قصة بعنوان (أحلام هيفاء)

> «الأيام» حشوان عبدالله جريدم:

> هيفاء فتاة جميلة .. جمالها لا مثيل له.. عمرها أربعة عقود .. بعمرها هذا مرّت بسيل من المشاكل وشقاء الحياة .. تسكن في بيت قديم.. أنيق، على مقربة من الساحل، لها أولاد كثيرون.. لكن الكل يعشق هيفاء الحسناء، حتى في خارج البلاد ثمة من يسمع عنها وعن جمالها الفاتن ويتمنون رؤيتها ولو بزيارة قصيرة فقط .. المقربون منها يعرفون عنها الكثير ..! يعرفون ماضيها ويجهلون حاضرها، ويتساءلون عما تجلب لها الأيام القادمة..! ماضيها عذاب، وحاضرها وهم ومستقبلها مجهول ..! تزوجت أكثر من مرة وأنجبت أكثر من ولد، بل أولاد .. منذ أن ولدت وهي تحلم .. تحلم بأن تعيش عيشة هادئة وأن تعلم أولادها، يأكلون ويلبسون دون إزعاج، لا يتعرضون لأذى أو مكروه.. ومرت الأيام والسنون تتعاقب، وهي مازالت تحلم.. ساعات ترنو إلى الأفق الأعلى بعينين محدقتين وكأنها تطالب الضراعة من رب العباد .. وعندما يأتي المساء تبيت ساهرة لا تغمض لها عين ولا يهدأ لها بال ..!

ويأتي الصباح بإشراقة يوم جديد، فلا تأخذ منه سوى حرارة الشمس وكأن النور لا سبيل له إليها .. نهارها ليل وليلها نهار ظلام وأحلام .. هكذا حالها منذ نعومة أظفارها وبالرغم من الأولاد الذين أنجبتهم إلا أنها ماتزال في ربيع عمرها الذي لم يجنه أحد بعد..! فتعود هيفاء لتحلم.. تحلم بأن تتزوج للمرة الأخيرة فتزوجت فعلاً .. فكان يوم العرس بهيجاً .. ومرت الأيام والسنون وتغيرت الأوضاع وكست التجاعيد وجه هيفاء الحسناء .. فاستعادت الذاكرة لحين قد مضى حين قال لها زوجها بأنه سيلبسها فستاناً جميلاً ويحميها من أعين الحاسدين وسيجعل أولادها آمنين في حين! .. ظل الأمل يراودها حقبة من الزمن في انتظار الوعد، وحين طال الانتظار خاب أمل هيفاء وعادت لتعيش مع أحلامها .. وأولادها يتسكعون في الشوارع وأزقتها يلهثون في عز الصيف بين ضجيج السيارات وعوادمها، يتوزعون في المحاط العامة يتسولون والبعض الآخر منهم يتجهون إلى محاط أخرى والعرق يغمر ملابسهم شبه الممزقة، سمر الوجوه حفاة الأقدام.. يبذلون قصارى جهدهم طوال النهار لعلهم يتقاضون حفنة ضئيلة من الريالات يشبعون بها رمق الجوع ويسدون بها حاجاتهم من العطش .. وعندما يأتي المساء يتوزعون هنا وهناك، يفترشون أرصفة الشوارع يبيتون حتى يأتي صباح يوم جديد ليعاودا عملهم المضني كسالف كل يوم .. هكذا حالهم وعينا هيفاء محدقتين صوبهم لم تنم ليلة قط .. تبيت ساهرة تداعب السهر وتشاطر أولادها آلامهم وعل الرغم من قساوة الحياة بل (الحيلة) إلا أن الأمل يستحوذ على حياة هيفاء وكأن اليأس لا يعرف الطريق إليها.. ساعات تهمس هيفاء في نفسها وتضع أكثر من سؤال: هل سيظل وضعها وأولادها هكذا وهل يجدون ما يقتاتون به دون عناء أو تعب و.. ..؟؟؟! وذات ليلة أغمضت هيفاء عينيها ودخلت في نوم عميق وفجأة استيقظت من نومها مذعورة شاردة الأفكار، لم تصدق أهو كابوس من شدة التعب؟..أم حلم كما تعودت على الأحلام أم هي حقيقة حتى قال لها زوجها أثناء الحلم: للمه ياهيفاء تحملين شهادتي ميلاد أتدرين أن هذه مخالفة؟ قالت هيفاء: لا أحممل سوى شهادة ميلاد واحدة لا غير والجميع يعرفون ذلك بمن فيهم الأولاد. قال لها : لا يهم أولادك من تاريخ ميلادك!! فالأمر يهمني باعتبار هذه الشهادة هي تاريخ ميلادك الجديد!! وبين ذهول وصمت مطبق لم تعد هيفاء قادرة أن تتفوه بكلمة واحدة من باب (الطاعة) على الرغم من أن الفرق بين الميلاد الأول والثاني -الأخير- لا يتجاوز عقداً من الزمان !! فتعود لتنظر إلى أولادها.. حفاة، عراة وأجساداً متسخة.. فتعود لتحلم فما زالت الأحلام تراودها في كل ساعة وحين .. ولكنها عزيزة هيفاء عفيفة هيفاء.. فإن لم تجد ما تقتات به .. تبيت حابسة الجوع في أحشائها .. فتأخذ نصيبها من الجوع والعطش الذي كتبته لها الأيام.. فقلبها ينبض.. فهي لا تموت.. لا تموت أبداً.. ستعيش على مر الزمن وهي تحلم، تحلم لعلها ستحقق حلمها في يوم من الأيام .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى