تراجع دراماتيكي في تأييد الرأي العام المسلم لبن لادن وأفعاله

> كارين هيوز:

> إن ظهور أسامة بن لادن مؤخراً في شريط فيديو هو بمثابة تذكير لنا بأن المتطرفين، بأساليبهم الفتاكة، ما زالوا يهددون حياة الأبرياء في العالم أجمع,وإن ظهوره بعد اختبائه على مدى ثلاث سنوات إنما يوفر الفرصة أيضا للتمعن في الطريقة المختلفة التي ينظر بها العالم اليوم للزعيم الإرهابي - هذه النظرة التي باتت أكثر سوادا من ذقن بن لادن المصبوغة حديثا.

لقد أعرب الناس في أميركا وسواها في الكثير من الدول الغربية عن معارضتهم الشديدة لبن لادن وتنظيم القاعدة منذ هجمات يوم 11 أيلول/سبتمبر (2001).

لكن الجديد هو هذا التراجع الدراماتيكي في مكانته في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.

فتبين استطلاعات الرأي في البلدين اللذين كانا أكثر من عانى من بعض أسوأ أشكال العنف الذي ترتكبه القاعدة، وهما أفغانستان والعراق، أن أكثر من 90 في المئة من سكان هذين البلدين يحملون آراء غير إيجابية في القاعدة وبن لادن بالذات.

ويقول خبراء الاستطلاعات إن من الصعب عادة إيجاد إجماع بنسبة 90 في المئة على أي شيء، حتى الأشياء المسلم بها مثل أن فطيرة التفاح هي فطيرة أميركية بالأساس.. لكن استطلاعات رأي أجريت في تركيا قبل عامين بينت ان نسبة 90 في المئة من المواطنين تعتقد أن التفجيرات التي ارتكبتها القاعدة في لندن واسطنبول ومدريد ومصر كانت هجمات ظالمة وغير منصفة، وأن نسبة 86 في المئة من الأتراك تعتقد انه لا توجد ذرائع تبرر التغاضي عن هجمات 11 أيلول/سبتمبر، فيما قالت نسبة 75 في المئة ممن استطلعت آراؤهم أن بن لادن لا يمثل المسلمين.

وقد تراجع التأييد لتكتيكات الإرهابيين في سبعة من البلدان ذات الأغلبية الإسلامية الثمانية التي استطلعت آراء شعوبها كجزء من مشروع لمركز الأبحاث واستطلاعات الرأي الأميركي المعروف باسم «مشروع بيو للمواقف العالمية» منذ عام 2002.

وفي أغلب الحالات كانت ظاهرة تراجع التأييد دراماتيكية.

فقبل خمس سنوات كانت نسبة 74 في المئة من الناس في لبنان تعتقد أنه يمكن تبرير التفجيرات الانتحارية أحيانا. أما اليوم فقد تقلصّت هذه النسبة إلى 34 في المئة-وهي لا تزال نسبة مرتفعة، إلا أنها تمثل تحولا عكسيا صارخا.

وحصل تراجع مشابه في تأييد أساليب الإرهابيين في كل من بنغلاديش وباكستان وإندونيسيا والأردن. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو ان الشعوب الإسلامية صارت ترفض وبصورة متزايدة محاولات بن لادن لتشويه دينهم.

فقد وجد موقع WorldPublicOpinion.org في أبريل الماضي ان غالبيات كبيرة في مصر (88 في المئة)، وإندونيسيا (65 في المئة)، والمغرب (66 في المئة) توافق على أن «الجماعات التي تلجأ للعنف ضد المدنيين، من أمثال القاعدة، انما تنتهك تعاليم الدين الإسلامي وأن الإسلام يعارض مثل ذلك العنف.» وهذه التحولات في المواقف بدأت تنعكس أفعالا، لا أقوالا فقط. فالزعماء السنّة في محافظة الأنبار العراقية يعملون مع قوات التحالف ضد القاعدة بسبب، وكما قال زعيم محلي للصحافيين، أن «كل ما يأتي به الإرهابيون هو الفوضى» .. «قتل الناس، سرقة الماعز وكل شي من هذا القبيل مما يخطر ببالكم.» وبعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في الجزائر صاح المتظاهرون:

«الإرهابيون ليسوا مسلمين» و«لا للإرهاب، ولا تمسّوا جزائرنا.» وفي حين أنه لأمر جيد أن العديد من المسلمين يقرون بأن الجماعات الإرهابية، من أمثال القاعدة، تشكّل تهديدا مشتركا، فإن الكثير من استطلاعات الرأي تظهر انه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله لتغيير مواقف الأجانب إزاء الولايات المتحدة.

إن التراجع في تأييد المتطرفين العنفيين يمثل فرصة لزيادة مساعينا الهادفة إلى تعزيز المصالح المشتركة مع الشعوب في الخارج والعمل معها للتصدي لمحاولات القاعدة الهادفة إلى تحويل الشباب إلى شباب راديكالي.

إن النشاطات الدعائية المتزايدة للقاعدة على الشبكة العنكبوتية تمجد العنف وتسعى لاستغلال التظلمّات المحلية، من القمع السياسي إلى انعدام الفرص الاقتصادية.

وعلى نقيض ذلك، فان برامج الدبلوماسية العامة الأميركية تتعاطى مع الشبيبة بصورة بنّاءة، من خلال تعليم اللغة الإنجليزية وبرامج التبادل التربوي ودبلوماسية الموسيقى والرياضة.

هذا الصيف، تشاركنا مع حكومات محلية في بلدان ذات غالبيات مسلمة لاستضافة برامج لتدريس الإنجليزية للأحداث وتعليمهم مهارات القيادة والمواطنة.

وكانت هذه أول مرة بالنسبة للكثير من هؤلاء الشبان التي يلتقون فيها بمواطنين أميركيين.

ويبين تقييم هذه البرامج أن الكثير من هؤلاء الشباب خرجوا من هذه البرامج بانطباع أكثر ايجابية عن بلادنا. وفي هذا العام سندرّس الإنجليزية لآلاف الشبان والشابات في أكثر من 40 بلدا ذات غالبيات مسلمة.

لقد كنت اجتمعت بمجموعة من هؤلاء الشباب في المغرب في نفس الحي الذي فرخ المفجرّين الانتحاريين بالدار البيضاء في 2003. وحينما سألت شابا عن الفارق الذي أحدثه تعلم الإنجليزية في حياته أجاب: «لدي الآن وظيفة في حين ليس هناك من أصدقائي من لديه وظيفة مثلي.» وإن لدى هذا الشاب أيضا الأمل.. لديه سبب يدفعه للعيش بدلا من قتل نفسه وغيره في تفجير انتحاري. وبفضل دعم الحزبين الأميركيين القوي في الكونغرس، فإننا نقوم بتوسيع برامجنا للتبادل التربوي والثقافي واستقدام «مؤثرين رئيسيين» في الرأي مثل الصحافيين ورجال الدين المسلمين إلى هنا للتعرف على أميركا بأنفسهم.

إن هذه برامج ذات فوائد عميمة لا تحصى في تحدي الصور النمطية والتصدي للتضليل الذي يقصد المتطرفون الراديكاليون به دق إسفين بين ثقافاتنا وبلداننا.

لقد كان شريط الفيديو الأخير لأسامة بن لادن تذكيرا بأن القاعدة تقدم الدمار والموت فقط.

وإرهابيو القاعدة يقتلون أولئك الذين لا يوافقونهم الرأي، بمن فيهم المسلمون.

وإن اعتداءاتهم على المساجد والمزارات وحتى حفلات الأعراس تثبت أنهم لا يأبهون بالمسلمين الأبرياء. وكما ذكرت لي سيدة في الجزائر: «هم مجرمون يريدون تخريب البلاد.» وهذه رسالة لا تنقلها كلمات بن لادن، بل أفعاله. وبعد انقضاء ست سنوات على أحداث 11 /9 فإن الناس الطيبين والشرفاء من ديانات وثقافات عديدة ينبذون بشكل متزايد أساليبه الوحشية.

وكيلة وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة

مقال خاص لـ «الأيام»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى