectant بحيث يقوم بمزج المواد الصلبة والسائلة مع بعض لتشكيل قوام متجانس للمعجون لتجنب ميوعته وتفككه. ولكن تقوم بعض الشركات المصنعة بالسعى وراء الربح الكبير عبر المنافسة بالبيع بسعر أقل على حساب إضافة مواد رخيصة وسامة مثل مادة الـ DEG إلى المعاجين بدلاً عن الجليسرين، كون قيمة الأخير أغلى بثلاثة أضعاف من سعر الـ DEG ! وهذه المادة تعتبر سامة سواء للبشر أو الحيوان عند استخدامها. ومادة الـ DEG تضاف عادة إلى بعض المنتجات كمادة «مبردة» بحيث تقوم بتخفيض درجة برودة المنتج مثل كريم البشرة أو الكريمات المستخدمة في التجميل ، حتى تضمن الشركة عدم تفكك الكريم نتيجة التخزين وخصوصاً في الدول الحارة (3). ولكن هناك رقابة صارمة حول التقيد بنسب الإضافة بحيث لا تتعدى مثلا 0,2% بحسب المعايير الفيدرالية في أمريكا ، بينما تسمح المعايير الصينية بإضافة هذه المادة إلى حدود الـ 15% ، بحسب الموقع الإلكتروني لوكالة الغذاء والدواء الإمريكية.

تم اكتشاف في عديد من الدول أن بعض الشركات المصنعة تقوم بالغش والتزوير ، بحيث تصنع معاجين أسنان رديئة مكونة من مواد ضارة بالأسنان. ولتسويق منتجها ، تقوم هذه الشركات بتقليد المنتج الأصلي تماماً من حيث الشكل واللون والاسم التجاري ، ثم تطبع على الباكت: «صنع في الصين» (مثلاً) بترخيص من شركة كولجيت العالمية (مثلاً)، بينما الشركة الأصلية بريئة من هذا العمل تماماً. كما أن البعض يلجأ إلى تصنيع منتج شبيه جداً بالمنتج الأصلي مع التلاعب بالاسم ليكون أقرب إلى الاسم الأصلي ، بأن تقوم مثلاً بطبع إسم «سينيال» بنفس نوع الحروف والشكل للمنتج الأصلي «سيجنال».

إن المشكلة الأساسية لا تكمن في خطورة وجود هذه المادة في معاجين الأسنان أو كريمات البشرة والتجميل ، ولكنها تكمن إذا ما تم إضافتها إلى بعض الأدوية ! نعم ، ففي بنجلاديش عام 1990 تم إصابة 339 طفل بفشل كلوي جراء استخدامهم شراب الحمى «باراسيتامول» الذي احتوى على الجليسرين الملوث (المخلوط) بمادة DEG ، ونفس الشيء حصل في عام 1996م في جزيرة هاييتي حيث توفي 85 طفلا . وفي العام الماضي 2006م وفي دولة بنما توفي 46 شخصا بالغا جراء استخدامهم دواء مقشعا للسعلة Expectorant. وهناك حالات وفاة تم رصدها في السنوات الأخيرة في كل من الهند / نيجيريا / جنوب أفريقيا والأرجنتين جراء استخدام أدوية أضيفت مادة DEG إليها.

وبالتالي فإن أفضل طريقة لتجنب الوفاة (بسبب مجهول كما يقولون) أو الإصابة بأمراض مستعصية وخطيرة نحن في غنى عنها هنا في اليمن هو الامتناع عن شراء أدوية رخيصة و معروفة بأنها مقلدة ومزورة ، وهي أدوية عادة ما تهرب إلى اليمن بطرق مختلفة وملتوية. وقد يتساءل البعض كيف له معرفة الفرق بين الدواء الأصلي والمزور، وأوضح هنا بأن المشتغل في الصيدلية (المالك أو العامل) يعرف جيداً الدواء الأصلي من المزور، فعندما يقوم بشراء دواء من وكيل رسمي (مسجل ومعتمد لدى الهيئة العليا للأدوية) فهذا دواء أصلي ، وأما الدواء المزور فهو الذي يقوم صاحب الصيدلية بشرائه من محلات غير معروفة ولا مراقبة ، بل ويأتي بائع الأدوية المزورة إلى الصيدلية بنفسه ليبيع مثل هذه الأدوية. إن موظف الصيدلية يعلم جيداً أن الدواء الذي سيصرفه للمواطن هو دواء أصلي أم مزور . ويلجأ بعض أصحاب الصيدليات من ذوي النفوس الضعيفة (بسبب الجشع الزائد الذي يتملكه) بشراء الأدوية المقلدة والمزورة ليضمن مكسبا قد يصل إلى 300% وأكثر، فمثلاً سعر دواء معين أصلي من الوكيل هو 200 ريال ويبيعه صاحب الصيدلية للجمهور بـ 240 ريالا (هامش ربح رسمي محدد من الهيئة العليا بـ 20%) ، بينما إذا اشترى دواء مقلدا يحمل نفس المحتوى (وهو مغشوش تماماً) فسيكون سعره بحدود 40 ريالا فقط ، وسيقوم ببيعه للمواطن بسعر يقل بنسبة 33% عن سعر الدواء الأصلي أي بـ 160 ريال مثلاً ، ومع ذلك فإن ربحه لم يقل عن 300% ! ويفضل بعض المواطنين نتيجة ضعف القدرة الشرائية لديهم على شراء الدواء الأرخص دون علمهم بأنه دواء مزور ومغشوش .

ولمحاربة انتشار وبيع الأدوية المقلدة والمزورة والتي تشكل خطراً عظيماً على صحة المواطنين، أرى أنه من الواجب تكاتف أجهزة الدولة والمواطنين من خلال :-

1)توعية أصحاب الصيدليات والعاملين فيها بعدم شراء أدوية مقلدة أو مزورة لخطورتها على حياة الناس. وهنا يأتي دور إدارة التثقيف الصحي والإعلام بوزارة الصحة إضافة إلى دور أجهزة الإعلام المختلفة.

2)الرقابة والتفتيش بالهيئة العليا للأدوية (مادياً وبشرياً) للقيام بالاستمرار بعملهم الرائع والمهم في عمليات الرقابة والمتابعة للأدوية الواصلة إلى الموانئ والمنافذ البرية اليمنية ، وكذا الاستمرار بحملات التفتيش المفاجئة على محلات بيع الأدوية بالجملة والصيدليات و مخازن الأدوية.

3) امتناع المواطن نفسه من شراء الأدوية الرخيصة المشكوك فيها من الصيدليات ، والتأكيد على صارف الدواء بأن يبيعه دواء أصليا أو أنه سيحمله المسئولية كاملة إذا ما تدهورت صحته.

4)قيام الجهات الأمنية بالحيلولة دون تهريب أية أدوية مهما كان نوعها وحجمها إلى البلاد وعدم التساهل مع هذا الأمر لما له من خطورة مباشرة على حياة المواطنين.

5)الإسراع بإصدار التشريعات القانونية اللازمة التي توضح نوع العقوبات المفروض إنزالها بحق من يتاجر بهذه الأدوية المزورة والمقلدة ، سواء التاجر المستورد الذي دفع قيمتها أو المهرب الذي قام بجلبها من الخارج أو البائع الوسيط أو البائع في الصيدلية ، لأنه – وبحسب علمي- لا يستطيع قاضي المحكمة حالياً الاستناد إلى قانون محدد يبين العقوبات لمثل هذه الحالات ، وما العقوبات التي صدرت في الفترة الماضية على متورطين إلاّ عبارة عن اجتهادات من القضاة أنفسهم.

هوامش:

1)التركيب الكيماوي لمادة داي اثيلين جليكول DEG هو C4H10O3 .

2)التركيب الكيماوي للجليسرين هو C3H8O3 أي بفارق بسيط عن تركيبة DEG .

3)يفترض استخدام إثير داي ايثيلين جليكول الأقل سمية من DEG.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى