رؤية فنية في قضية كروية ..إدارات ديكتاتورية ومدربون أوهن من بيوت العنكبوت

> «الأيام الرياضي» محمد العولقي:

> كلما سنحت لي ظروفي لمشاهدة مباراة من مبارياتنا المحلية امتلأ فمي بالماء، لأجد نفسي في حسبة (مربكة) أظنها تلامس (برما) وأخواتها,وكلما ذهبت (مرغماً) لتحليل مباراة محلية فيها الكثير من فواصل الكر والفر والإقبال والإدبار إلى آخر معلقة إمرئ القيس.. أحتار في الفريقين المتباريين.

فريق يذكرني بالطائفة الهندية التي يستمتع أفرادها بالنوم على (المسامير) ومخلفات مصانع الزجاج وليس الدجاج، وآخر يعقد لساني بحيث أبدو على علاقة بـ (لاءات) بوذا.

ما يثير (الربشة) ويعصر (الدهشة) أن مستويات كرتنا في انحدار، ومنسوب انتصاراتنا تراجع حتى الضآلة.. وعندما أشاهد مباراة محلية أو حتى مباراة دولية منتخبنا طرف فيها أحرص على متابعة المؤتمر الصحفي للبحث عن (غاية) تبرر (الوسيلة) ولا أجد إلا كلاماً مكرراً مستنسخاً ومغالطات يشيب لها ريش الغراب الذي قلد مشية الحمام فنسي فيما بعد مشيته!

وأجد في نفسي الشجاعة الكافية لأن أعترف أنني لا أحرك ساكناً في المؤتمرات الصحفية..أدخل القاعة بهدوء وأغادرها بنفس الهدوء وبرودة الإنجليز..تماماً كما كان يفعل مندوب الإمام أحمد في جامعة الدول العربية.

والواقع أنني لا أرفع إصبعي بحثاً عن فرصة إلقاء سؤال عاصف ناسف، مع أن علامات الاستفهام تتزاحم في تلافيف الذاكرة، لكنني أعتقل هذه الاستفهامات ولا أسأل انطلاقاً من قاعدة أننا مطالبون أحياناً بأن لا نسأل عن أشياء إن تبد لنا تسؤنا، غير أن ثمة سؤال ألوكه من زمن بعيد بنظام اللبان ولم أجد له جواباً لا عند (الفنيين) الذين يتوالدون هذه الأيام تحت تأثير حرارة القيل والقال ولا حتى عند (المدربين) بمن فيهم المدرب الأجنبي الذي كان مندهشاً من تدليل (كباش) الظرافي.. لماذا لم تنجب الكرة اليمنية (كباتنة) للأندية والمنتخبات من فصيلة أبوبكر الماس، جمال حمدي، خالد عفارة، عبدالله باعامر، إبراهيم الصباحي، والقائمة تنتهي عند وجدان شاذلي آخر الكباتنة المحترمين..سؤال يجلدني كالسوط كلما نقلته من على اللسان إلى وسطنا الكروي الفاتر الخائر، يرتد عند اصطدامه بقاماتنا الفنية، والنتيجة (هدرة) فارغة وكلام ملتوٍ وفلسفة تدل على أن صاحبها (ريش على ما فيش).

في الأندية لم تعد هناك قيمة لكابتن الفريق، ولم تعد هناك أسس ومعايير يستند عليها المدرب عند اختياره لقائد الفريق..هذا فريق يضع شارة القيادة على ذراع لاعب سليط اللسان كل علاقته بكرة القدم أنه ضل طريقه ليحط رحاله في فريق فتح له أبواب النجومية من أسوأ الأبواب! وذاك فريق آخر يهدي سلامه وتحياته لقائد فريق يطلقون عليه (ميدو مشاكل) بحكم أنه دائم الخروج عن النص ومدمن كروت ملونة وغاوي (عكننة) على زملائه و(الغاوي) ينقط بطاقيته.. هذه مسألة، فما هي المسألة الثانية التي عادها لما تكون على حد تعبير الهاشمي الذي قال :«عندك خطأ ما قرأت البسملة!».. منتخباتنا هي الأخرى تحذو حذو أنديتنا فتتعامل مع القيادة على أنها (كوبري) و(تقليد) لا يقلل من الاعتقاد بأن القائد مجرد لاعب شأنه شأن المدافع أو المهاجم أو لاعب في خط الوسط، وللأسف الكثير من (المدربين) يضعون شارة القيادة في آخر أولويات المنتخبات..سألوا ذات مرة ريمون دومينيك مدرب فرنسا الحالي، لماذا اخترت باتريك فييرا ليخلف زين الدين زيدان في قيادة المنتخب وغضيت الطرف عن المخضرم ليليان تورام مع أنه أقدم وأكبر من فييرا. على قاعدة أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة! أجابهم دومينيك بلسان يقطر فصاحة:«فييرا شخصيته جذابة ومؤهلات القيادة ليست (سلعة) يمكن شراؤها من البقالات، إنها فطرة وتأثير وأشياء لا يلاحظها إلا من كان لا يشكو من عيوب في النظر، وفييرا هو الرجل المناسب الذي يؤدي مهاماً إضافية داخل الملعب، لأنه باختصار همزة الوصل والقطع بيني وبين اللاعبين».

كلام جميل مقدرش أقول حاجة عنه، على رأي الفنانة ليلى مراد، فهل يفكر مدربونا بهذه الطريقة؟

قطعاً لا ،لأن كتاب أنديتنا يقرأ من عنوانه، فقائد الفريق يخضع في الغالب لمزاجية الإدارة، وليس المدرب كما أن (خبرتنا) يعتقدون أن أفضل طريقة للابتعاد عن شر اللاعب المشاكل مع فاصل من الغناء تكمن في خطب وده وترويضه بشارة القيادة، من دون أن يقول لهم المدرب أنا أحتج وأرتج، لأن تعيين القائد شأن فني وأنا من يختار.. وحتى تتجنب إدارات الأندية مدرباً (أحمر) عين فإنها في الغالب تسند التدريب لمدرب (على باب الله) مدرب (ألعوبان) بشخصية (هلامية)، وبالعامي مدرب (كوز مركوز) يسمع ولا يناقش ولا يتردد في استبدال (الكذب) بالافتراء عند اختيار قائد الفريق.

والحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه أنني لم أعد أداوم الذهاب إلى الملاعب في زمن (كباتنة) من وزن (الكومبارس) فحافظت على شعر رأسي، لأن التمسك بهذه العادة الظريفة سيدفعني إلى عملية زراعة شعر، وهي عملية تكلف شيئاً وشويات، وهو ما لا تطيقه إستراتيجية الأجور!

مدربو منتخباتنا الوطنية هم أيضاً همشوا (الكابتن) وألغوا دوره .. إما لأنهم مدربون من الطراز الديكتاتوري الذي يعمل بنظام (خالف تعرف) أو لأنهم مدربون أشبه بطرشان الزفة على أساس أن (جهات) أخرى هي من تفرض الكابتن، والنتيجة أن (هوة) التباعد بين المدرب خارج الملعب واللاعبين داخل الملعب تزداد اتساعاً فيقل المردود وتستنسخ الأخطاء طالما وهمزة الوصل مجرد لاعب عادي لا يقوى على التأثير والإقناع.

أين الكابتن (الحقيقي) الذي يؤثر في المجموعة ويزرع الثقة في نفوس لا تعرف لغة (الفلوس)؟ أين (القائد) الذي يكون عين المدرب وموضع ثقته ومخزن أسراره؟

مازلت أتذكر أن المدرب الصربي (زوران) طالب بعودة وجدان شاذلي وإرجاء اعتزاله قبل سبع سنوات لأنه وجد في (الغزال) مفردات القيادة و(قوة) خفية لايدركها إلا مدرب يؤمن بأن القائد عملة نادرة، وأنه أساس وأصل المعادلة الكروية.

زوران انطلق من مبدأ أن الشاذلي لاعب (محوري) مؤثر قادر على استثارة زملائه وإشعال وقودهم، وأن اللاعب المحترم أهم من لاعب يمر من خرم إبرة أو مهاجم يراقص الشباك من أنصاف الفرص.. وقبل أن يستذكر المدرب مع لاعبيه بعض البديهيات المحفوظة عن ظهر قلب والتي يتلقاها اللاعب في مرحلة الرضاعة الكروية، مثل أن الكرة لا أمان لها، وأنها لعبة جماعية تختزل في (خذ وهات)، وأن التمريرة السليمة من شروط الهجمة الناجحة، وأن أي خطأ أو تهور يلامس الأخطاء العشرة تكون نتيجته ضربة جزاء.. قبل كل هذا فإن المدرب الحاذق هو الذي يطوق (ثقافة) اللاعب الكروية، وهو الذي يكتشف (مواصفات) في كل لاعب تضعه أمام فصيلة من اللاعبين تختلف بحكم فارق الثقافة الكروية!

ما يحدث لشارة القيادة جزء من واقع كروي أوصله (أوصياء) اليوم و(دخلاء) الحاضر إلى مرحلة الموت السريري.

انظروا إلى الأندية، ستجدون إداراتها (حزبية) فرضتها سياسة (وراء كل نادٍ ستر وغطاء) وأن القيادات الرياضية الحقيقية فضلت الابتعاد عن شر العمل الرياضي، مع فاصل من الغناء..فمادامت الجمعيات العمومية للأندية مجرد (تابع) لا يرفع ولا ينصب حرفاً واحداً أثناء الانتخابات الرياضية فلماذا نلوم إدارات اليوم الغارقة حتى شحمة الأذن في (فواصل) من الهمز والغمز واللمز على تحويل شارة القيادة إلى (مكنسة) تمسح وتكنس (فضلات) المقايل؟

شخصية كابتن الفريق ذابت في (كأس) إدارات ومدربين يرون في كرة القدم جري وركض وزعيق ونعيق و(بلاوي) زرقاء أتحفظ عليها حتى لا نطحن الطحين نفسه.

كابتن اليوم مجرد (كمالة عدد) وجوده مثل عدمه، إن غاب خير وبركة، وإن حضر فالسبت السبت والجمعة الجمعة.

قائد الفريق اغتالته عقليات (تايوانية) مع سبق الإصرار والترصد، وحولته إلى مجرد ضلع أعوج في سياسة إدارية فاشلة.

تذكروا أن القائد عملة نادرة، يحتاج إلى مدرب يمتلك مؤهلات (الرؤية) بعيدة المدى، فليس كل من ارتدى الرقم عشرة وجدان شاذلي، وليس كل من يناقش حكماً هو الأحمدي، وليس كل ما يلمع ذهباً!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى