من مفارقات اللغة العربية

> «الأيام» د. اعتدال عمر الكثيري:

> من المسلم به أن اللغات تؤخذ بالسماع، وأنها لا تخضع لمنطق معين. وما القواعد التي وضعها العلماء إلا محاولات منهم لتقريبها من المتعلمين، ولتفسير بعض ما يعرض فيها من الظواهر .

وليس من المستغرب أن يجد طلاب العلم مشقة في تعلم القواعد، ويشكوا من صعوبتها، وإنما تزول هذه الإشكاليات بفهم جوهر اللغة نفسها، وليس بمجرد وضع قواعد جديدة لتيسير النحو، ذلك أن كثيراً من الدعوات التي أطلقت لتيسير النحو في عصرنا الحديث واجهت مصاعب حدّت من تأثيرها في تغيير منهج دراسة النحو العربي الذي ظل تقليديا.

وهذا يؤكد أن ثمة مشكلات أكبر من قضية تعقيد النحو العربي تقف أمام المتعلمين ليس أقلها خطراً الازدواجية بين الفصحى والعامية، فلغة تخاطبنا اليومية تختلف عن اللغة التي نقرأ بها القرآن،ونتعلم بها في المدارس، بل وتقزأ بعل نشرات الأخبار في وسائل الإعلام العربية.

ومن أسباب صعوبة تعلم اللغة العربية أيضا أن هذه اللغة مثلها مثل غيرها من اللغات لا تخضع لمنطق معين، ومهما حاول العلماء إخضاعها لمنطقهم بسن القواعد والقوانين التي تحكم نحوها وصرفها، فإنهم لا يجدون مفراً من الإقرار بوجود ظواهر مخالفة للقاعدة، فتطول الاستثناءات إلى حد أنها تكاد تقضي على القاعدة .

وباب (الممنوع من الصرف) خير دليل على المفارقات والتناقضات غير المنطقية، والعصيّة على الفهم وعلى التفسير معاً. فالعلل المانعة من الصرف وهي علتان بشرط النحويين أو علة تقوم مقام العلتين، والعلتان هما : العلمية وعلة أخرى، والوصفية وعلة أخرى، في حين أن العلة التي تقوم مقامهما هي صيغة منتهى الجموع. وهذا أكبر مثال على التناقض في القاعدة، فكيف نقول بشرط العلتين ثم نعود فنقول بعلة واحدة تقوم مقامهما وعلى أي أساس تقوم هذه العلة مقام العلتين ؟

وإذا جئنا إلى كل علة على حدة فإننا نجد أن العملية لكي تكون شرطاً مانعاً من الصرف ينبغي أن تنضم إليها علة أخرى هي إما التأنيث نحو : سلمى؛ بشرط ألا يكون العلم المؤمث مكوناً من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن نحو : هند، فهنا يجوز الصرف وعدمه. وفسّر العلماء ذلك بخفة هذا المؤنث، وعللوا لاشتراط سكون الوسط بأنه إذا تحرك فإن الحركة تقوم مقام الحرف. وإذا زيد حرف في بنية الكلمة فلا مناص من منع الصرف في نحو: رغَد، لأنها بالحركة أضحت على مثال: سعاد. وأنا لا أعترض على هذه الطريقة في التعليل من قبيل أن علم اللغة الحديث يعدّ الألف فتحة طويلة، والواو ضمة طويلة، والياء كسرة طويلة، فعلى هذا الأساس لا غرابة من أن تؤدي الحركة القصيرة (الفتحة) الأثر الذي تؤديه الحركه الطويلة (الألف) في منع الصرف . ولكن المستغرب أننا نجد من شروط المنع من الصرف العلمية والعُجمة (ليس شرطاً أن تعني ان اللفظ ليس عربي الأصل، بل يتسع مفهومها ليشمل الأسماء التي قلت التسمية بها عندهم) نحو: إبراهيم .

ونجد أيضاً أن المنع من الصرف يزول إذا كان العلم الأعجمي خفيفاً وذلك بأن يكون ثلاثي الحروف نحو: لوط. وتزداد المفارقة عندما نعلم أن شرط سكون الوسط ليس مطلوباً هنا، إذ يجوز صرف العلم الأعجمي إذا كان متحرك الوسط نحو : شتر (قلعة في أذربيجان، ينظر همع الهوامع : 1/ 110). ولكن العلماء يستمرون في مناقضة أقوالهم بأن جعلوا صرف سبأ في قوله تعالى على لسان الهدهد:?{?وجئتك من سبأ بنبأ يقين?}? (سورة النبأ الآية 22)، جعلوه من قبيل التناسب بين سبأ ونبأ (ينظر الهمع:1/ 121)، وكان الأولى بهم أن يجعلوه مصداقاً لما تقدم من جواز صرف العلم الأعجمي الثلاثي .

وثمة فارق أيضاً بين العلم المؤنث والأعجمي، ذلك أن المصغر بالترخيم من المؤنث نحو: فطيم (مصغّر فاطمة) ممنوع من الصرف، على النقيض من المصغر بالترخيم للعلم الأعجمي نحو: بُريه، مصغر إبراهيم .

وتستمر المفارقات في باب الممنوع من الصرف، ولكن المقام لا يتسع لسردها كلها، ولا لسرد اختلافات العلماء فيها بين مجيزللصرف ومانع له، والمحتكم إليه في كل ما سبق هو اللغة نفسها، فإن سُمع من العرب الفصحاء شيء فالواجب اتباعه، وكثيراً ما لا يخضع المسموع من العرب لمنطق، ولكن المنطق لا يدخل في اللغة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى