«الأيام» ترصد معاناة أهالي المسيمير في حلقات (4-1):سطور بسيطة من أسرار مديرية منكوبة: مكيديم.. منطقة تعصف بها رياح الإهمال

> «الأيام» محمد مرشد عقابي:

> بين سفوح وأحضان سلسلة جبلية متلاصقة ومتراصة بانتظام، وعلى ضفاف وادي تبن، تقعد منطقة مكيديم تنحني مع كل نسمة هواء عليل وتفترش ثوب الاخضرار الكاسي لأراضيها ومدرجاتها الزراعية.. منازلها تتناثر بجمال بديع على صدر تلك الجبال الصماء، ورغم قسوة الطبيعة وغياب أبسط الخدمات إلا أنها تنفرد بجمال طبيعي لا يقارن. «الأيام» كان لها دورٌ في رصد معاناتها بعد إلحاح كبير من جانب أهاليها الذين يمنحون «الأيام» ثقتهم، ويرون فيها خيط الأمل المتبقي لإنقاذهم من قيود العزلة المفروضة عليها.

ياسلطة ويا مجلس محلي! «إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». وفي بداية نزول «الأيام» إلى المنطقة قوبلت بترحيب كبير من قبل الأهالي، الذين رسمت على ملامح وجوههم البهجة كدلالة على المكانة الكبيرة والخاصة التي تحتلها «الأيام» في نفوس الجميع بالمنطقة، وبين اللحظات التي توالت فيها كلمات الترحيب بقدوم الصحيفة لأراضي المنطقة باعتبار أنها أول صحيفة يمنية تصل المنطقة، تداخل معنا بالحديث المواطن علي صالح العمري شارحاً بعض القصص المريرة التي يتعذب تحت نيرانها أهالي المنطقة، حيث قال:

>«يا ولدي الناظر لحالنا ونحن في هذا الحال قد ترتسم في مخيلته الملايين من علامات التعجب والاندهاش، وقد تتوالد في ذهنه العديد من الأفكار وعلامات الاستفهام، حول ما إذا كنا بشرا من فصيلة بني آدم بحق وحقيقة، أو أننا من فصائل كائنات العصور الوسطى، فنحن آهالي المسيمير في جميع مناطقها نعيش حياة مليئة بالمنغصات، فلاماء ولا كهرباء ولا حتى تأمين صحي وتعليمي لأطفالنا.. أصبح الواحد منا لا يشعر بكيانه الآدمي، وهو يعيش في هذه المديرية التي رماها المسؤولون والقائمون عليها في سلة الإهمال».

وواصل حديثه قائلاً:« منطقتنا لن تحظى -إلى اليوم- بأي مشروع حيوي يخدم أهاليها، فنحن نشرب الماء الملوث بالديدان بجميع أنواعها، ومصدر الماء هو وادي تبن، فنحن وأطفالنا أصبحنا مسمومين ومعلولين من شرب هذه المياه، حيث إن غالبية أهالي وأطفال المنطقة يعانون من تطفل البلهارسيا عليهم، والتي تؤدي بهم في الغالب إلى التقيؤ الدموي، ومن ثم تكون سبباً مباشراً في الوفاة». وتابع حديثه قائلاً:« كل تلك المصائب والكوارث لم تحرك ذرة ضمير عند المسؤولين علينا.»

وأبدى استغرابه بالقول:« هل وصلت حياتنا وحياة أطفالنا إلى هذه الدرجة من الرخص؟! وهل أصبح الإنسان بدمه ولحمه وكرامته وحياته رخيصا إلى هذا الحد في هذا الوطن؟! ».

وردد قائلاً:« إنها المأساة بكل تفاصيلها، فمنذ بزوغ فجر الوحدة ونحن نعيش في اغتراب تام عن خدمات وخيرات الوطن، لا يعلم بحالنا إلا ساتر الأحوال.»، وقال بأسى:« نحن نريد ماء لنشرب ويشرب أطفالنا، ونريد العيش الكريم ولا نريد غير ذلك، فكل المطالب الشرعية التي أطلقناها للسلطة المحلية بأن تنظر لحالنا، وتوفر لنا على الأقل مشروع ماء لنشرب، كل تلك النداءات ضاعت وسط سيل عرم من الوعود من جانب السلطة، وهذه الوعود لو تم حصرها وحسابها لحطمت هذه السلطة بوعودها الأرقام القياسية في عدد الوعود الكاذبة، ولدخلت بها موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية».

وأردف قائلاً:« تعبنا من كثرة الوعود والضحك على الذقون، ولم نجد من نشكي إليه -بعد الله- حالنا الكئيب إلا صحيفة «الأيام» لنوصّل عبرها رسالة

مآسينا لكل الجهات لعل وعسى أن تقع بين يدي من يحب الخير، فيسارع لإنقاذنا وأطفالنا من هلاك حقيقي يحيط بنا لا نجد مخرجا أو منفذا للهرب منها».

أهالي المنطقة بين مقاساة العيش وأمل الخروج من دوائر الإهمال

تقادمت علينا السنين بقساوة ظروفها، وتراكمت علينا المآسي والهموم والأحزان، ووسط ظروف لا ترحم ضيق علينا الخناق، ولم يعد أمامنا من نستنجد به غير اللّه ثم «الأيام» لنرسل عبر بلاطها الطاهر، الذي رسمت عليها كلمات الصدق والحق، نداء استغاثة بكل خيّر لإنقاذنا من دائرة العذاب ومجزرة الإهمال.

كانت تلك الكلمات بداية لحديث المواطن، وشيخ المنطقة صالح ناصر غالب، إلينا الذي واصل مفرداته بالقول:" ياعزيزي لمن نلجأ بعد أن أغلقت، وسدت علينا جميع أبواب الأمل في حياة كريمة وسط هذا البلد؟، ولمن نشكي حالنا وأوجاع آلامنا؟ هل لسلطة أدمنت الرقص على أجسادنا المتهالكة، ومتغنية بمشاريع وهمية، أم إلى جهات معنية حازت على مراتب عليا، ودرجات امتياز في مهنة ضرب دفوف الافتراء وامتهان لغة الخطابات المحشوة بكل مالذ وطاب من المشاريع الوهمية، التي ليس منها إلا أن تحرق أعصابنا نحن المواطنون، وتقتلع من الجذور ما بقي لنا من شعيرات على حافة الرأس."

وأضاف قائلاً:« أطفالنا أصبحوا صيداً سهلاً للبعوض، وبطونهم أصبحت مرعى خصب ومأوى لكل أصناف الطفيليات المتطفلة عليهم، والتي تمتص نضارة ونعومة أجسادهم الضعيفة، وتحولها إلى أجسام هزيلة لا تستطيع أن تقاوم أي مرض، ورغم ذلك العذاب لم يكلف إخواننا في السلطة أنفسهم بعمل مشروع واحد للماء، يزيل عنا هموم وبلاوي مياه وادي تبن، حتى من باب الرحمة أن تنصلوا من أبواب المسؤولية».

وواصل حديثه قائلاً:« مياه وادي تبن هي المقصد للشرب والغسل وغير ذلك من ضروريات الاستعمال اليومي، ونتيجة لصعوبة نقلها إلى المنازل، فقد أضطر غالبية أهالي المنطقة إلى إرغام أطفالهم على ترك الدراسة والتعليم والتفرغ الكامل لجلب الماء على ظهور الحمير،مما أدى إلى زيادة نسبة الفقر وتوسع رقعة البطالة بين شباب المنطقة لتزيد بذلك طين أوجاع المنطقة بلة. فبجانب المرض والفقر أتى الجهل ليقضي على كل آمال وتطلعات جيل وشباب المنطقة للمستقبل، وتضعهم ومستقبلهم في زاوية حادة لمواجهة مفارقات ومفاجآت القادم المجهول».

السلطات تضرب عرض الحائط جميع مطالبنا

> أما المواطن حربي محمد الكومي فقد قال:« نحن أهالي مديرية المسيمير المكلومون والمظلومون من الخدمات، والمغلوبون على أمرنا، لا نملك أي متنفس للبوح بما نعانيه، إلا لساننا وصوتنا «الأيام»، فهي الوحيدة التي تتبنى قضايانا في وقت تنصل من تقع على عاتقه ذمة حالنا عن النظر إلينا، ومن على منبرها الصادق نجمع آهآتنا الملغومة بالقهر والعذاب، لإيصالها وإظهارها لكل من تخفى عليه جراحنا ومآسينا". وأضاف بالقول:« نحن أهالي المسيمير قد مزقت أنياط قلوبنا، وحفرت في حلوقنا غصص الصدمات وعذاب السنوات حارقة، فلا مشاريع ولا خدمات. وسلطتنا المحلية لن تبخل علينا، فهي مشكورة تقطع لنا دوماً تذاكر سفر نحو المستقبل المجهول.»، وواصل قائلاً:« كل النداءات والاستغاثات بهذه السلطة لم تأتِ ثمارها، فالسلطة المحلية بالمديرية تطلع علينا كل يوم بمنجزات ورقية بعد كل تخزينة قات، ولا ندري من المستفيد من كل تلك المشاريع ،التي تتغنى بها سلطتنا الموقرة. هل التهمتها الأقدار أم صادرتها أعين الحساد؟، ووسط كل تلك العواصف من المغالطات نبقى نحن -المواطنين- نجترّ أذيال الخيبة، ونحمل مصاعب وقساوة العيش على ظهورنا لوحدنا، بعد أن أوصدت جميع أبواب الأمل أمامنا، لجني أو شمّ هواء المشاريع».وقال:« أين اختفت القلوب الرحيمة؟ وأين انزوت الأيادي الخيرة؟ فأهالي المنطقة بحاجة إلى مشروع ماء ليروي عطش الأسر والأطفال فيها، فكل عمليات الاستجداء بهذه السلطة قد باءت بالفشل.»

واختتم حديثه قائلاً:« لم يعد أمامنا وسط هذه الظروف القاسية والمتأزمة والعصيبة، إلا أن نشكي مآسينا وحالنا إلى الله، وكذا نربط ما بقي عرق ينبض وخيط أمل للحياة بصحيفة «الأيام» لإ يصال معاناتنا لكل الأيادي الخيّرة، وكل من يحب فعل الخير، وذلك للمسارعة في تداركنا، وإنقاذ أطفالنا من مستنقع المرض والجهل والفقر، لينالوا عن أطفالنا وعنا جميعاً خير الأجر وعظيم الثواب.»

الأراضي الزراعية قضت عليها السيول

الأراضي الزراعية تعتبر بالنسبة للمواطن في مديرية المسيمير، بمثابة المنقذ الوحيد لحياته من جحيم شظف العيش وغلاء الأسعار، والمنفذ الأوحد للخلاص من عتبات وتغيرات الزمن، ومستجداته، فهي من يمد المواطن بأسلحة مقاومة غلاء الأسعار الفاحش، ومنها يجني الثمار والمحاصيل التي تساعده في الحصول على المال ليستر به عورة متطلبات الحياة الكثيرة والمتنوعة، فالأراضي الزراعية وبدون أي منافس تعتبر المصدر الذي يعتمد عليه المواطن في مديرية المسيمير في العيش، وتوفير أسباب الحياة، وهذه الأراضي قد نالت نصيبها من الإهمال، ولم تسلم منه، كما حدثنا المواطن ياسين قايد وائل الذي قال:

«السلطة المحلية والمجلس المحلي، وكل الجهات المعنية بالمديرية لم يقنعوا بوضعنا في خندق المأساة، بل إنهم كما يبدو يريدون القضاء علينا نهائياً من هذا الوجود، والدليل ما يستخدمونه من أساليب الضرب من تحت الحزام، واللعب على آهآت أحزاننا من خلف الكواليس، وهو ما نلمسه على أرض الواقع بحق أراضينا وممتلكاتنا الزراعية التي جرفت بفعل السيول، بينما وقف من تقع عليهم مسؤولية إنقاذ الأراضي موقف المتفرج، حيث لم تحرك تلك العناصر الخاملة يدها في أي اتجاه بقصد مساعدتنا."

وأضاف قائلاً:« ومن العجب أن السلطة والجهات المعنية فوق سكوتهم عن وضعنا زادونا أوجاعاً مضاعفة فوق مابنا من آلام وجراح، حيث يروجون الخطابات، ولم يكفوا عن الأكاذيب والافتراءات بإنزال المساعدات والحواجز والسدود وعمل اللازم والمستحيل لإنقاذ الأراضي. فيما تصريحاتهم تذهب في وادٍ والعمل بها وتطبيقها في وادٍ آخر معاكس للأمانة والمصداقية.» واستطرد قائلاً:« جميع مطالبنا لا تجد الآذان الصاغية من قبل هذه السلطة التي اعتادت على تخدير مطالبنا بوخزات الوعود، حتى أصبحت ملفات الوعود والمشاريع الوهمية لاتكاد تعد ولا تحصى، بل أصبحت كالجبال يصعب شقها، وكألغاز يصعب فك رموزها المترابطة.»

جزء من منازل المنطقة
جزء من منازل المنطقة
واختتم حديثه بالقول:« أصبحت حياتنا في أرض آبائنا وأجدادنا مهددة بالانقراض، كوننا نفتقر لأبسط مقومات الحياة، ولم تتوفر لنا حتى الساعة بديهيات المشاريع، وأساسيات الخدمة. فمصير حياتنا مرهون ومعلق ببقاء أراضينا الزراعية، التي منها نستمد أمل بقائنا، ونستلهم طرق الوصول، لتوفير لقمة العيش لأطفالنا، فالمواطن في منطقتنا والمديرية عامة يعتمد اعتماداً كلياً على الأرض الزراعية في ترقيع وستر عيوب الحياة، ومجاراة غلاء الأسعار للمواد الغذائية، وغيرها من متطلبات وحاجيات الحياة المتزايدة والكثيرة. ونناشد من على هذا الصرح الإعلامي الكبير «الأيام»، ومن على منبرها الذي يتسع لكل أبناء هذا الوطن نناشد كل فاعلي الخير بأن يسارعوا في مدّ يد العون والمساعدة لأهالي المنطقة، الذين يعيشون حالة انطواء حقيقية عن الآخرين، وحالة نادرة من العذاب والعزلة، لم يسبق لها مثيل، ولهم الأجر من عند الله».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى