د.حبتور: الوحدة لا رجعة عنها وإذا أعيد بناء سور برلين يمكن التفكير في إعادة براميل الشريجة!!

> «الأيام» عادل الأعسم:

> د. عبدالعزيز صالح بن حبتور شخصية قيادية وسياسية وتربوية، معروفة باعتدالها وطرحها الرصين وانفتاحها على الجميع,في حواراته الصحفية تعود منه القارئ الكريم أن يتحدث عن قضايا تربوية وتعليمية بصفته نائباً لوزير التربية والتعليم، لكن حوارنا معه هذه المرة جاء مختلفاً جداً وسياسياً بحتاً.

«الأيام» تنشر الحوار التالي مع د. عبدالعزيز بن حبتور متزامناً مع الذكرى الـ 22 لأحداث 13 يناير الأليمة.

> د. عبدالعزيز.. تمر اليوم الذكرى الثانية والعشرون لأحداث 13 يناير الدامية..أين كان موقعكم فيها؟ وما هو موقفكم منها؟ وهل هناك ذكريات تختزنها ذاكرتكم عنها؟

- الحقيقة.. لا أحداً منا يرغب في تذكر تلك الأحداث المأساوية التي عصفت بجنوب وطننا في مختلف مناحي الحياة، لأنها أيام حالكة ومظلمة من تاريخنا، ولأننا فقدنا فيها الكثير من طاقاتنا البشرية، وخسرنا أصدقاء أعزاء من كلا الطرفين المتصارعين، لذلك فإن الحديث عنها وتذكرها يعني نكأ الجراح والعودة لمعايشة الألم والأحزان والخوف مرة أخرى.

ولكن إذا كان لابد من الإجابة عن سؤالكم، فأقول إنه بالنسبة لي كنت حينها مع زملاء كثيرين غيري خارج البلاد للدراسات العليا في ألمانيا، وعندما انفجرت الأحداث كانت تأتينا الأخبار المفجعة عما يجري في الوطن الغالي عبر مختلف وكالات ووسائل الأنباء العربية والعالمية، ونظراً لمحدودة وسائل الاتصال آنذاك فقد كان ما يصلنا من أخبار عن تلك الأحداث الدامية مقطوعة أو منقوصة. وبعد مرور حوالي أسبوعين بدأنا نسمع عن بدء حسم المعارك لصالح طرف وهزيمة الطرف الآخر الذي انسحب إلى الشطر الشمالي من الوطن (سابقاً) أو ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية، يعني حدث هروب جماعي من عدن إلى صنعاء، وبعد مرور شهر من بدء تلك الأحداث المؤلمة بدأنا نسمع عن قوائم الشهداء والقتلى والجرحى من كلا الطرفين والمواطنين الأبرياء، وكل يصنف على رؤياه.. لقد كانت أياماً ولياليٍ عصيبة بحق عشناها جميعاً، حيث كانت عمليات التصفيات الجسدية لخيرة المناضلين والكوادر الوطنية وفقاً لبطاقة الهوية الشخصية، وشملت قوائم الضحايا العديد من الشهداء والقتلى والجرحى والمفقودين الذين مازال كثيرون منهم لا يعرف عنهم شيء حتى اليوم، ولا توجد إحصاءات ولا سجلات رسمية موثوق بها، وكل ما نعرفه بهذا الصدد هو عبارة عن حكايات الأخباريين الذين نقلوا لنا نحن الأحياء عن هذا الشهيد أو ذاك الفقيد أو أولئك المفقودين والمعدومين وغيرها.. وبالنتيجة فإن تلك الأحداث وما صاحبها من تصفيات فردية وجماعية ولَّدت هزيمة مُرَّة للأخلاق والقيم والثقافة لكلا الطرفين، ومثلت انتصاراً ساحقاً للهمجية والوحشية والتخلف وشهوة السلطة.

- أين كان موقعكم وموقفكم منها؟ وما هو دوركم في مسار تلك الأحداث؟

- كل واحد في الطرفين كان له موقف ودور، بدءاً من القيادة ووصولاً إلى تلك الجموع المتقاتلة لطرفي الصراع في شوارع عدن وأحيائها (التواهي، كريتر، المعلا، خورمكسر، الشيخ عثمان) وفي كل شبر من الوطن شهد تلك المأساة، حتى نحن الدارسين حينها في الخارج كنا أيضاً في خندقين متواجهين بعضنا بالعلم والفكر والبعض الآخر بالسلاح.

- لاشك أن أحداث 13 يناير لم تكن وليدة اللحظة، وإنما كانت هناك عوامل ومقدمات أدت إلى تصاعد الخلاف واحتدامه بين الطرفين، فما هي برأيك الأسباب التي أدت إلى وصول الخلاف إلى المواجهة المسلحة المباشرة؟

- كما يقولون: من أصغر الشرر يندلع اللهب، وقيل كذلك قبل أن تعمر البنادق ويهمز على الزناد للطلقة الأولى، يسبقها التحضير الدعائي والفكري لصناعة الإشاعة والدعاية والتحريض في الحلقات الضيقة وبعدها يتم إنزالها وتعميمها على أوسع نطاق، حيث كان هناك -كما هو معروف- فريقان يقتسمان الصراع والسلطة، الفريق الأول يقوده الرئيس الأسبق علي ناصر محمد ومعه تيار واسع في الحزب والدولة والمجتمع، والفريق الثاني يقوده جناح عنتر وفتاح وحوشي، وبعض القيادات العسكرية في القوات المسلحة والأمن.. الفريق الأول كان يطرح مشروعاً أكثر شمولية وانفتاحاً للإصلاح الاقتصادي والسياسي للنظام آنذاك، وأبرز معالمه تجلت في الانفتاح على النظام الوطني في الشطر الشمالي من الوطن، والانفتاح على الدول المجاورة في الجزيرة والخليج، وأيضا السماح التدريجي للمبادرات الفردية للقطاع الخاص.

أما الفريق الثاني فقد أبدى مواقف متشددة في اتجاه نقاء الفكر الماركسي اللينيني للحزب الاشتراكي اليمني، ومحاربة المظاهر البيروقراطية البرجوازية، وتعميق الشراكة مع موسكو، وعدم المهادنة مع النظام في صنعاء آنذاك.

كل هذه المسائل تناولها وثبتها كثيرون من الكتاب غيري.. أصبحت في حكم التاريخ، لكن هكذا كان الواقع حينها، وبسبب كل هذه الطروحات حدث ما حدث، وأنتجت تلك الكارثة المدمرة التي أحرقت الحرث والنسل.. والله يسامح الجميع ويكون في عون من لا يتعلم من التجارب المريرة.

- لكن يقال إن سبب الصراع هو إصرار الطرف الآخر على أن يتخلى الرئيس علي ناصر محمد عن أحد المناصب القيادية التي كان يشغلها؛ رئاسة الجمهورية أو أمانة الحزب أو رئاسة الوزراء؟!

- هذه كانت مجرد إفرازات طفت إلى سطح الخلاف والصراع، أما الأسباب الأساسية فهي كما ذكرتها.

- تحليلات سياسية عديدة تعتقد أن أحداث 13 يناير 1986م جاءت على طريقة (رُبَّ ضارة نافعة)، حيث شكلت نتائجها مقدمة للوحدة اليمنية، وساعدت في تحقيق هذا الحلم الكبير الذي كان بعيد المنال، مارأيك في هذا الطرح؟

- أعتقد أن هذا الطرح صحيح، فعندما أفلست الفكرة اليسارية المتطرفة عن تحقيق أي إنجاز يذكر في المجال الاقتصادي والاجتماعي وحتى على الصعيد السياسي، ما كان من أصحاب هذه الفكرة إلا الهروب إلى الأمام، إلى الوحدة، كي لا يكون مصيرهم مصير أقرانهم في الكتلة الشرقية آنذاك، خاصة أن الكثير من القيادات المجربة في بناء الدولة قد نزحت إلى صنعاء إثر أحداث يناير 86م، وما بقي منها زج بها في المعتقلات وبعضها أعدمت، مما أدى إلى ضعف الحزب الاشتراكي وسقوط شعاراته البراقة، حتى وجدت السلطة الحاكمة بعد 13 يناير 86م نفسها تهرب إلى الوحدة، لاسيما وأن بوادر جولة قادمة من الصراع كانت تلوح في الأفق، فقد كان البقية الباقية من إخوتنا في الحزب الاشتراكي يحضرون لمعركة جديدة فيما بينهم، ولو تأخر قيام الوحدة ربما عام واحد فقط ، لدخلوا في مشروع تصفوي كبير على نطاق أوسع لا يبقي ولا يذر، كما هو حال تاريخ الجنوب منذ الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وحتى قيام الوحدة اليمنية المباركة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن صدر فخامة الأخ الرئيس كان واسعا للجميع، وكما احتضن المجاميع العسكرية والمدنية النازحة عقب أحداث 13 يناير، احتضن كذلك قيادات الحزب الاشتراكي اليمني.

- مازال كثيرون من ضحايا الصراعات السياسية في الجنوب، من شهداء ومفقودين وأسرهم وأبنائهم يعانون من عدم الإنصاف، ولم تحل قضاياهم في ظل دولة الوحدة.. لماذا برأيك؟

- نعم هناك ضحايا ومشكلات ترتيب على مختلف الصراعات السياسية في الجنوب لم يتم حلها حتى الآن، فقد عانينا من فلسفة إقصاء الآخر بعد أحداث 13 يناير 1986م، وعدم الاعتراف الأخلاقي والديني والإنساني والوطني بكثير من الشهداء، بل أن الكثيرين منهم لا تعرف أسرهم وأبناؤهم حتى هذه اللحظة إن كانوا قد ماتوا أو استشهدوا أو خطفوا، وأين دفنوا؟! وهذه كارثة أخلاقية بكل المعايير، والأدهى والأمر من هذا أن أبناء هؤلاء الشهداء لم يتحصلوا على أبسط حقوقهم في التعويض وحق العمل، فضلا عن أن آخرين مبعدون من وظائفهم العسكرية والمدنية، وهذا لا ينطبق على أحداث 13 يناير وحسب، ولكن على مختلف مراحل الصراعات السياسية التي حدثت منذ ثلاثين نوفمبر 1967م وحتى قيام الوحدة، ومع ذلك فإنه يوجد اتجاه جاد لحل كل مشكلات أسر الشهداء والضحايا، ولكن لابد من التوضيح أنه عندما هلت أفراح تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م جرى إهمال ملفات العديد من أسر الشهداء وأبنائهم من المراحل السابقة، بفعل إصرار رفاقنا القدماء على مبدأ الإقصاء حتى في عهد الوحدة، ورفضوا معالجة ملفات ما قبل الوحدة (مثال على ذلك وزارة الدفاع آنذاك).. وكمواطن يمني، أدعو وأطالب هنا بسرعة وضرورة معالجة قضايا ومشكلات ضحايا الصراعات السياسية بمختلف مراحلها ومنحهم كافة الحقوق، والحقوق لا تسقط بالتقادم كما يقول أهل الشرع والقانون المدني.

- يجري الإعداد والتحضير للاحتفاء بذكرى 13 يناير في عدن بإقامة يوم للتسامح الجنوبي -الجنوبي، ماهو رأيكم في هذا الموضوع؟

- الذين يقفون خلف مثل هذه الشعارات، وهذه الأنشطة هم -حسب اعتقادي- نوعان النوع الأول: هم أفراد وجماعات دفعوا أثمانا باهظة وغالية من جراء الصراعات التي حدثت في المحافظات الجنوبية والشرقية من أجل الصراع على السلطة، ولنأخذ منهم أبناء عدن الذين تضرروا ضرراً بالغاً في قوتهم وأبنائهم وشوارعهم وحضارتهم ومدينتهم التي طمست بفعل العنجهية الحزبية والقبلية.. هؤلاء كانوا ضحايا ومازالوا مهمشين، والآن يريدون أن يدخلوهم في حلبة الصراع مرة أخرى دون أن يكون لهم ناقة ولا جمل فيما حدث وما سيحدث.

أما النوع الثاني فهم مديرو مثل هذه الفبركات، وهؤلاء هم ذاتهم من دبر كارثة نقاء الفكر الماركسي، واليوم يقولون الجنوبي، وبعضهم من أشعل شرارات الحرب ضد دولة الوحدة، ويأتون اليوم ويريدوننا أن نصدق أنهم مع التسامح الجنوبي- الجنوبي.. أليست هذه كذبة كبرى وبداية فتنة كبيرة تخطط لإشعال فتيل حرب أهلية قادمة؟!

وشخصيا عندما أسمع مثل هذه الشعارات أتساءل مَن يسامح مًن؟! ومن يمتلك الحق في مصادرة أصوات مناطق ويتكلم باسمها؟ ولماذا يحدث هذا بالذات في مدينة عدن ويزج بأبنائها في مثل هذه اللعبة؟ علما أن كل المتخاصمين عادة هم من خارجها، ولهذا عليهم إن أرادوا تنظيم مثل هذه الفعاليات، وأصروا على إقامتها فليكن تنظيمها في مناطقهم، وكفى بهذه المدينة الساحرة والجميلة تعباً وأرقاً وحزناً، وليتركوا أبناءها يتفاعلون مع أي منجز حضاري مدني، وينعمون بالاستثمارات التي ستجعل لعدن شأناً كبيراً على كافة المستويات والمجالات.. على هؤلاء أي كانت مشاربهم الحزبية أو انتماءاتهم القبلية أن يتركوا عدن وشواطئها ومعالمها العريقة لتنعم بالمزيد من الهدوء، ولكي يطالب أبناؤها بحقوقهم المدنية المشروعة، ويكونوا رقماً صعباً في المعادلة الوطنية اليمنية برمتها، وإعادة الاعتبار لمدينة عدن ولأبنائها، لأن عدن زينة وخاصرة اليمن وينبغي لنا الحفاظ عليها وعلى مكانتها وسمعتها التاريخية والعمل بجد لمعالجة مختلف المشاكل لأبنائها كونها تمثل حجر الأساس في تقوية مداميك الوحدة اليمنية.

ثم أن التسامح الإنساني معناه واحد، والقضية الحقوقية للمواطنين مضمونها واحد، والحرية هي الحرية لكل مواطن يمني لا تفصله حدود الجغرافيا ولا الأعراف ولا الأنساب ولا المذاهب ولا الوديان، ولذا فإن من يدعون اليوم لمثل هكذا شعارات علينا أن نخاف ونحذر منهم خوفاً على الوطن كله، والوحدة كمشروع حضاري نسعى جميعاً لتطوير آلياته ومضامينه وتعميق معانيه وتنقيته من أية أخطاء أو شوائب.

- د. عبدالعزيز.. أنتم من القيادات الجنوبية في السلطة والحزب الحاكم، أو ممن يصفكم البعض بـ (الجنوبيين في السلطة)، وأنكم مجرد موظفين لا رأي ولا تأثير لكم في اتخاذ أي قرار، ويشبهونكم بـ(أحجار الشطرنج) يحركها الرئيس كما يشاء.. ما صحة هذا القول؟

- هذا وصف قاس وغير موضوعي.. ومن يطلقه على مسؤول من أي جزء في الوطن له مآرب أخرى غير ما يعلن عنها.. بالنسبة لوظائفنا الحكومية كل منا يؤدي وظيفة وفقاً لمهامه واختصاصاته، أما بالنسبة لمسؤوليتنا الوطنية، فالرئيس علي عبدالله صالح يقود بحكمة سفينة الوطن والوحدة، ونحن -كغيرنا من أبناء الوطن- جنود معه، وعندما نكلف بأية مهمة سنكون ملبين لها، وإذا كنت ترمي بحديثك إلى قوى الوحدة، نعم نحن تحت قيادة الرئيس لأنه الوحدوي الأول، وقد كان لزملائنا شرف المساهمة في الوحدة والدفاع عنها في المعارك الميدانية والسياسية، شاركنا بإخلاص لأن الوطن أغلى رأسمال بالنسبة لأي مواطن يحمل مشروعاً وحدوياً إنسانياً، نعم الكثير من زملائنا استشهدوا وجرحوا في سبيل تثبيت الوحدة، مع العلم أن كثيرين منهم لم ترتب أوضاعهم بعد، ومازالوا مسرحين ومهمشين، وظروف الكثيرين منهم المعيشية صعبة جداً، لكن هذا لا يعني أن نفقد صوابنا ونخرج إلى الشارع كما يفعل البعض، فهناك جهات معنية بمعالجة مثل هذه القضايا ولا يجب أن نغير في مواقفنا الوطنية.

- لكن أنتم مسؤولون ومرتاحون وأموركم طيبة، فيما غالبية أفراد الشعب مطحونون ومظلومون، خاصة في المحافظات الجنوبية، وفي الفترة الأخيرة تصاعدت حدة الأصوات المطالبة بالحقوق، ووصلت إلى تنظيم الاعتصامات والمسيرات، بل ووصل الأمر بالبعض إلى الهتاف ضد الوحدة بعد أن كانوا يهتفون لها، يقول المثل: (الذي يده في النار ليس مثل الذي يده في الماء)؟!

- هناك مظلومون.. نعم، لكن هناك أيضاً مزايدين، يحاولون حرف المطالب العادلة عن مسارها واستغلالها لتحقيق مآرب سياسية ضيقة، والظلم في كل محافظات الوطن، شماله وجنوبه لكن هناك محاولة لخلط الأوراق.. محاولة مكشوفة لإرباك الدولة والحكومة وإلهائها عن تنفيذ برامجها وخططها، والداعون لمثل هذه الشعارات لابد من الفصل بينهم وبشكل يتسق مع المعطيات والأهداف لهذا الواقع الجديد.

أولا: ألم نقر جميعاً بأن آلية الدولة الوحدوية يجب أن تقرن بالديمقراطية، وهذا اتفاق اتفقت عليه كل الأحزاب السياسية، ونزلنا جميعاً إلى ساحة الحراك السياسي الديمقراطي، وأعطيت مساحة واسعة لكل الأحزاب للتعبير عن برامجها وسياساتها ومشاريعها، وعندما ظهرت النتيجة والتفوق الكبير لصالح المؤتمر الشعبي العام وفخامة الرئيس، غضب البعض من أحزاب اللقاء المشترك. وهذه الآلية هي الآلية الوحيدة الناجعة في أي بلد ليبرالي وديمقراطي، ونحن مازلنا في بدايات الشكل الديمقراطي إلا أن التنافس والحراك السياسي الذي شهدته الساحة، وما أسفرت عنه الانتخابات كان صحيحاً باعتراف كل القوى المشاركة في الانتخابات والمراقبين الدوليين، وعسى أن يتعلم الجميع من هذه النتيجة وهذه الآلية وهذا التطور.

ثانياً: هناك مطالب حقوقية مشروعة للمتقاعدين العسكريين والمدنيين، ولمن نهبت أراضيهم وممتلكاتهم من قبل فاسدين متنفذين موجودين في أجهزة الدولة المختلفة، وبالمناسسبة هؤلاء ليسوا جميعهم من المؤتمر الشعبي العام، أو من أنصار الرئيس علي عبدالله صالح، بل بعضهم يمكن أن يكونوا من أحزاب أخرى أو حتى مستقلين، كما أن هناك مواطنين حرموا من العمل في الشركات البترولية وشركات الغاز والوظائف العامة المختلفة، ونطالب كل الجهات بالوقوف بمسؤولية تجاه هذه الاختلالات، وتقديم المخطئين والمسيئين للمحاسبة سواء أكانوا مسؤولين أم موظفين، وحل قضايا المواطنين العالقة والفصل في مطالبهم العادلة.. وفي الحياة الديمقراطية لا ضير من اعتصاماتهم ومسيراتهم إذا كانت سلمية وبحسب القانون.

ثالثاً: عندما يتقدم رموز من المعارضة في أحزب اللقاء المشترك بالمطالبة باقتسام السلطة، ماذا يقصدون من وراء ذلك؟! هل مثلا نلغي نتائج الانتخابات الديمقراطية في صيف 2006م أم نجعلهم شركاء في السلطة التي خرجوا منها ديمقراطياً، مع العلم أن الأخ الرئيس وحزب المؤتمر الشعبي العام لم يبخلا على المعارضة لا بالمال ولا بالجاه ولا حتى بالسلطة، فهم موجودون معنا في كل شاردة وواردة، وربما تتم مشاورتهم أكثر من قيادات المؤتمر ذاتها.

رابعاً: توجد شرعية دستورية تحكمنا جميعاً، ومن يسوقون لأوهام الانفصال أو الارتداد إلى ما قبل الوحدة يرتكبون خطأ جسيماً، لأنهم يوهمون العامة من الناس بأن الانفصال آت لا ريب فيه، وأن المسألة ماهي إلا أشهر معدودات فقط، وننصح من يروجون لهذه الشعارات وهذه الأوهام وهذا السراب وهذه الفكرة المغلوطة أن يصححوا فكرهم ورؤيتهم ويتجهوا لانتقاد أي أخطاء أو تقصير في النظام السياسي والإداري أو الأشخاص أو الفساد أو مراكز القوى القبلي والاقتصادي إلخ.. هذا أفضل ألف مرة من إيهام البسطاء بأن حل مشاكلهم سيأتي من خلال الانفصال، ألم يعوا بعد أن الوحدة ليست هاجساً وأمنيات وشعارات ومصالح فقط، بل لقد أصبح للوحدة أساس اجتماعي، ولها مرجعية دينية وأخلاقية، علاوة على ذلك إذا سمعنا يوماً أن سور برلين قد أعيد بناؤه فحينها يمكن أن نفكر في مناقشة هذا الأمر، وهل فعلاً سنعيد البراميل الحدودية بين الشمال والجنوب، وهنا أرجو مخلصاً أن يعي ويدرك المخططون والنساجون لفكر وفلسفة الفتن والأزمات أن ما يعملونه هو التدمير للذات وتأخير التطوير للمشروع الوحدوي الوطني.

فكر الانفصال يجب أن ننبذه نهائياً من تفكيرنا وحياتنا، فأنا مثلا أعيش في صنعاء وهنا أيضاً يوجد فاسدون وانفصاليون فكراً وممارسة وهناك آخرون مثلهم في محافظات جنوبية، لكن هذا المشروع الحضاري اليمني العروبي الإنساني لن نفرط فيه لمجرد وجود أخطاء وممارسات وتجاوزات ومظالم أغلبها محكومة بقيود الماضي وسمومه.. علينا جميعاً أن نحافظ على مكاسب الوحدة ونطورها ونجابه من يريد إعاقة تجذير مسارها سواء أكانوا في شمال الوطن أم في جنوبه.

- هناك من يتهم -تصريحاً وتلميحاً- الرئيس علي ناصر محمد بالوقوف وراء ما يعتمل في المحافظات الجنوبية من مسيرات واعتصامات..

- علينا تحري الدقة في مثل هذه الاتهامات وألا نستند على معلومات مدسوسة، ومن خلال قراءاتي الشخصية للأحداث أستطيع القول إنه يوجد فعلاً زعل وغضب حقيقي في المحافظات الجنوبية والشرقية بسبب ممارسات وسلوكيات بعض المسؤولين الذين لا يحترمون القانون ولا يحترمون المسؤوليات المكلفين بها ولا يؤدون مهام وظائفهم على أكمل وجه.. توجد مطالب حقيقية وواجب علينا الاعتراف بوجودها والعمل على معالجتها ومجابهة المشكلات بشيء من الموضوعية والصدق، ولكن بالمقابل يوجد من يستغل مثل هذه المطالب وهذا الغضب ليوظفه سياسياً ومناطقياً، وهؤلاء هم الذين يشكلون الخطر الأكبر على التنمية حيث يجعلون البلد في حالة استنفار دائم، أما بالنسبة للأخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، فهو رجل وطني ووحدوي وقد كانت له مواقف وبصمات مشرفة على صعيد المشروع الوحدودي، ولا أظنه سيختتم حياته الوطنية الحافلة بالمواقف العروبية الوحدوية بموقف معاكس للذي عرفناه عنه وعهدناه فيه.. ونقولها بوضوح إننا لن نكون معه إذا تناقضت مواقفه مع الوحدة اليمنية.

- كلمتكم الأخيرة يا دكتور في ختام هذا الحوار.

- أولاً: أعبر عن تقديري واحترامي وشكري لوسائل الإعلام التي تعمل وتحرص على إظهار التباين في الرأي والرأي الآخر بكل موضوعية ومهنية، وفي مقدمتها صحيفة «الأيام» الرائدة، وأجدها فرصة هنا وعبركم للترحم على أرواح شهداء الوطن اليمني كله من أقصاه إلى أقصاه، كما أؤكد على المطالبة الجادة بحل كل قضايا الشهداء والمناضلين الذين أسهموا بقسط وافر في الحياة السياسية والمدنية والعسكرية.

ولا يفوتني أن أنصح كافة أصدقائي وإخواني في ذلك الاصطفاف الذي يجر الويلات على الوطن والشعب ولا يحل مشاكله، وإنني على ثقة من أن قيادتنا السياسية كلها، وقيادة وحنكة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، سوف تعمل -كما هو عهدنا بها-على حل ومعالجة كل المشكلات والقضايا والملفات العالقة منذ فجر الاستقلال 30 نوفمبر 1967م، بحكمة القيادة الرشيدة التي تضع الوطن، كل الوطن والمحافظات كل المحافظات في بؤرة فكرها وعقلها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى