نشيد الذئاب الحمر (1)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> حري بنا ونحن نحتفل هذه الأيام بالذكرى 44 لثورة أكتوبر المجيدة أن نقف أمام بعض الأشعار التي أرخت لهذا الحدث الكبير في تاريخ اليمن المعاصر وصورته تصويراً فنياً خالداً وغنّت له وتغنت به. ليس ذلك فحسب ولكن (ردفان) حظيت بحضور كبير في الشعر اليمني المعاصر بوصفها واقعاً تاريخياً وجغرافياً فريداً وبوصفها رمزاً إلى قيم إنسانية ووطنية خالدة كالحرية والثورة والنضال والتضحية والانعتاق ورفض الضيم والذل والاستسلام فلا تكاد تجد ديوان شعر يمني معاصر يخلو من ذكر ردفان واقعاً ورمزاً، ليس ذلك فحسب ولكن صداها وصل إلى رحاب الشعر العربي المعاصر لاسيما في الستينات من القرن الماضي بوصفها هي الثورة والثورة هي واقعاً ورمزاً.

اسمع- مثلا- قول البردوني في قصيدته المدهشة (فنقلة النار والغموض):

ردفان نادى أن أذود

وأن أحيل الصعب سهلا

فحملت رأسي في يدي

كي لا تصير الكف رجلا

وحينما نادى المنادي من ردفان في أكتوبر 1963م ردد الشعر صدى هذا النداء وأسمع العالم نشيد الثوار هناك بمضامينه الأسطورية وصوته الإنساني الشجي، الذي تلقفته كل مناطق الجنوب المحتل وعزفت على منواله الخالد، إنه نشيد الخلاص.. في هذه اللحظات التاريخية المفعمة بالإنجاز كان الشاعر عبده عثمان في أحد المهاجر، فتناص إليه النداء فحوله إلى نسيج شعري يرتقي إلى مستوى الحدث إذ نسج قصيدته الشهيرة (ردفان والقرصان):

كانت الساعة لا أدري

ولكن..

من بعيد شدني صوت المآذن

ذهل الصمت تداعت في جدار الليل ظلمهْ.

... ... ...

كنت أدري ما على ردفان يجري

كنت أدري

أن إخواني وأهلي

أذرعٌ تحتضن النور وأرواحٌ تصلي.

لقد أذهل النداء الشاعر فلم يعرف متى كان ذلك، لأن الزمن الحقيقي لا يقاس رياضياً بأيامه وشهوره وسنينه ولكن يقاس بما تحقق فيه من المنجزات والأعمال الإيجابية على مستوى الأفراد والشعوب والأمم، وحينما انطلق المارد من ردفان في ذلك التاريخ أطلقت الصحافة العالمية بإيعاز من الاستعمار على أوائل الثوار لقب (الذئاب الحمر) بقصد التقليل من شأنهم وشأن قضيتهم والإساءة إليهم مثلما زعمت أن تلك الثورة ما هي إلا تمرد قبلي سرعان ما يخمد، أما لقب (الذئاب الحمر) فقد تحول فيما بعد إلى صفة إيجابية لهؤلاء المناضلين لأنه يوحي بالشجاعة والجلد وشدة المقاومة والبأس وعدم التدجين والخضوع والاستسلام ولا غرو فقد كان العرب قديما وهم البلغاء يشبهون الرجل الشجاع بالأسد ولا يقصدون التطابق الكلي بين المشبه والمشبه به في كل الصفات والأحوال وإنما يقصدون جانب الشجاعة فقط، فما كان من لقب (الذئاب الحمر) إلا أن شد شاعرنا المقالح إلى توظيفه فنياً في قصيدة جميلة بعنوان (نشيد الذئاب الحمر) قالها على لسان هؤلاء الثوار في ردفان نشيداً إنسانيا ووطنياً يترجم حالهم وقضيتهم وأهدافهم المشروعة بطريقة شعرية شجية التقى فيها الواقع بالرمز والخاص بالعام، يقول الشاعر على لسان الذئاب الحمر:

ذئاب نحن فوق جبالنا المشدودة القامهْ

نصيد الفجر، ننسج للضحى لنهارنا هامهْ

وننقش في جبين الشمس موكبه وأعلامهْ

ونحفر للدخيل القبر نسحقه وأصنامهّ

إن المقطع يصور عدالة القضية التي آمن الثوار بها، ألا وهي إثبات الوجود والدخول في العصر وتحرير الأرض.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى