الفنان محمد جمعة خان في فيلم سينمائي.. والسؤال الحائر !

> «الأيام» محمد حسين بيحاني:

> هناك أسماء جاءت لتبقى طويلاً.. طويلاً، وتصبح بمكانتها ومكانها في ذاكرة الأجيال، توقظ الحنين إلى الزمن الجميل، ويظل التاريخ يشهد على قدرتها على الأصالة والإبداع وإثراء الحياة.

إنه المطرب محمد جمعة خان الذي سكن بفنه الوجدان والعقول والقلوب، وترك لنا (صندوقاً من الذكريات) يفتح وقت الاحتياج لفن صادق، يصعب العثورعليه الآن.

سجل التاريخ كفاح الفنان محمد جمعة خان في نشر الأغنية الحضرمية في رقعة أوسع من الوطن اليمني، ولم يدرك زمن التلفزيون والفيديو.

كانت وسيلة نشر أغانيه السهرات التي يحييها هنا وهناك، ثم تسجيل أغانيه على أسطوانات الشمع في عدن على (دفعات) مستثمرا الفرصة التي وفرتها شركات الأسطوانات في عدن للمطربين لتسجيل أغانيهم وتسويقها في الداخل والخارج.. نذكر من هذه الشركات شركة (جعفر فون)، شركة (عزعزي فون)، أسطوانات (مستر حمود)، أسطوانات (عيدروس الحامد) وغيرها من شركات الأسطوانات التي بدأت نشاطها في النصف الثاني لثلاثينات القرن العشرين، وقد سجل محمد جمعة خان أول دفعة نحو عام 1939م.

وتصل الأغاني التي سجلها على أسطوانات إلى مائة وستين أسطوانة تقريباً فضلا عن تسجيلاته لشركات أسطوانات في رحلاته إلى السعودية والكويت، ولا تحتفظ أية جهة بقائمة الأغاني التي سجلها على الأسطوانات، وهناك من يحتفظ بنماذج من تلك الأسطوانات.

الفنان محمد جمعة خان أدرك التسجيل للإذاعة في عدن في سنواته الأخيرة بعد تأسيسها عام 1954م وتوجد له في المكتبة الموسيقية لإذاعة المكلا (70) أغنية جمعتها الإذاعة من مصادر مختلفة، والمعروف أن تأسيس إذاعة المكلا جاء يوم 28 سبتمبر 1967م بعد أربع سنوات من رحيله.

كثيرون لا يعرفون أن الفنان محمد جمعة خان غنى في فيلم سينمائي يعتبر الوثيقة التسجيلية الوحيدة لهذا الفنان (صوت وصورة)، كان ذلك في نهاية الأربعينات عندما راودت السلطان صالح بن غالب القعيطي فكرة تصوير فيلم سينمائي يعالج قضية اجتماعية استوحاها من إعجابه بفرقة التمثيل في المدرسة الغربية الابتدائية، التي كان مقرها في المبنى الحالي لمستشفى الأمومة والطفولة في مدينة المكلا، وكان مدير المدرسة يومذاك الشيخ سعيد محفوظ مهيري، وكانت المدرسة تقدم كل شهر تمثيلية ضمن نشاطها اللاصفي، فاستدعاه السلطان صالح إلى قصره وطرح عليه فكرة تصوير فيلم سينمائي يعالج في قصته موضوع زواج رجل متقدم في السن من فتاة شابة وأن يتقمص أدوارها تلاميذ المدرسة، لكن الشيخ سعيد مهيري أوضح للسلطان أن موضوع الفيلم أكبر من مدارك التلاميذ، واقترح عليه الاستفادة من أعضاء غرفة المعلمين التي كان يرأسها حينئذ الأستاذ محمد عوض باوزير، مدير المدرسة الشرقية (كان مقرها يطل على ميناء المكلا القديم في حي البلاد بالمكلا) وهو من مواليد مدينة غيل باوزير عام 1922م واستقال من عمله في الإدارة المدرسية عام 1954م واختار الإقامة والعمل في مدينة عدن بأحد المكاتب التجارية.

واختار معه الهجرة الداخلية في عدن، في نفس حقبة الخمسينات، (ابن اخته) القاص والأديب عبدالله سالم باوزير الذي وافته المنية في عدن يوم الخميس 7 أكتوبر 2004م، لتفقد القصة اليمنية أبرز أقلامها، أما الأستاذ محمد عوض باوزير فيعتبر أحد الشعراء المعاصرين واشترك مع شقيقه الأستاذ عوض باوزير في تأليف قصة الفيلم وتوزيع الأدوار على الممثلين المختارين وتقمص دور (الرجل الشايب) الشيخ سعيد محفوظ مهيري، ودور الفتاة المرحوم حسن عاطف.

وانتقلت فرقة التمثيل على سيارة (شحن) إلى القصر وقابلت السلطان وسجلت الأدوار على شريط أعد خصيصا، ثم التقطت المناظر الخارجية في مناطق زراعية مثل منطقة الحرشيات (شرق المكلا) ومنطقة (فوة) غرب المكلا، وجعل عنوان الفيلم (عبث المشيب) وقام السلطان نفسه بالإخراج.

الفنان محمد جمعة خان مع أخيه الفنان أحمد جمعة اشتركا في الفيلم بإحياء سهرة العريس في منطقة الحرشيات، غنى محمد جمعة خان في السهرة وهو يعزف على آلة العود، بينما غنى أحمد جمعة خان على آلته الموسيقية المفضلة (الهارموني)، وكان التسجيل الصوتي للأغاني يتم في القصر، والتصوير السينمائي للسهرة على الطبيعة، ويقوم السلطان بعد ذلك بالدبلجة وإرسال (المادة الخام للفيلم) إلى الخارج للتحميض.

وبعد استلام الفيلم محمضا جاهزا للعرض يوجه السلطان الدعوة لمشاهدة العرض الأول لكبار الشخصيات الرسمية والاجتماعية في المكلا والعرض الثاني في ساحة القصر للمواطنين.

فيلم (العلم نور)

نجاح تجربة فيلم (عبث المشيب) شجعت السلطان صالح على تصوير فيلم خارجي في منطقة (الصالحية) في مدينة غيل باوزير تكاد تكون أول تجربة سينمائية تفردت بها حضرموت وفي وقت مبكر على صعيد الوطن اليمني والجزيرة والخليج.

مشروع فيلم بالألوان

وكان للسلطان صالح بن غالب القعيطي مشروع إنتاج (فيلم بالألوان) عهد إلى الأديب الراحل حسين عمر شيخان بكتابة قصته، لكن قصر العمر بالسلطان وتوارى المشروع وتوارى معه الاهتمام بالإنتاج السينمائي في القصر.

السؤال الحائر!

بـعد زوال السلطـنة القعيطـية عام 1967 اختفت تلك الأفلام من القصر ولا يدري أحد مكان وجودها، وبذلك تكون الأغنية الحضرمية قد افتقدت وثيقة تسجيلية (صوت وصورة) لرائدها الفنان محمد جمعة خان، والسؤال الحائر: من يبادر بالبحث عن تلك الوثيقة لتجربة سينمائية مبكرة في حضرموت لتدخل خزانة تاريخ السينما في الوطن العربي.. من يبادر؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى