نتفهم هذا .. ولا نفهم ذاك

> أحمد عمر بن فريد:

> أن نستمع إلى توصيفات متشنجة تخص الحراك السياسي في الجنوب والقائمين عليه من قبل السلطة فذلك أمر يمكن تفهم أسبابه ودواعيه، حتى وإن كانت حدة التوتر قد بلغت مداها من خلال الشطط في التوصيفات والتسميات التي تراوحت بين مسميات قديمة وأخرى جديدة لم نألفها، وهي تسميات لا يجمعها ولا يفسر أسباب ذكرها إلا مبرر واحد فقط وهو (الإفلاس التام) ولا شيء غيره في مواجهة كل هذا الحراك الكبير الذي بدأ وانطلق بقوة في عدة محافظات بشكل متناغم ومنسجم، وبما يوحي للمراقب بحقيقة أنه حراك يخضع لنسق واحد وأنه يسير وفقاً لآلية واحدة ومنظومة عمل متماسكة تستند إلى حق واضح كوضوح حركتها، ويتكئ على تجمع جماهيري موحد لم يسبق له مثيل من حيث تماسكه ونضجه ووحدة خطابه السياسي.

أمام هذه الحقيقة تتحول تصريحات بعض المتشنجين من أن كل هذا الحراك هو عبارة عن (شرذمة ضالة رأيناها تعتصم!) إلى مجرد (فقاقيع كلام) تتصاعد في سماء التزلف السياسي لثوان فقط، ثم لا تلبث أن تنفجر بما فيها من خواء فكري غير مسئول، يأتي في إطار حملة إعلامية رسمية منهكة القوى بفعل فشلها الذريع في تحقيق الحد الأدنى من برامجها السياسية المتواضعة الطموحات أصلاً، وبفعل قوة هذا الحراك المتنامي وعدالة ما يتبناه ويطالب به من حقوق سياسية ومطلبية.

إذاً.. أن تكون هذه هي ردة الفعل الرسمية فذلك شيء متوقع وغير مستغرب، ولكن الغريب في الأمر والذي يجعل المرء يقف حائراً ومستغرباً وغير قادر على فهم الدوافع والحسابات السياسية للجهة المتبنية له هو إنكار بعض رموز المعارضة من أحزاب اللقاء المشترك القضية الرئيسية لهذا الحراك السياسي الجنوبي (قضية الجنوب)، ففي هذا المجال صرح مؤخراً مع الأسف الشديد المتحدث الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك الأستاذ محمد الصبري لموقع «التغيير نت» بأنه «لا يوجد شيء اسمه قضية جنوبية.. وإنما هناك قضية وطنية شاملة» حتى أن محاور الصبري نفسه تنبه إلى هذا الطرح الغريب ونبهه إلى خطورة مثل هذا القول، وإن كان متأكداً مما يتحدث عنه، فأعاد الأستاذ الصبري تكرار ما ذكر مرة أخرى!

بعيداً عن شرح أبعاد (قضية الجنوب) من محاورها السياسية والقانونية والاجتماعية منطقياً وجدلياً، وبعيداً عن ارتكاز هذه القضية إلى قرارات دولية ناتجة عن أزمة سياسية وحرب خصت طرفين (الشمال والجنوب) وليس ثلاثة أطراف، فإننا نتحدث عن مسلمة سياسية واحدة تقول: إن الاعتراف بوجود قضية سياسية ما أو عدم وجودها ومن ثم الاعتراف بها أو عدم الاعتراف بها يشترط في الأساس وجود جماعة سكانية كبيرة تتفق في مجموعها الكلي على طرح (إشكالية سياسية واحدة) وتعمل هذه المجموعة السكانية (معاً) من أجل وفيما يخص إبراز وحل هذه الإشكالية أو القضية من خلال حراك سياسي منظم، وتكون القضية مكتملة الأبعاد إذا ما كانت هذه الجماعة السكانية تقيم فوق مساحة جغرافية كانت تشكل في يوم من الأيام دولة واحدة. إن هذه المسلمة السياسية (وحدها) دون الحديث عن المحاور الأخرى تكفي لكل ذي لب واقعي ووطني وحتى إنساني أن يعترف بوجود (قضية الجنوب).

لقد كان- بحسب وجهة نظري- الأجدر بأحزاب المعارضة الاقتراب من هذه القضية ومحاولة التعرف عليها وعلى مكوناتها ومقوماتها عن قرب، من خلال الاختلاط بجماهير الحراك السياسي في الجنوب في مختلف المحافظات، لأن الحديث عن هذه القضية عن بعد (فكري وجغرافي) وخوف سياسي من دلالاتها سوف يبقي المسافة الفاصلة كبيرة بين الطرفين، وسوف يزيد من الشكوك في النوايا لدى كل طرف تجاه الطرف الآخر، الأمر الذي نتمنى تجاوزه مستقبلاً.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى