مبارك الخليفة الأستاذ والشاعر (2)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> أتيته يوماً وأنا طالب في الباكالوريوس وكان مشغولاً في أمر مهم، أسأله عن موعد الاختبار فصدني معاتباً، فأحسست بتسرعي ولم أشعر بأن الأستاذ قد أساء معاملتي بل زعلت من نفسي، وفي اليوم التالي دخل علينا الدكتور في الفصل فكان أول ما قاله أن أسأل عن الطالب الذي جاءه في الأمس فصده بغضب، ترددت قليلاً فلم أرفع يدي، ولكنه أصر على معرفة هذا الطالب، فرفعت يدي من بين الزملاء فابتسم الأستاذ واعتذر إلي بكلمات جميلة لم أعد أذكرها فتأثرت حتى كدت أبكي، فكان هذا درساً بليغاً في حسن الاعتذار وضرورته. وكثيرة هي المواقف والطرائف مع أستاذنا الحبيب يضيق المقام عن ذكرها.

وحين قدر لي أن أعود إلى بلدتي (حالمين) مدرساً في الثانوية، لم تغب عني صور أستاذي مبارك ولا رعايته، فقد كنت أشد الرحال إلى عدن كل أسبوع تقريباً لحضور جلسات الأدباء في مقر الاتحاد أو في منتدى الكاف الأدبي في المعلا، وهناك أجد أستاذي الذي يحرص دائماً على حضور مثل هذه الجلسات والفعاليات والندوات، وحينما كنت أقابل بعض الزملاء من الدفع التي تلت دفعتنا كانوا يقولون لي أن الدكتور مبارك يذكرك لنا في الفصل ويقول أن ثمة طالباً تخرج في هذه الكلية اسمه (فلان) سيكون له مستقبل طيب في مجال الأدب، خاصة أنه متواضع وهادئ، كانت هذه الكلمات تنفض عني غبار اليأس، وتشعل فيّ جذوة الأمل والثقة بالنفس، كنت مثل البرق في أول الصيف من جهة الشرق في نظر الفلاحين في بلدتنا، ولا أدري هل غدوت اليوم عند مستوى ما كان يراه فيّ أستاذي أم لا؟!

ما من طالب من طلابه الكثر حقق نجاحاً إلا شاركة أفراح نجاحه لاسيما من يحصل منهم على درجة الماجستير أو الدكتوراه، تجده في أول الحاضرين في جلسات المناقشات، وما إن تتم قراءة قرار لجنة المناقشة بقبول الرسالة وإعطاء الدرجة لهذا الطالب أو ذاك حتى يلتحم به معانقاً مهنئاً بحرارة ثم يرتفع نشيجه باكياً بتأثر، أي نهر من العواطف والوجدان هو هذا الرجل؟ أما حين يحقق هو نجاحات يستحق عليها التهنئة والاحتفاء فإنك تجدنا باردين إزاءها، وربما جاحدين وإذا عانقناه مباركين، فلا نبكي كما يبكي هو بل تجدنا نقهقه لأنه سيروي لنا طرفة حاضرة طرية.

أكثر من ثلاثين عاماً يعيش فينا ونعيش فيه، في الجامعة، في اتحاد الأدباء في بيته، في المكتبة، في الصحافة، في الإذاعة والتلفزيون، في الأفراح والأتراح، حتى صار أحد معالم هذه المدينة التي أحبها وأحبته، فشكلها شعراً فأخصبت تجربته شاعراً.

وفي موسم الهجرة إلى عدن، يردد الأخوة السودانيون للمسافرين إلى عدن:«ليس هنالك مشكلة أبداً فمبارك أمامكم في عدن» فتح قلبه للجميع فاتسع لهم، ألسنا نردد دائماً:«إن السعة في القلوب»؟

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى