صهاريج جدتك أروى !!

> عبدالقوي الأشوال:

> رغم أن صهاريج عدن بمنطقة الطويلة لا يوجد تحديد تاريخي للفترة التي بني فيها هذا الصرح الأثري بحسب الدراسات التاريخية والأبحاث المستفيضة حولها، والتي من بينها دراسة الباحث والمؤرخ الأستاذ المرحوم عبدالله محيرز، الذي أشار في بحثه لعدم الجزم بالفترة التاريخية التي أقيمت فيها الصهاريج، ولا مَنْ بنى ذلك الصرح الأثري شديد الإتقان من حيث مستوى تخطيط فنونها ومصارف مياهها وسعتها، وكذلك التدرج في أحجامها وقدرتها على استيعاب كم مياه الأمطار دون أن تتأثر أو تتصدع جراء ضغط المياه بحكم النمط الهندسي المتقن والفريد الذي أنشئت عليه، ما جعل هذا الصرح الأثري الذي شهد حالات تعرية أتت على جوانب هامة من معالمها، ولم تقدم لها الصيانة التي تليق بمكانتها رغم ما أشيع حول ترميمها، إلا أن الثابت هو بقاؤها على النحو المتداعي الذي نشاهده .. ما يجعل عملية ترميمها -إذا تمت- تحتاج إلى إمكانيات كبيرة خصوصاً والمحافظة على أثرها تستدعي استخدام المواد نفسها التي استخدمت في سالف الأزمنة في إنشائها مثل مادة (الجص) التي لم تعد مستخدمة في عصرنا الراهن، ناهيك عن نمط البناء ونوعية الأحجار التي استخدمت بعناية فائقة قديماً .

والأمر اللافت تلك المعلومات المغلوطة التي يرددها البعض بمن فيهم القائمون على هذا الصرح في إعادة تاريخ إنشائها لعهد السيدة أروى بنت أحمد الصليحي .. إحدى الوجوه النسائية التي عرف حكمها بمقره في منطقة جبلة باليمن، وهو تحديد يتجاوز ما ذهب وخلص إليه الباحثون في مجال التاريخ، فقبل أيام وبينما كان مجموعة من الشباب في زيارة الأثر يوجهون السؤال لأحدهم عمن بنى صهاريج عدن؟ فما كان من المجيب إلا أن قال:«جدتك أروى» وعندما حاولت تصحيح هذا اللبس أسمعني الرجل كلاماً غير وقور أترفع عن ذكره .. إلا أن ما يحزن هو هذا النمط من المغالطات التاريخية التي يتعامل معها جيل الأبناء كمُسَلَّمَات في حين أن الحقيقة مختلفة، فالثابت أن الملكة أو السيدة أروى لم تكن قد قدمت مثل هذا المشروع الإسعافي قديما لنجدة أهالي عدن بالمياه.

لا لأن نمط الصهاريج من حيث السعة والاتقان يختلف عما هو قائم منها في شمال اليمن فحسب، ولكن لنمطها الهندسي شديد الإتقان ، وكذا الهدف الثنائي الذي من أجله شيدت ( توفير المياه وحماية المدينة من السيول).

عموماً تختلف المصادر التاريخية في تحديد بناء الصهاريج ولم يصل الدارسون والباحثون إلى تاريخ محدد لها ويرجح أن تكون قد بنيت في حقب تاريخية مختلفة .

ذكرها الهمداني في (صفة جزيرة العرب) وكذا البشاري والمقدسي في كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)، كما ذكرها ابن المجاور في كتابه (تاريخ المستبصر)، وأشار إليها ابن بطوطة في عام 730هـ كما ذكرها المؤرخ ابن البديع، ووصفها الرحالة أمين الريحاني مشيرا أنها من أجمل الأعمال الهندسية في العالم، وذكر الإنجليزي (بليفر) أنها 50 صهريجاً (انظر كتاب هدية الزمن للقمندان) .

ولا ندري لماذا لا يكون الحديث عن المعلومات التاريخية مستمداً من هذه الحقائق التاريخية المانعة للخلط، فكتاب (هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن) يمثل وثيقة تاريخية على نحو من الأهمية، فهو مثلا يحدد أقاليم لحج ونسب القبائل صاحبة الحق الأول في محيطها الجغرافي منذ زمن بعيد إلا أن البعض يحاول إدخال مغالطات تاريخية لا يستقيم لها معنى، فحين يشار لأقاليم لحج التاريخية يوحون إنها ما هي عليه اليوم في التقسيم الإداري المستجد عقب حرب صيف 1994م وبالعودة لوثيقة (هدية الزمن) التاريخية يمكن استجلاء حقيقة من سكن مخاليف لحج من عبادل وآل سلام وآل البان والباقري والعزيبة والعقارب وآل كرو ونحوهم ما يشير بوضوح أن هؤلاء القوم ارتبطوا بحقوقهم المكتسبة في محيط الأراضي والعقارات والفلات التي تشمل مخاليفهم المعروفة، وكما أن صهاريج عدن ليست من إنجاز جدتك أروى -أعني السائل المشار إليه سلفاً- كذلك لا تكون مخاليف لحج وأرضها بصفة عامة ملكاً مشاعاً يتجاوز حق أهلها على النحو الذي هو قائم ..

فهل وقفت على الأجزوع في تبن ؟

حتى تدرك عمق تاريخ مخالفيها المرتبطين بالأرض بالدهل والحول الذي يمثل الفكاك منه تعدياً صارخاً على حقوقهم ومصادر عيشهم واستقرارهم .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى