كتبت لكن بماء!

> عبدالقوي الأشول:

> إنما الناس سطور كتبت لكن بماء (إيليا أبو ماضي) ..هكذا نعي الأقدمون قصر الحياة البشرية وملامح العمر التي تنقضي خلسة لتضعنا أمام حقيقة الفناء الذي استغرق حضارة الفراعنة في البحث عن سر الخلود البشري الذي لم يهتدوا إليه، كما لم يهتد العلماء على سر الأزمنة والعصور إلى الكشف عن ترياق يعيد للحياة ديمومتها وحيويتها.. وما ملحمة جلجاش العريق إلا تجسيد لاستغراق الأقدمين من الملوك و الأباطرة في البحث عن سراب المعرفة التي ظنوا أنها تقودهم إلى سر الخلود دون جدوى.

فها هو أبو العتاهية ينشد متوجساً مرتاباً من قصر الأعمار:

ما رأيت العيش يصفو لأحد ** بدون كد وعـناء ونـكد

كـن لمـا قـدمتـه مغـتـنـمـاً ** لا تؤخر عمل اليوم لغد

الأماني والأحلام لا تتحقق، وإن تحقق جزء منها تظل غاياتنا أبعد وقدراتنا أوهن وذواتنا أوسع مدى في شدة نهمها.. ورزنامة السنين المنصرفة تذكرنا بصيرورة الحياة التي لا نمتلك احتواءها.. إلا أن قضايا واقعنا الحياتي تظل هي الأجدر بكامل أهتماماتنا، فما يعتلي سطحها من منغصات توحي بأننا لا ندرك قيمة الزمن ولا نتعظ من عبره، أعني ما ضينا المليء دون ريب بالثقوب والندوب العميقة.. أمور لا تحتاج في الأصل للإحياء والإنكاء الذي لا يسهم إلا في تعميق قدر معاناتنا أمام جبروت الواقع الراهن بتحدياته العصرية التي ليس فيها مكان للضعفاء.

ولعل أبرز ما تتصل به أماني العام الجديد.. حالة من الوفاق بين الأطياف السياسية للمجتمع حول تلك التحديات، بما يمكّن من وضع تصور ورؤية استراتيجية واقعية لكيفية العمل بروح الفريق الواحد من أجل الوطن ومواطنيه، وبما يحقق قدراً من الاستقرار الحياتي الذي يضمن توجيه الطاقات الاجتماعية صوب التنمية.

وأمر الوفاق لا يكون بالتمترس القائم المبني على فرضيات كل طرف بامتلاكه ناصية الحقيقة والحل والعقد، ولا بزخرف الديمقراطيات الوهمية التي يدعي كل طرف ممارستها، في حين تبدو حقائق ومعطيات الواقع أبعد من هذه المفاهيم العصرية التي مكنت شعوب كثيرة من تحقيق كامل تطلعاتها بديمقراطية فتحت المجالات واسعة أمام تطلعات العقل البشري.. غير مختزلة كما هو الأمر لدينا بمسرحية الانتخابات العقيمة، والهيئات المفروغة من محتواها بحكم ما تمارس من تبعية بغيضة لا تفضي إلا لتأصيل الممارسات الفاسدة في حياتنا، حيث بدا نهج التعايش مع كل هذه المعوقات من الأمور الحتمية، لا بل من الثوابت الوطنية الصرفة، تلك الثوابت التي تلغي إنسانية الإنسان وحقوقه، رغم أن الثوابت كافة لا تكون كذلك إن لم تكن مسخرة لخدمته وتكريمه واحترام آدميته التي هي من ثوابت العقيدة السمحاء.

آملين أن تشكل إطلالة العام الجديد مراجعة للنفس أولاً، والتسامي فوق صغائر الأمور والمصالح والمنافع التي أعمت بصائر الكثيرين ممن يحاولون بشتى السبل لي عنق الحقيقة بما يخدم أهواءهم الذاتية غير آبهين بتطلعات مجتمع يعاني ويلات كثيرة، وتبدو حدة التباينات صارخة بحكم النفس الاستحواذي الذي يلغي حقوق الآخرين بصورة لا يمكن أن تستقيم معها الحياة، ناهيك عن حالة تعطيل ساحقة للقدرات البشرية التي جرى استبعادها عنوة من مسرح الحياة تحت مسمى الثوابت التي لا تعترف بحقوق الآخرين، ولا تعير اهتماماً لمعاناته ومطالبه المشروعة، فأي ثوابت تلك التي لا تحترم آدمية الإنسان، ولا تصون حقوقه، ولا تعتمد المساواة في العيش والحياة.

وليس هناك من أمنية في إطلالة العام الجديد إلا أن نكون ننتمي لوطن وأمة تحترم آدمية الإنسان ممسكة بتلابيب العدل الإلهي، الذي لا يفرق بين البشر بمختلف دياناتهم ومللهم وألوانهم.. واستقراء الأمر من زاوية الوضع القائم لا يحمل الكثير من الأماني والتطلعات إلا إذا توفرت إرادة سياسية مخلصة، ومدركة حقائق الأمور، ومؤمنة بأن الحلول لا تكون إلا بمنطق العقل والعدل والمساواة، وإعادة الحقوق لأهلها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى