الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار -عدن في خطاب مفتوح الى الاخوين وزير الثقافة ومحافظ محافظة عدن:فلتتوقف أعمال الهدم لمعالم عدن وندعوكم لسرعة إعلانها مدينة تاريخية

> «الأيام» د. اسمهان عقلان العلس:

>
حدثان ثقافيان تعاقبا في شهر سبتمبر الجاري، الأول خارجي، فقد سحبت البوسنة الجنسية على خمسمائة من الأفغان العرب، تطلعاً من حكومتها إلى كسب دعم المجتمع الدولي لتسمية واعتبار جسر بحري في بلادها ضمن المواقع الأثرية التاريخية التي ترعاها منظمة اليونسكو. والحدث الآخر هو فوز بلادنا بجائزة الأغاخان العالمية للمعالم الإسلامية، بعد أن تقدمت اليمن بترشيح مدرسة العامرية في رداع والمبنية في القرن 16، والعمارة الطينية في شبام .

وقد أثلج هذا الفوز صدورنا في الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار -عدن، لأن هذا النجاج يعزز من توجهات الجمعية للمحافظة على المعالم التاريخية في اليمن .

وفي الوقت ذاته فإن هذه الجمعية تجد في هذين الحدثين دافعا قويا أمامها لتعزيز دعوتها السابقة بصيانه آثار عدن والمحافظة عليها وإعلان عدن محمية أثرية إذ إن غياب بعض معالم عدن عن الترشح لمثل هذه المسابقات يعد ضررا ثقافيا يلحق باليمن عامة، خاصة وأن هذه المدينة مليئة بالمعالم التاريخية التي قلما يوجد مثيل لها في مدن أخرى .

وإذا كان واقع الآثار والمعالم التاريخية في هذه الأيام لم يجد له آذانا صاغية فإن هذا الأمر لا يمكن أن يبرر إلا في ظل أزمة التجاهل والتغافل عن الحق الثقافي لمدينة عدن، كجزء من حقوق عامة مهدورة في هذه المدينة. وتجد الجمعية في هذين الحدثين مناسبة مفيدة للتذكير بأن نداءاتها السابقة لوقف العبث والإهمال والهدم والإزالة التامة، سواء من قبل السلطة أو المتنفدين .

لقد نهبت هذه الجمعية مرارا إلى عدم الإزالة والهدم الكاملين للمعالم والآثار التي يزيد عمرها عن ثلاثين سنة، لأن هذا التقدير الزمني يدخل في إطار مفهوم «المعلم التاريخي» للشواهد والمباني الماثلة أمامنا، وبموجبه يجب ألا تمتد إليه يد العبث والإهمال. وبناء على هذا التعريف لمفهوم المعلم التاريخي كانت صرخة أهالي عدن عالية عندما هدم مسجد أبان الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الهجري الأول، وبني بنمط معماري جديد لا يمت بصلة لسابقه، وأهملت آثار هذا المسجد وسرقت مقتنياته ومحي من على وجه عدن معلم إسلامي يعد مفخرة للعالم الإسلامي بأجمعه. والصرخة ذاتها ارتفعت عند هدم وإزالة مسجد الهاشمي في الشيخ عثمان، ومازالت هذه الصرخة ترتفع ونحن نستمع إلى رغبة مكتب الأوقاف في عدن بهدم وإزالة مسجد الهتاري في التواهي. والصرخة ذاتها تزأر هنا وهناك ونحن نرى عددا من مساجد عدن قد هدمت في معظم أحياء المدينة.

والصرخة ذاتها لم تسكت ولن تسكت طالما أن هناك قرارات على طاولات السلطة الرسمية بهدم سوق الشيخ عثمان وبيع مستشفى البلدية والمملاح ومسجد الهتاري وعدد من المدارس والمواقع الحكومية التي يعود تاريخها إلى فترة الإدارة البريطانية، خاصة بعد أن طالت يد العبث وغياب الضوابط مسجد البهرة ومعبد الفرس ومعبد اليهود ومنزل مدير سجن عدن الذي تحول إلى مغسلة وبوابة سجن عدن ومدارس عدن ومركز البس للنساء وجزيرة صيرة والصهاريج والدروب السبعة وهضبة عدن وكثير من المعالم الأخرى .

أما الحديث عن الفوضى وانعدام الرقابة والضوابط على البناء فقد طال شوارع عدن ومبانيها النادرة المتنوعة لكن المتجانسة مع بعضها في رسم لوحة تاريخية للمنعطفات المهمة التي مرت بها عدن، حيث تجد نمط البناء الهندي متناغما مع نظيره اليهودي والإسلامي في صورة تعكس كونية هذه المدينة السمحة المتسامحة. أما اليوم فقد طغت العمارة الدخيلة على هذه الشوارع بل وهدمت القديمة دون رقابة، وارتفعت يافطات المحلات التجارية في مباراة جشعة للتسابق على تغطية جدران هذه العمارات الفريدة دونما رقيب .

والمطالبة بإعلان عدن القديمة، في حدودها المهمة -الصهاريج مرورا بالطويلة حتى الميدان - محميات أثرية لن ينتهي طالما ظل التاريخ يحفظ لعدن حقيقتها. وليس هناك أشد قسوة من رؤية أسواق هذه المدينة خاصة المحيطة بمسجد أبان وقد امتلأت بالبضائع المفروشة بدلا من القيساريات التجارية التي اشتهرت بها عدن منذ وقت قديم العهود، ومنها كانت تصدر عطور رسول الأمة الاسلامية محمد صلى الله عليه وسلم وملابسه، أو مدارسها الدينية التي اشتهرت بها عدن كالمدرسة الياقوتية.

وأمام هذا الواقع لن يجد المؤرخون فرصة لترديد مقولتهم الشهيرة «أثر بعد عين» فقد هدم الأثر واحتجب عن العين. ولكم أن تروا فيما آل إليه مسجد أبان نموذجا بل وقيسوا هذه الحقيقة بين الأجيال اليافعة في مدارس عدن الذين فتحوا أعينهم على مسجد لا يمت بصلة لما سيقرؤونه في كتب التاريخ. بل ربما التاريخ ذاته سيتغير وسيكتب غدا بالاعتماد على الشواهد الجديدة المائلة أمامنا .

اإن العبثق بعمارة عدن يبدو واضحا في الصورة التي تبدو عليها شوارعها ومنازلها وأبنيتها في كل مدن محافظة عدن بدون استثناء فقد ضاع التخطيط الفريد لمدينة الشيخ عثمان وطمست جماليلت الفن المعماري اليهودي والهندي في مدينة التواهي وعبث الإنسان بحوافي حسين والقاضي وجوهر دون حسيب أو رقيب، والتي لو حوفظ عليها لضاهت اليمن نظيراتها من الدول في الفن المعماري وأسبقية التخطيط الحضري والبنى الأساسية والخدمات الاجتماعية.

إن الحديث عن معالم عدن ليس بجديد لكن استمرار تجاهل هذا الحديث يعد تجاهلا للحق التاريخي والثقافي لهذه المدينة. وبناء على ذلك، فإنه من موقعنا في الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار ندعو إلى ما يلي :

-1 سرعة اتخاذ الإجراءات العملية لإعلان عدن مدينة تاريخية.

-2 النظر بعين العدل والمساواة للقيمة التاريخية لمعالم عدن التي من شأنها رفع سمعة اليمن في المجتمع الدولي.

-3 وقف القرارات الخاصة ببيع أو هدم أو إزالة أو تغيير أو إعادة بناء سوق الشيخ عثمان، شرطة الشيخ عثمان، مسجد الهتاري، مستشفى البلدية وغيرها مما ورد ذكره سابقاً.إن المعلم التاريخي شاهد على تاريخ عدن، وهدم هذا المعلم هو تغيير للتاريخ إن لم يكن محاولة لإعادة كتابة التاريخ. إنني أخاطب في سطوري هذه أهل عمل ودراية وسلطة، وأضع على عاتقكم مسئولية حماية هذه المعالم وتسهيل كتابة التاريخ بصدق وأمانة وتوظيف هذه المعالم لصالح اليمن قاطبة.

الأمين العام للجمعية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى