يوصيكم الله (4)

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> ?ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين? الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون?}? الأحقاف 15و16.

وصية ربانية قرآنية يسديها الحق جل في علاه لعباده البررة، ويهديها - في الوقت نفسه - للعصاة العاقين الفجرة.. يبدو المضمون الإنساني ?{?وصينا الإنسان?}? ويتجلى فيها الإحساس بفضل الأم وما عانته من مشقة وشدة وهي تحمل وترضع وتربي وتنظف، تجوع ليشبع ابنها، وتظمأ ليرتوي، وتسهر لينام.. وهنا نرى نموذجاً فذاً فريداً نادراً - وخصوصاً في زماننا الرديء هذا - يدعو ربه، ويلجأ إليه ويطلب منه أن يوزعه أي يلهمه ويوفقه لكي يشكر نعمة الله عليه وعلى والديه، ويتوسل إلى خالقه أن يكرمه بالعمل الصالح الذي يرضى الله عنه، وكما هو بار بوالديه يدعو الله أن يصلح له في ذريته وأبنائه لأن الجزاء من جنس العمل. هكذا يعلمنا القرآن، ويوصينا ربنا الرحمن بهذه القيم الإنسانية النبيلة، بل إننا نجد أن هناك آيات دعت إلى عبادة الله وتوحيده وعطفت بعده مباشرة بالدعوة إلى بر الوالدين ?{?وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا?}? الإسراء 23.. وآية الأنعام الـ 151 التي مررنا بها بدأت بالنهي عن الشرك وأتبعته بالدعوة إلى الإحسان للوالدين ?{?ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا?}? الأنعام 151.. بل إن آيتي الإسراء (23 و24) عرضتا مظاهر سلوكية للتأدب مع الوالدين في غاية الكمال والجمال يجب على الأبناء أن يتخذوها أسلوباً وسلوكاً دائماً يتعاملون به مع والديهما حتى ولو كان كافرين كما جاء في سورة العنكبوت آية 8 ?{?ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون?}?.. ونلاحظ هنا أن الخطاب موجه من الحي القيوم إلى كل ابن وابنة بأن يحسنا معاملة والديهما ولو كانا كافرين.. ويؤكد ذلك الآيتان 14 و15 من سورة لقمان ?{?ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير? وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون?}?.

إن تربية الأبناء على التوحيد، وحثهم على الصلوات منذ سن سبع سنين كما حدد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى جو التفاهم الإيجابي والحب المتبادل والاحترام المشترك في الأسرة يزرع في نفوس الأبناء الطاعة لله، والإحسان للوالدين، وينتج جيلاً يعرف معنى احترام الأبوة وتقديس الأمومة، يعرف أن نبيه المعلم محمداً صلى الله عليه وسلم أوصى بالأم ثلاث مرات، وبالأب مرة واحدة لعظيم مكانتهما عند الله، وأنه أعفى أحد المجاهدين من الذهاب للجهاد لأن أمه تحتاج إليه وقال له: «الزم قدميها فعندها الجنة».

إن عقوق الوالدين من أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله، وهو ذنب يعجل الله عقوبته في الدنيا، ولا يفوتني أن أشير إلى خطبة بديعة للشيخ توهيب الدبعي بعنوان «بر الوالدين» فقد أبدع وأمتع حتى تداول الناس هذا الشريط في مراكز التسجيلات الدينية فجزاه الله خيراً.

اللهم ارزقنا بركة البر بآبائنا وأمهاتنا، واجعل ذلك ماحياً لسيئاتنا، مباركاً لحسناتنا نافعاً لنا في حياتنا، وذخراً لنا بعد مماتنا.. آمين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى