الشاعر الجرادة وعيد الاستقلال (2)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> ثم يمضي الشاعر الجرادة في القصيدة نفسها إلى نعت هؤلاء الحكام -حكام الاتحاد- بالفساد الأخلاقي والغفلة عن الجماهير إلى أن يقول:

يحيون للجيش عرضا وهو يكرههم

كراهة المتنبي وجه (كافور)

ويطلبون إليه حفظ سلطتهم

والجيش يصدر فيهم حكم تكفير

وفي هذه اللفتة من الشاعر إلى جيش حكومة الاتحاد إنصاف لهذا الجيش الذي ظلمه الكثيرون من دعاة التاريخ، لقد كان بوجه عام جيشاً وطنياً، وقف إلى جانب الثورة في أصعب مراحلها وكان الكثيرون من الفدائيين من بين صفوف هذا الجيش الذي أصبح فيما بعد جيش الجمهورية الوليدة رغم ما حدث بعد يونيو 1969م من سياسة مؤسفة إزاء كوادر هذا الجيش وقياداته الوطنية. وفي تاريخ الجنوب حدث مرتين أن يحسم الجيش الصراع العنيف ثم يعود إلى ثكناته مسلماً السلطة للمدنيين بكل يسر وسهولة، كانت المرة الأولى في 1967م والثانية في 1986م وهذا يعود إلى الولاء الوطني الذي يتمتع به ذلك الجيش، وإلى الفهم التاريخي لرسالته الوطنية. وبعد هذا يعود الشاعر إلى وصف الفدائيين من أبناء الشعب الذين هبوا لتطهيره من رجس الاستعمار إذ يقول:

شبيبة وكهول كلهم أُسْدٌ

يكشر الناب في عزم وتشمير

من كل محتضن الرشاش تحسبه

من جسمه أصل عضو غير مبتور

هم حوّلوا كل شبر معقلاً أشبًا

يصدّر الموت منه أي تصدير

أرض الجنوب جميعاً أصبحت لغماً

لم يهد سمع العدا إنذار تحذير

وفي نهاية هذه القصيدة العصماء الوطنية يوجه الشاعر خطابه إلى الجماهير صانعي الثورة والاستقلال، فحدث الاستقلال نفسه كان يضاهي الشعر نفسه في الخيال والجمال والعاطفة، كما صوّر عودة الدخيل على أعقابه إلى بلاده مهزوماً مدحوراً، ودارت الدائرة على عملاء الاستعمار يوم لا ينفع الندم رغم أن رد فعل الثورة إزاءهم كان عنيفاً، وكان الموقف المعتدل العقلاني هو المطلوب، بل هو المطلوب دائماً وأبداً. ومن هذه الأبيات ما يأتي:

يا إخوة الثورة الحمراء عيدكمُ

هذا أحقّ بإكبار وتقدير

رفَّت بأعلام جمهوريةٍ ولدتْ

ميلاد فجر تجلَّى أثر ديجور

والشعب أيَّد كلَّ الشعب غايتها

تأييد حبٍّ وإعزاز وتقدير

والتفَّ من كل صوب حول قادتها

في موكب ظافر الأعلام منصور

عاد الدخيل على الأعقاب منهزماً

يجرُّ أذيال كابي الحظ مدحور

تسلَّل اللص من دار الحماة لها

أعمى البصيرة من إشراقة النور

زال الدخيل وزالت كل شيعته

كلّ السلاطين بل كل المآمير

وكل لص وخوان ومنتفع

ومستغل وجاسوس ومأجور

حفرتمُ أنتمُ القبرَ الرهيب له

أكرم وأخبث بحفَّار ومقبور

جلوتموه بحرب لا هدوء له

والرجس لا ينتهي إلا بتطهير

هذا هو الجرادة ينساب كالنهر في شعره جمالاً ووطنيته وتاريخاً وأصالة رحمه الله تعالى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى