جمال العربية وتفوقها في مارثون القيم والمعلوماتية

> «الأيام» د.محمد حامد الحداد:

> لا جدال أن اللغة تزدهر بازدهار حياة ناطقيها ومستوى الحرية التي يتمتعون بها في شتى ميادين الحياة ومناشطها المتعددة الأوجه.. وبالعكس حين يضيق هامش الحرية يصبح الإبداع والابتكار معدوماً فتتكلس العقول وتتحجر القلوب.. إنها القاعدة الذهبية التي تسري على أي شعب من الشعوب بالنسبة للغة، غير أن لغة الضاد هنا مستثناة من هذه القاعدة لأنها لغة وحي وبها يتكلم أهل الجنة هكذا يقول المأثور من تراثنا الإسلامي، وفوق ذلك هي لغة مرنة وأداة اتصال وتواصل بين الأرض والسماء وبين المخلوق والخالق أثناء الدعاء والصلاة وخلال الابتهالات وأثناء الركوع والسجود وهذا هو ما يمكنها من الصمود في وجه تحديات تهميشها ناسين أو متناسين أنها لغة إبداع وإلهام وذات قابلية لاستيعاب متطلبات العصر وضرورات الأمة.

هذا المكان الرفيع الذي تحتله لغة الضاد في منظومة اللغات يجعل مهمة تعريب العلوم والتعليم بها ليس بدعة ولا بموقف «شوفيني» إزاء بقية اللغات الأخرى لكنه في الوقت نفسه موقف يعبر عن عمق الهوية وصدق الانتماء وحق مشروع لأمتنا العربية الإسلامية وعودة إلى ما ينبغي أن يكون تصحيحاً للمسار.

وهاكم شاهد من المهتمين بشؤون اللغات والتربية كمنظمتي «اليونيسف واليونيسكو» اللتين تؤكدان على جوهر وأهمية اللغة الأم واستخدامها في التعليم إلى أعلى المراحل وقد أكدت تجارب الشعوب المتقدمة على ذلك أيضاً وكانت اللغة الأم خير حامل تربوي - ثقافي وأخلاقي ومعرفي على صعيد تطور الأمة وازدهارها.

ومنذ خمسة قرون قبل الميلاد سئل العالم والحكيم (كونفوشيوس) ذات مرة عما سيصنع لو استنجد به قوم سادتهم الفوضى؟ أجاب ببساطة أبدأ بإدخال شيء من النظام على لغتهم. وفي هذا دلالة على أن اللغة الأم تشكل المرآة الحقيقية على صعيد التفكير والتغيير والإبداع وفوق هذا تعمق الشعور الوجداني بالهوية والانتماء. إن هذه المكانة الرفيعة للغة الضاد لا تعني (حالة إنكار) لأهمية وجدوى بل ضرورة إجادة تعلم لغات حية فاعلة ومؤثرة على الصعيد العالمي عبرها تتم عملية التلاقح الثقافي وبناء جسور التواصل بين الشعوب والأمة كما كان عليه الحال إبان بلوغ الذروة لحضارتنا العربية الإسلامية حيث تصافحنا مع شعوب شتى وتعانقنا مع أمم أخرى ديدننا في ذلك تعميم المعرفة والعلم والثقافة والحب والتسامح والاعتراف بالآخر وإجادة فن الحوار وبهكذا منهجية وتعاطي أسهمنا بل أثرينا مع الآخرين في صنع الحضارة الإنسانية الحاضرة.وعودة لما ابتدأناه نؤكد أن اللغة الأم قوة الابتكار في الأمة والأداة بل الذراع القوي لترسيخ القيم السامية والمعاني الفاضلة لتصحيح وجهة الحضارة الراهنة والمادية حتى النخاع لجهة التوازن بين ما هو مادي وآخر روحي لا غنى عنه لجماً لإرادة التدمير ونفخاً لروح القيم الفاضلة والتقدم لخير الإنسان.

إن دعاة التغريب والانسلاخ عن أصالتنا والتفريط بثقافتنا وقيمنا وعقيدتنا السامية بحجة مواكبة العولمة وثورة المعلومات وتكنولوجيتها الذكية دعوة حق يراد بها باطل.. هذا الباطل يتمثل في أن هؤلاء الدعاة يعيشون حالة نوم جماعي مصحوباً بنسيان كامل لكل الأطر الفكرية التراثية المعرفة التي تحتوي عليها ثقافتنا العربية واللغة أحد مكوناتها الأساسية.

إن استخدام العربية لتعليم العلوم بات خياراً لا غنى عنه لتنمية التفكير والقدرات الذهنية والملكات الإبداعية مع امتلاك ناصية المعرفة بلغات أخرى حية فاعلة ومؤثرة في الحياة العالمية تمكننا من أن نتثاقف مع الآخر ونعرفه بتراثنا المشرق وتلك الإسهامات التي قدمناها للحضارة الإنسانية على طريق بناء جسور التواصل والتكامل لندخل حصون هذا الآخر لا كطارئين في مكوناته بل مكون أساسي من مكونات ذاته يوم كان التاريخ ملكنا والعالم بشعوبه في عقر دارنا!إن العولمة وتقنية المعلومات والمعرفة ليست بشر مستطير فهي بقدر ما تحمل من مخاطر مفترضة تحمل إمكانات واسعة ومتعددة تسمح لنا إن نحن أجدنا استيعابها وتوجيهها لصالح إبراز دورنا وحضورنا مرة أخرى في إثراء الحضارة والإنسانية ومن إيجابيات ثورة المعلومات وتقنياتها متعددة الأغراض استفدنا تقنية الترجمة العادية والمعالجة الإلكترونية.. الخ. وهذا بحد ذاته إنجاز على صعيد تسهيل أعمال الترجمة من لغتنا الأم إلى لغات أخرى والعكس متاح. وتبقى مقولة عقم اللغة التي يرددها بعض المثقفين غير واردة ولا منصفة بحق لغة الضاد فهي ليست مصابة بالعقم ولا هي مانعة أو معيقة للتكيف مع العصر ومتطلباته بل العكس أنها لغة مرنة مهيأة وتحت الجاهزية للاندماج بامتياز مع تكنولوجيا المعلومات وتقنيات المعرفة بالغة الأثر على الصعيد النهضوي لأمتنا العربية لتعود إلى سابق عهدها مساهمة ومنتجة لتطور إنساني باهر!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى