داري العيون داريها

> فريد صحبي:

> رحم الله محمد فوزي مطرب الزمن الجميل الذي أنشد أحلى وأجمل أغنية للأطفال (ذهب الليل طلع الفجر) التي قال عنها موسيقار الشرق الخالد محمد عبدالوهاب إنه لو قدمت له كلمات هذه الأغنية لما أمكنه أن يلحنها بأجمل من هذا اللحن!

ولست أدري اليوم بعد أن أجريت عملية جراحية لعيني اليمنى لسحب المياه البيضاء في عيادة (رأس مربط) بالتواهي في عدن كيف استدعت ذاكرتي من مجموعة أغاني محمد فوزي العاطفية أغنية (داري العيون داريها السحر ساكن فيها).. تذكرتها وأنا أضع النظارة الشمسية السوداء على عيني حسب تعليمات الطبيب لحمايتها من أشعة الشمس والأتربة والغبار.. ثم وجدت نفسي أردد كلمات الأغنية هكذا.. (داري العيون داريها الجرح ساكن فيها!).

وبينما أنا في فترة النقاهة التي فرضها علي الطبيب على امتداد شهر كامل ألتزم خلاله الراحة والسكون.. تراخت قواي.. سقطت في بئر الآلام.. وجرجرتني مجموعة من الذكريات والخواطر والتساؤلات.. سحبتني كما تسحب النمل فريستها المخدرة لمسافات بعيدة ليس إلى حيث يسكن النمل.. بل إلى حيث يسكن السحر.. إلى العيون.. العيون التي توسل الشاعر إلى الحبيب أن يداريها.. فهو لايقدر على مقاومة السحر الساكن فيها.

وهناك حيث كنت في غمرة أحلامي انساب إلى أذني صوت كالماء الرقراق.. فشجاني ماشجاني.. إنه صوت الشحرورة صباح يهمس في أذني (من سحر عيونك يااااه).. وفجأة توقظني ابنتي من غفوتي وهي تقول لي:« أبي.. حان موعد القطرة.. مش مليح تهمل دواء عيونك!».

لاشك أنكم سمعتم عن الحب من أول نظرة.. لا بل هناك من عرفه.. كيف يكون هذا الحب .. يقولون إنها لغة العيون.. لغة لاتحتاج إلى كلام كثير ولا قليل.. ولا إلى رسائل وقصائد.. لغة العيون كالبرق.. لايخطف الأبصار وإنما يخطف القلوب.. لذا غنى العندليب وهو يبكي (أخذ قلبي وراح).. لغة العيون تلغراف.. برقية.. شفرة.. من كلمة أو حرف.. بل هي أصغر وأدق من ذلك بكثير.. تكنولوجيا في علم الاتصالات والتواصل لم ولن يصل أو يرقى إليه علم الإنسان الذي علمه الله ما لايعلم .. سبحانه.. إنه سحر العيون!

يقول أمير الشعراء في قصيدته (يا جارة الوادي):

وتعطلت لغة الكلام فخاطبت

عينيَّ في لغة الهوى عيناك

تماماً كما تعطلت لغة الكلام بين رموز السلطة في بلادنا مع رموز المعارضة.. فكانت الاعتصامات والتظاهرات السلمية، وكان قمعها بالدوشكا والرصاص الحي والمطاطي دون جدوى ودون تفاهم.. ومايزال الخلاف محتدماً والصراع قائماً.. والجمر تحت الرماد.. ويوشك الشرر أن يصبح ضراما!

عدن 23 نوفمبر 2007م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى