القافلة الأدبية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> في الحلقة السابقة كنا قد غادرنا منطقة (دبع) حيث الشجرة العجيبة، التي تسمى بشجرة الغريب وليس شجرة أبوغريب، كما ذكرنا في الحلقة الماضية من باب التوهم والنسيان، كانت القافلة في طريق عودتها إلى تعز، كانت الشمس تميل بسرعة نحو المغيب كأنها هي الأخرى على عجل مثلنا أو لم (تتقرع) مثل سائقنا الماهر، كانت الطريق هي نفسها التي مررنا عليها ذاهبين قبل ساعة، لكن الجو النفسي الآن مختلف فلم يعد وادي البركاني جميلاً ساحراً كما كان في ذهابنا، لقد فرضت عوالمنا الداخلية نفسها على العالم الخارجي وطبعته بطوابعها، حتى لقد قيل إنك لو غنيت للجائع فإنه يستمع لك ببطنه لا بأذنيه، لن نتأخر على الورق كما تأخرنا هناك في الطريق ولن ندع القلم (يبنشر) كما (بنشر) الباص.. ها نحن الآن ندلف إلى المطعم الراقي في المدينة، كان زملاؤنا في الباص الآخر قد سبقونا إليه، لم نسلم على أحد.. أخذنا مقاعدنا وشرعنا في الأكل كان أكلاً كثيراً.. لحماًً، دجاجاً، رزاً، رغيفا، أداماً، مرطبات، كنا أنا وصديقي وأستاذي الشاعر عبدالرحمن ابراهيم نتشاطر الأكل، الطريف أنه كان ينصح ابنه (مهيار) أن يأكل معي لأنه يعرفني ولم يعد يتحرج مني كالآخرين، كان هذا في مصلحتي أيضاً لأن مهياراً حفظه الله كان أكله قليلاً جداً، وعلى ذكر (مهيار) الولد الوديع ذي الستة عشر ربيعاً تقريباً، فإننا سرعان ما صرنا صديقين، كان يقوم بواجبي كما يقوم بواجب أبيه، كان هادئاً ذكياً مطلعاً وحساساً ومدللاً بعض الشيء كفتى عدني وحيد أبويه من الذكور.. رعاه الله تعالى ووفقه. ثم ماذا بعد؟ كانت الشوارع مزدحمة وأبواق السيارات تتصاعد كما يتصاعد دخانها فيشكل سحباً فتغسلها الأمطار وهكذا تستمر العملية، الأرض تبعث سحباً ملوثة، والسماء ترسل سحباً مطهرة تذوّبها، ما أضيق الطرق في هذه المدينة! عجباً كيف يجري تنظيم الحركة خلالها مع شدة الازدحام؟.. دراجة نارية تعبر الشارع مسرعة صاخبة فيطلق أحدهم من فوقها أعيرة نارية، أفزعت الناس لاسيما النساء، ولكن كأنما كان المنظر مألوفاً لا عجب إذن، مع أننا كنا على مقربة من إدارة أمن المدينة!

عدنا جميعاً إلى الفندقين اللذين أشرنا إلى وضعهما سابقاً ولا تعليق، شدني تجاوب المؤذنين في أرجاء المدينة، الله أكبر.. الله أكبر، هذا أذان العصر، صدق الحق، أحسست بالندم والتقصير إذ لم أصلِّ خلال الرحلة في أي من مساجد هذه المدينة المباركة من الله المهشمة من السلطة، كل الصلوات كانت في الفندق جمعاً وقصراً، الحمد لله الذي هدانا، بعض الزملاء في القافلة كانوا لا يصلون لا في الإقامة ولا في السفر، حيّرني أمرهم، فأنا أحبهم وأشفق عليهم، وأرجو لهم دائماً أن يهتدوا إلى الصلاة لأن لها ما قبلها وما بعدها ولا تخفى مكانتها مع أن هؤلاء الزملاء طيبون ورقيقون وذوو خلق ولكنهم لا يصلون بعضهم يصلي الجمعة فقط، الوعظ التقليدي لا يجدي معهم، ومواجهتهم وإحراجهم قد يأتي بنتيجة عكسية، أما هم فلم يروا في الأمر غضاضة، سيان عندهم أن يصلوا أو لا يصلوا فكأنما الصلاة ترف ديني وإمعان في العبادة، أسأل الله تعالى صادقاً ملحاً أن يهديهم ويهدينا جميعاً إلى ذكره وشكره وحسن عبادته إنه سميع مجيب. يتبع

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى