بعد تسعة أعوام على رحيله ..الخالدي: صوت جريء ضد القهر والذل

> «الأيام» د. علي صالح الخلاقي:

> حين يطوي كل عام ميلادي آخر أيامه، نتذكر في ذات الوقت رحيل شاعرنا الشعبي شائف محمد الخالدي، الذي رحل عن دنيانا مساء 31 ديسمبر 1998م. فأفل بموته نجم لامع في سماء الأدب الشعبي وصوت جريء لا يشق له غبار في مقارعة الباطل والظلم والانتصار للحق وقضايا الشعب.

ارتبط أشد الارتباط بالشعر، حتى ليمكننا القول أنه عاش للشعر، يتنفس به ويعبر من خلاله عن مواقفه ورؤاه ويعكس هموم وآمال وتطلعات شعبه على امتداد أكثر من نصف قرن من حياته الإبداعية، ترك لنا خلالها إنتاجاً أدبياً ضخماً لم ينشر منه إلا النزر اليسير، وهو يعد -وبشهادة الكثيرين- من أجود الشعراء الشعبيين وأغزرهم إنتاجاً، وقد رصد من خلال أشعاره أهم الأحداث الجسام والمتغيرات المهمة في حياة مجتمعنا وبلادنا برؤية حيادية، تستشعر الخطر وتحذر منه قبل وقوعه، وتصدق النصح للحكام بعيداً عن التزلف والنفاق، وتصدع بقول الحق مهما كانت النتائج. وهذا ما جعل الاحتفاء بشعره جماهيرياً، فيما غاب الاهتمام الرسمي به وبشعره قبل الوحدة وبعدها، بل إنه أودع السجن بهدف إسكات صوته، حيث يقول:

وبالصدق نادينا ولا زلت مستمر

أقول الحقيقة من لساني ومن فمي

وكم سكتوني حين ظليت محتكر

وأنا قول كلا يا لساني تكلمي

إنه شاعر ومناضل بحجم الوطن، صال وجال في ساحات الشعر الشعبي وعاش في معمعة الأحداث وشارك في صنعها بالسنان واللسان، ومواقفه معروفة ومدونة في صفحات التاريخ، من عناوينها البارزة:الدفاع عن ثورة سبتمبر، المشاركة في ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار، إحراز الاستقلال الوطني، صنع الوحدة اليمنية وصولاً إلى ما عصف بها من أزمات خلال الفترة الانتقالية، جعلت الأحلام المعلقة عليها أوهاماً، وزادت النفور والتشطير النفسي بين صانعي الوحدة، ومما قاله أواخر عام 93م:

من يوم ذي فيه وحدنا العلم

هو ذلك اليوم ذي كنت أحلم

ظليت واهم بذا اليوم الأهم

وأصبح حلم عكس ما نتوهمه

ثلاثة أعوام غارق في وخم

والرابعة عادها إلاطمّمَه

وعادها مُحدقه من كل يَمْ

والوضع عاده مطوّل موسمه

أسوأ من الوضع لوَّل ذي قدم

من قال لي علم ماذا علمه

لا وضع لا أمن والسلطة عدم

ولا قياده حكيمه ملزمه

قلنا انتهى الأمر ونْ عاده أطمْ

والتجزئه لم تزل والشرذمه

وقد استمر الشاعر يحذر وينذر من الحرب قبل وقوعها وهو يرى بوادر الانفجار:

محبّة لكم حاولت وبذلت ما يسر

وقدمت ما عندي لقائد ومستشار

وبعد النصيحه يؤمر الله ما أمر

إذا عادها حامل عسى ما تلد حمار

وشعب اليمن من حيث مضطر ما قدر

من الظلم يتحرر ويخرج من الحصار

يرى الصبر أفضل إنما كيف لا انفجر؟

من الضغط لِنْ الضغط بيولد انفجار

وبعد أن غابت أو غيبت حكمة اليمانيين وتفجرت أحداث حرب 1994م المشؤومة بما نتج عنها من مآس وكوارث، ظل الخالدي بعد الحرب وحتى وفاته صاحب موقف صلب وإرادة قوية ضد نتائجها المأساوية، وكان إيمانه لا يتزعزع بقوة الحق وأنه منتصر لا محالة. ولم يتوان في تكرار النصح والدعوة لإصلاح الأمور ومعالجة ما سببته هذه الحرب في الأرض والنفوس، ففي عام 1996م وجه قصيدة لفخامة رئيس الجمهورية جاء فيها:

أكبر عراقيل خلت من سقط ما قام

كيف البصر ياطول الباع والقامه

شفها صعيبه ويصعب حلها لو دام

الوضع أسوأ وخلق الله بدوامة

أخشى إذا ما تؤدي لا مرض وآلام

وبا تؤثر على من زادت آلامه

أهم شيء أن نزيل الشك والأوهام

نصفي القلب من شكه وأوهامه

وقصدنا الأب يحسبنا عيال أتوام

لاذا ابن شيخه ولا ذاك ابن خدامه

وكثير من قصائده وزوامله تعرض فيها لما يحدث في مناطق الجنوب التي استباحها الطامعون منذ الحرب وحولوا كل ما طالته أطماعهم إلى غنائم وفيد، وما رافق ذلك من أذى وظلم وإذلال لأصحاب الأرض، ولكن نصائحه لم تلق آذانا صاغية، فدفعه ذلك لأن يجهر برفض التمييز بين أبناء الوطن والحث على مقاومة الظلم وعدم الاستكانة لصنوف القهر والإذلال ونهب الممتلكات الخاصة ،والسطو عليها من قبل المتنفذين وكبار الفاسدين، ومواجهتهم بقوة الحق، لأن الشكاء لغير منصف لن يحقق العدل، وكمسك للختام نورد مقاطع من قصيدة له بعنوان (من ذل شل الفساله) قالها عام 96م يقول فيها:

الخالدي قال شائف

من ذل شل الفساله

والعافية من بغاها

ما باتجي بالسهاله

وحق بعده مطالب

ذي بايواصل نضاله

ما يعتبر حق ضائع

غطت عليه الجواله

من خط مثقال ذره

من رأسماله خلاله

لا تحسبه شيء قبيلي

ولا تثق في مقاله

عز القبيلي سلاحه

في حين تعرض وطاله

والحر وقت النوائب

من صان عرضه وماله

يا ذي على نار قاعد

لا عاد تسهن ظلاله

ما با يظلك من الحوم

ظلال مولى الجلاله

وعافيه من على يد

مسؤول قاطع حباله

ما باتجي لك هديه

ولا هِبَه أو حواله

العنف بالعنف أفضل

والذل مالك وماله

من يجهلك لا تهابه

وما صفي له مجاله

وخذ حسابك وعادك

عامل بسوق العماله

من قبل تحرم وتصبح

مرغم على الاستقاله

هل ما ترى أيام شهرك

هلت وهلت لياله

والصبر لو طال حده

يصبح صعيب احتماله

إلى متى الصبر قل لي

من عقل أو من هباله

ياذي على القهر صابر

وحالتك خس حاله

تشكي على من ولا من

باليوم تكتب رساله

شاكي على غير منصف

ما با يحصل عداله

وطالما العدل ضائع

والأمن ضاعت رجاله

ما ينفعك شيخ حاشد

ولا ملك قصر صاله

الشيخ واقف بجانب

من هم على الشيخ عاله

الأقرباء والحبايب

والأوصياء بالوكاله

والعاهل الأب يحلم

أرض اليمن كلها له

سيطر على شعب كامل

يحكم جنوبه شماله

واحنا عياله ولكن

ما كلنا شي عياله

بيحسب البعض من أم

والبعض أولاد خاله

وجهت نقدي ولومي

بكل كامل خصاله

لمن يقود المنيبه

لا أمسى يضيّع جماله

وخاص لو خص واحد

وآخر جزع من خلاله

يصعب على أي سائل

لمن يوجه سؤاله

بأناشد الأب وحده

ذي مكتفل بي كفاله

يعدل بليسر وليمن

ينظر بعين العداله

واجب يعاد حمولة

لو شاف لحمال ماله

واحنا معه بالمسيرة

لاحيث خطه رحاله

بانتفق بالتساوي

على الشرف والأصاله

ون عاده الفرق شاسع

قد نختلف لا محاله

وتالي الكأس ردّاد

من طيب الحب كاله

هذه نصيحه لصاحب

ماهي نكت قيل قاله

ولكم نحن بحاجة لمثل صوته الجريء في هذا الزمن الصعب، لكن عزاءنا أنه حاضر بيننا بأشعاره التي تلهم مواكب الطامحين إلى الحياة الأفضل، الخالية من الظلم والقهر والذل والتي يتساوي فيها الجميع وتسود فيها قيم الحرية والعدالة والمساواة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى