«الأيام» تطوف بجبال أشبوط المقاطرة ..من ثنايا طبيعة قاسية وشفاه يعتصرها الظمأ تتبدى لوحات جمال ساحر(2)

> «الأيام» علي الجبولي:

>
صخرة متهالكة بداخلها مضخة بمئات الملايين
صخرة متهالكة بداخلها مضخة بمئات الملايين
في أقصى الشمال الشرقي من مديرية المقاطرة تمتد سلسة جبلية عالية تتوسد الحضن الجنوبي لقلعة المقاطرة الشهيرة وتتكئ على الطرف الغربي لبلاد الحكيمي بمحافظة تعز، هنالك تتناثر قرى بلدة (الشبوطي ،النهاري ، الزعيمي) ،في حين يفترش قليل منها ضفاف وديان ضيقة ،وتلوذ أخر بأحضان تلك السلسلة الجبلية. رغم قسوة الطبيعة وشحة الماء وغياب الخدمات ووعورة المنطقة لا تخلو تلك البلدة من لمسات جمال يروع الناظر.

«الأيام» طافت بتلك المنطقة لرصد هموم أبنائها وخاصة مأساة الظمأ التي أنهكتهم طويلا ،والتعرف على مشروع ماء كان أملهم الذي طالما حلموا به لإنقاذهم من الظمأ لكن تعثره بدد آمالهم.

مشــــروع مــاء أم ســـراب يــحســبــه الظمـــآن مــاء

من يشاهد تلك الحجرة المتهالكة التي قيل أنها بيت لمضخة مشروع الماء لا يطيق التساؤلات، أيعقل أن يكون هذا بيت مضخة بمئات الآلاف ؟ أي هدر للمال العام يحتمله هذا العبث ؟ أي استغفال لشعب اكثر من هذا؟ على امتداد كيلومترين من بئر الماء التي لم تضخ قطرة ماء حتى اليوم امتدت مئات الأنابيب الصدئة قطر 3 هنش لضخ الماء إلى خزان إعادة الضخ ، وبجوارها تمددت مئات أخرى من الأنابيب من مختلف الأقطار لتغذية القرى ،التي لم تغذها بقطرة واحدة بل تغذتها عوامل التعرية دونما رحمة فبدت أكثر صدأ وتهالكا رغم محاولة إخفاء العيوب بطلي أعلاها فقط دون أسفلها. بجوار خزان لإعادة الضخ حجرة صغيرة بيتا لمضخة إعادة الضخ إلى خزان فوق قمة تل شمال الموقع يتسع لـ 200 متر مكعب يتولى تجميع ثم توزيع المياه إلى قرى الثلاث مناطق؛ الرفد ، السودة ، والحمراء . حشد من المواطنين وجدناهم بجانب خزان إعادة الضخ يتساءلون بحسرة ويتعجبون بحيرة.

طلبنا من الأستاذ فؤاد نعمان أمين عام جمعية المستفيدين من (مشروع مياه الاشبوط) أن يوضح أسباب تعثر المشروع، فشرح وفضح مزيدا من أساليب المماطلة ومخالفة المواصفات «شكونا من المقاول إلى إدارة مياه الريف لكن إدارة مياه الريف تمالأت مع المقاول ولم تلزمه بتنفيذ العمل بل تركت حبله على غاربه. كثير من المخالفات في العمل مثلا غرفة التفتيش وبيوت العدادات بنيت بالطين وبدون أسمنت، العدادات ركبت في غير مواضعها. لن نستلم المشروع بهذه الوضعية المزرية.ندعو مياه الريف إلزام مقاول المشروع حسب التصاميم والمواصفات حتى يخدم الناس الذين حلموا بشربة ماء ودفعوا من أجلها تكاليف كبيرة». وزاد زميله راوح محمد أحمد رئيس جمعية المستفيدين قائلا «تكلفة المشروع وفق العقد أكثر من 162 ألف دولار بتمويل البنك الدولي وإشراف مياه الريف وإسهامات المواطنين بنسبة %5 . جداول الكميات ومواصفات إنشائه لم نطلع عليها . الجهة التي تعاقدت مع المقاول هي الوحدة التنفيذية بمياه الريف في محافظة لحج، طلبنا منهم صورا من عقد المقاولة وجداول الكميات والرسومات ولم يعطونا عند بدء المشروع. أبلغنا إدارة مياه الريف بعيوب التنفيذ والنواقص وحجم المخالفات ومماطلة التنفيذ ولكن دون استجابة مع ذلك يريدون تسليمنا مشروعا غير مكتمل وفق تصاميمه ومواصفاته. طالبناهم إلزام المقاول بتكملة بقية الأعمال وإجراء تجربة ضخ بإشراف مهندس وإلا لن نستلمه . المقاول أحضر مضخة إعادة ضخ وضعها في الغرفة ومشى ، لا نعرف ما نوعها أو مواصفاتها. نريد مهندسا مختصا يحدد مطابقتها للمضخة التي حددت في جداول الكميات ومدى قدرتها على ضخ الماء إلى الخزان».

ضاعت ممتلكات المشروع القديم ولم يأت الجديد

سألنا الأستاذ صديق علي سعيد ممثل دائرة المنطقة في محلي المقاطرة ، لماذا تأخر إنجاز المشروع ؟ ولماذا نفذت أعماله مخالفة للمواصفات؟ وأين دور السلطة المحلية؟ وما موقفك كممثل لأبناء المنطقة؟ قال:«خزان إعادة الضخ سعته 150 مترا مكعبا بناه المقاول، أما غرفة المضخة فهي قديمة بناها الأهالي بداية الثمانينات. جداول الكميات ومواصفات التنفيذ حددت بناء بيت جديد للمضخة لكن المقاول استبدل سقف البيت القديم وبابه فقط، ثم قام بتلبيس وطلاء الجدران والنوافذ فقط. عقد المقاولة حدد فترة التنفيذ بستة أشهر مضى حوالي عامين والمشروع متعثر لم يخرج قطرة واحدة للاشبوط والنهيرة. المقاول لم يأت من شهرين ،في الأول كان يأتي ويعمل أياماً ثم يختفي بعدها فترة طويلة ثم يعود ، هذه المرة ما عاد . السلطة المحلية ممثلة بالأخ مدير عام المديرية وجهت له رسالة لكنه رد انه لا يقبل أن تخاطبه السلطة قائلا عليكم مخاطبة مياه الريف في المحافظة» . ويضيف زميله سلطان سعيد أمين المال بجمعية المستفيدين «أنابيب التوصيل من خزان إعادة الضخ إلى الخزان التجميعي في راس جبل (حمي) كانت تابعة لمشروع ماء أنشئ قبل 25 سنة وانتهى مطلع التسعينات بعضها تالف والبقية الصدأ يكسو داخلها وخارجها ، المقاول أخذ هذه الأنابيب وطلا بعضها فقط .حلمنا بماء الشرب ودفعنا الإسهامات وما يفوق الإسهامات حيث دفعنا 600 ألف ريال إلى رقم حساب مياه الريف وسلمنا مضخة الضخ سعرها 12260 يورو، وهناك أصول ومعدات مشروع الماء السابق الذي أقامته المرتفعات الجنوبية ،بئر الماء، مباني، خزانات ، أنابيب أخذها المقاول فضاعت ممتلكات المشروع القديم ولم يأت المشروع الجديد».

ماتزال مضخة اعادة الضخ رهن الاقامة الجبرية منذ اشهر
ماتزال مضخة اعادة الضخ رهن الاقامة الجبرية منذ اشهر
عارف عبده فارع مسؤول الشئون الاجتماعية بالجمعية يضيف المزيد:«غرف التفتيش في الشبكات خاربة لم تنفذ بالطريقة الصحيحة ،رفعنا عدة مذكرات إلى مياه الريف وجهات الاختصاص دون جدوى. خطوط التوزيع من الخزان إلى القرى قطر 3 هنش مكشوفة وغير مثبتة بل معرضة لجرف السيول ، خطوط بعض القرى بلا تثبيت معرضة للكسر هناك بعض أوتاد التثبيت قد تكسرت وعاد المشروع ما اشتغل.عدادات ركبت في غير أماكنها . ضمن عقد الإنشاء بناء مقر لجمعية المستفيدين بنيت غرفة لكن سقفها يتحول إلى بركة ماء عند نزول المطر».

ويقول الأستاذ محمد حسن:«الخزان التجميعي قديم أنشئ عام 83م عند إنشاء مشروع المرتفعات الجنوبية الذي انهار مطلع التسعينات كان يفترض على المقاول أن يبني خزانا جديدا أو على الأقل يعيد ترميمه وتأهيل هذا الخزان من خلال خلع التلبيس السابق (قشرة الأسمنت التالفة) من جدرانه الخارجية والداخلية وسقفه لكنه قام بتلبيس الجدار الخارجي فوق التلبيس القديم فقط، ولم يلبس جداره الداخلي ولا سقفه. العقد تضمن استبدال الأبواب وسلم النزول بأخرى مقاومة للصدأ ووضع مواد عازلة لم يعملها بالكامل وفق المواصفات».

وفق شرع القانون ينفذ في 6 أشهر وبشرع التسيب 24 شهرا ولم ينجز

أما محمد سلام أحد أعيان المنطقة وأحد النازحين منها بفعل العطش فيكشف مزيدا من العيوب والاختلالات:«ما نفذ من المشروع لا تتوفر فيه أدنى المواصفات المتعارف عليها ولن يفي بالغرض الذي اعتمد من أجله، الأوتاد الخرسانية المفترضة لتثبيت الأنابيب من جرف السيول لم يعملها المقاول حسب المواصفات ، فقط وضع أحجارا بطريقة بدائية يسهل هدمها وقد تكسر كثير منها. كميات الأنابيب من جميع الأقطار لم تستكمل، حيث إن العدد المحدد آلاف الأنابيب من (الجلفن) من مختلف الأحجام والأقطار ، لكن ما نفذه لا يصل إلى النصف. هذه الأنابيب من النوعية الهندية الرديئة والمنطقة جبلية وعرة وعرضة للسيول.

في مثل هذه التضاريس المتعارف عليه لدى مياه الريف يتطلب أنابيب ذات قوة وجودة تلائم طبيعة المنطقة . عدادات قياسات الضخ لكل قرية ومحابس التأمين نوعية رديئة مخالفة للمواصفات وكثير منها عاطلة. بالنسبة لخطوط التوزيع للقرى اكتفى بالأنابيب القديمة التي ربطت بداية الثمانينات مع أن عمرها الافتراضي قد انتهى، بينما عقد التنفيذ ألزمه بإعادة تأهيل الشبكة وفق جداول الكميات وهو ما يعني استبدال التالف واستكمال الناقص وترميم وإصلاح ما يمكن إصلاحه وتصفية الأنابيب بالكلور، غير أن المقاول لم ينفذ شيئا مما ذكر . اكتفى بطلاء الأنابيب واستبدال عدد قليل جدا. بئر الماء وفرها المواطنون وعقد المقاولة ألزم المقاول ببناء بيت جديد للمضخة لأن البيت القديم بدون سقف ويوشك على السقوط ومن الصعب ومضخة بداخله ان لم تتعرض للسرقة أتلفتها الأمطار وحرارة الشمس لكنه لم يبن وترك بيت المضخة كما هو عليه . حددت المناقصة إقامة دفاعات جدرانية بالجبيونات لحماية بئر المضخة وخزان وبئر إعادة الضخ من السيول، لكن كل هذا حذفه. وفق عقد المقاولة ينجز المشروع خلال 6 أشهر ولكن بشرع التسيب مضى 24 شهرا ومازال ضائعا . مع كل هذا هناك من يحاول الضغط على المواطنين والجمعية لإجبارهم على تسلم مشروع متعثر».

يضف الأستاذ مختار الشبوطي: «الفرحة التي انتظرناها أكثر من عامين أصبحت مصدر خوف من أن لا تأتي . كثير من الأسر رحلت إلى المدن والمناطق الأخرى بحثا عن شربة ماء بعد أن وصل سعر الماء إلى مبلغ لم يعد المواطن يستطيع تحمله . ندعو السلطة المحلية في المحافظة والمديرية توجيه مياه الريف إلزام المقاول بإنجاز المشروع صبرنا أصبح فوق الاحتمال».

غدا الماء تجارة رائجة
غدا الماء تجارة رائجة
تسيب يدفع الناس إلى الاحتقان والتأزم

مواطنون ، قيادة جمعية المستفيدين، وجهاء ناشدوا إدارة مياه الريف بمذكرات تلو مذكرات أجمعت كلها على المطالبة بإنجاز المشروع، وعلى رفض استلامه قبل أن ينفذ حسب جداول الكميات. طالبوا بتشكيل لجنة للاطلاع على المشروع والتأكد من مخالفة ما نفذ للمواصفات، ومن الأعمال التي لم ينفذها المقاول.شكوا من العيوب والتحايل ومن المماطلة والتسويف التي امتدت لسنين، لكن لا حياة لمن تنادي . من السبب فيما يحصل؟

ومن تسبب بكل هذا الصراخ حول مشروع صغير حجمه، بسيط تكلفته، سهل إنشاؤه؟ أما فائدته فلا تقدر بثمن .

هل المواطن سبب المشكلة ؟ أم أن إدارة مياه الريف والسلطة المحلية لا تقيم وزنا لصراخ العطاشى؟!

حينما تعتمد الدولة مشروع ماء متواضعا لمواطنيها اقترضت أو تسولت بماء الوجه 162 ألف دولار لتمويل ماء شرب لأطفال وطفلات الزعيمي والشبوطي والنهاري فهذا عمل رائع .

لكن حينما تسلمه جهة اختصاص لمقاول غير مؤهل و....و.... وتصمت سلطة محلية عن مراقبة تنفيذ مشاريع خدمات ولا تحفل بشكاوى المواطنين، وحينما يحدد عقد المقاولة بستة أشهر وتمضي سنوات وأغلب أعمال مشروع صغير كهذا ضائعة ،وما نفذ منه لا يطابق المواصفات، والنهاري والشبوطي يشتري الدبة الماء بـ30 ريالا وتصعد بها المرأة من الوادي إلى تلك الجبال الوعرة في حين ثمة من يطبل ليل نهار بالمكتسبات والحقوق التي تحققت للمرأة . كل هذا ألا يجبر الناس على الصراخ والاحتقان والتأزم وكل النعوت التي يمكن فيما بعد نعتهم بها؟ ومنكم الإجابة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى