يوصيكم الله (8)

> علي بن عبدالله الضمبري:

> بقول الله تبارك وتعالى - على لسان عيسى ابن مريم (عليهما السلام) - حاكياً عن ربه عز وجل ?{?وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا?}? مريم 31.

هذه وصية مخصوصة من الله جل في علاه، أوصى بها سيدنا عيسى بن مريم ?{?وأوصاني بالصلاة?}? لكنها تبقى - وإلى الأبد - وصية إلهية لكل مؤمن.. ومن خلال قراءتي للتوراة والإنجيل - وقد تم تحريفهما - واطلاعي المتواضع على بعض الديانات الأرضية مثل البوذية والهندوسية والزردشتية وجدت أن الصلاة تشكل القاسم المشترك الأكبر لهذه الديانات جميعها.. على أن الصلاة لدى المسلمين استفادت من كل إيجابيات الصلوات لدى الآخرين، وأضافت إليها أبعاداً عقدية توحيدية، وممارسات صحية، وحركات رياضية، وتأملات روحية، وآثاراً اجتماعية، وإيحاءات نفسية .

إن الصلاة تحقق قدراً عظيماً من استشعار جدلية الزمن، والإحساس بأهمية الطهارة نفسياً وجسدياً، والوعي بجماعية المشاركة، وحيوية التنظيم، وأخلاقية الهدف كونها ?{?تنهى عن الفحشاء والمنكر?}? العنكبوت 45. بل تؤدي ممارسة الصلاة إلى تكوين وتشكيل القيم والمثل ذات الأساس العبادي - بكل أبعاده - وذات الهدف الاجتماعي في مختلف ميادينه ومجالاته، إضافة إلى تحقيق غايات عقدية وروحية وعقلية تنمو بتوازن منسجم، وتناسق متناغم حتى تغدو شعوراً حركياً حيوياً يشي بالأمان والراحة، ولهذا كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: «أرحنا بها يابلال». وهذا ما يؤدي إلى تراكم الأحاسيس بهدفية وجمالية الصلاة لتكون راحة القلب وقرة العين وبهجة الروح «وجعلت قرة عيني في الصلاة» الحديث.. لأنها الفارقة والفاصلة بين الإيمان والكفر «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».. والكفر حالة من تدمير العقل والعقيدة والإنسان، بينما الإيمان والصلاة تعمير وتنوير للروح والعقل والوجدان، وبالطبع هذا ليس عند جميع المسلمين الذين يقول نبيهم العظيم «رب مصل لا أمانة له».

كثيرون هم أولئك الذين كتبوا عن الصلاة ومبدائها العقائدية، وقيمها التربوية، ومعطياتها الروحية، وآثارها النفسية والاجتماعية، أتذكر منهم الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر في كتابته (الصلاة أسرار..وأحكام)، والكاتب اللبناني عفيف عبد الفتاح طبارة في مؤلفه (روح الصلاة في الإسلام)، والمفكر والسياسي السوداني د.حسن الترابي في (الصلاة عمود الدين)، والكاتب الباكستاني ميرزا جواد ملكي في مصنفه (أسرار الصلاة)، ومن حضرموت السيد هاشم البحر في كتيبه (صلاة المقربين).. والفقيه والمحقق العراقي الشيعي علي محمد كوراني في سفره الضخم (فلسفة الصلاة) .. ومن الأباضية في سلطنة عمان الشيخ سعيد بن مبارك القنوني، وحتى الإمام الخميني في إيران له كتاب ( صلاة العارفين) .. وللشيخ المحدث ناصر الدين الألباني (صفة صلاة النبي صلىالله عليه وسلم كأنك تراها)، وللسيد حسن بن علي السقاف من الأردن (صحيح صلاة النبي) وغيرهم وغيرهم.

إن هذا الجم الغفير من العلماء وهذا الكم الهائل من الكتب المؤلفة في الصلاة يؤكد أهميتها والمحافظة عليها. وأنتهزنا فرصة لأهمس في آذان الكسالى عن الصلاة بقول الشاعر :

يا تاركاً لصلاته

إن الصلاة لتشتكي

وتقول في أوقاتها

الله يلعن تاركي

والحق -وهو الودود اللطيف - يقول لنا في حديثه القدسي «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنواقل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعادني لأعيدنه» فلنحافظ جميعنا على الصلاة في رمضان وفي كل الأوقات والأزمان حتى تجيء صلاتنا يوم القيامة وهي تدعو لكل واحد منا تقول «حفظك الله كما حفظتني»..اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وركوعنا وسجودنا وقيامنا ونوّر بالتقوى أيامنا وحقق لنا كل المنى .. آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى