«الأيام» تلتقي العائلة المنكوبة بسرطان الجلد بميفعة ..ثمان أنفس بريئة من عائلة واحدة تبقَّى خمسة منهم على قيد الحياة!

> «الأيام» جمال شنيتر:

>
الحياة ألم وأمل.. فإذا تجرع الإنسان كأس الألم فإنه ذات يوم ربما يذوق حلاوة الأمل، هذه الحكاية المؤلمة التي ترويها «الأيام» وتنقلها بكل أمانة وإنسانية هي حكاية ثماني أنفس بريئة من عائلة واحدة تسكن حي الحسوة بمدينة الحوطة مديرية ميفعة تبقَّى منهم على قيد الحياة خمسة بعد أن ودع ثلاثة منهم هذه الدنيا الفانية بعد إصابتهم بسرطان الجلد بينما ينتظر البقية المصير المجهول.

إنها آلام ومشاعر من الكآبة والحسرة والأسى والعجز مع صيحات جارحة وهمسات دافئة وأنين الزهور في زمن قاس وزمان قياسي.

هذه باختصار حكاية تقتلع القلب من شدة الحزن وإليكم تفاصيلها:

تشخيص الحالة

كنا قد نشرنا في «الأيام» منتصف العام الماضي خبر إصابة ثمانية أفراد من عائلة واحدة في مديرية ميفعة بسرطان الجلد، وحينها أفادنا الأخ الدكتور عبدالعزيز بارحمة رئيس الفريق الطبي المكلف بمتابعة هذه الحالة والأخ محمد عبدالكريم باجوبه عضو الفريق بأن المرض الذي أصاب هذه العائلة جلدي وراثي يظهر في الستة الأشهر الأولى للمولود على شكل بقع جلدية في أماكن مختلفة من الجسم المعرضة لأشعة الشمس وتتكاثر وتنمو تدريجياً مع تقدم السن وتصاب عينا المصاب بتعتم القرنية ويعاني المريض بعض التشوهات الخلقية ولا يرى بشكل جيد وفي المراحل الأخيرة وعند بلوغ سن الثامنة يصاب المريض بسرطان الجلد.. وقد تم تشخيص بعض الحالات في مركز الأورام السرطانية بصنعاء وأشار الأطباء حينها أن المرض غير معد، ونصحوا المرضى بعدم التعرض لأشعة الشمس ولبس النظارات وعلاج الأورام في حينها عند بداية ظهورها.

حقل من الأحزان

توجهت برفقة الأخ تركي باشيبة عضو المجلس المحلي لمديرية ميفعة إلى حي الحسوة بحوطة شبوة لزيارة العائلة المكلومة بالسرطان والاطلاع على حجم المعاناة والمأساة التي تجثم على صدورهم.

وجدتهم أربعة أطفال مثل فراشات ترفرف كراية بيضاء، لكن وسط حقل من الأحزان.

فيصل عبدالله فيصل (7سنوات)، أصيل عبدالله فيصل (9سنوات)، خالد عبدالفتاح سعيد (7سنوات)، بلخير أحمد فرج (7سنوات) ثم شابة في مقتبل العمر هدى سعيد الصاعدي (18سنة)..طلبت منهم الحديث لـ«الأيام» عن محنتهم وحزنهم وألمهم وأملهم فأجابوني بكلمات بسيطة.

أصيل (9سنوات): «أثناء النهار نكون في البيت ولا نستطيع الخروج منه حتى مغيب الشمس لأن الضوء يؤلمنا ويؤثر علينا ومنعنا الأطباء من التعرض له».

فيصل (7سنوات):«أبناء الحسوة يدرسون في المدرسة وأنا لا أستطيع ذلك لأني مريض والضوء يؤثر على صحتي ويخافون الأطفال الاقتراب مني» هدى (18سنة):«لم أدخل المدرسة مثل بقية البنات في الحسوة اللواتي أكملن الدراسة في المدرسة وأنا مريضة منذ 16 سنة وأنا عندما كنت طفلة صغيرة أصبت بهذا المرض وأدعو الله أن يشفينا جميعاً من هذا المرض والحمدلله على كل حال». وواصلت وهي تجهش بالبكاء:«أحنا ظروفنا صعبة وما معنا حق الدواء ولا حق المستشفيات وأبي ما معه عمل ولا حتى إعانة من الدولة».

ظروف صعبة

الأخ أحمد فرج والد الطفل بلخير يقول:«توفي ثلاثة أشخاص من العائلة وهم: فهمي سعيد، بشرى أحمد وابني إبراهيم، والآن هناك خمسة مصابين بهذا المرض، وقد تعبنا من المتابعة والعلاج ورحنا صنعاء والمكلا ولم يعطونا حتى قيمة الأدوية وأجريت لبعض مرضانا بعض الفحوصات وأعطيت لهم جرعات علاج كيماوي.

ولكن لم نستمر عليها لأنه لم يساعدنا أحد في التكاليف المادية، وبدلاً من ذلك نقوم الآن بالعلاح الشعبي عن طريق الأعشاب وقراءة القرآن الكريم في مركز العلاج بالقرآن الكريم واستخدام الأعشاب وهناك نتائج جيدة.».

واستطرد قائلاً:«ابني إبراهيم توفي العام الماضي بعد إصابته بالسرطان وكنا قد أجرينا له عملية في صنعاء في مستشفى الجمهورية قسم الأورام السرطانية وكلفتنا العملية 21 ألف ريال على حسابنا الشخصي، ولم تنجح العملية وفارق إبراهيم الحياة يرحمه الله والحمد لله على كل حال، ولكن الأسف على الدولة التي لم تقدم لنا أي دعم أو مساعدة مادية حتى تكاليف القبر في صنعاء تكبدناها، حيث كلفتنا ثمانية آلاف ريال لحافر القبر، وألفان وخمس مائة للمغسل، وألف ريال للإمام الذي صلى عليه، وخمسة آلاف ريال ضريبة للمقبرة؟».

واختتم قائلاً:«الله وحده يعلم بحالنا وحال هؤلاء الأطفال المساكين الذين يغادرونا الواحد بعد الآخر ولا راد لقضاء الله وقدره، ولكن أملنا في هذه الحكومة وأصحاب الصحة والمجالس المحلية وأهل الخير أن يمدوا أيديهم إلى الأطفال ويسفروهم إلى الخارج».

الحل: علاجهم في الخارج

الأخ محمد مبارك صالح (قريب للعائلة) قال:«عرضنا أبناءنا المصابين على البعثة الكندية التي زارت محافظة حضرموت العام الماضي وشخصوا الحالات ونصحوا المصابين بالجلوس في البيت وعدم التعرض لأشعة الشمس.

وذهبنا بعد ذلك إلى جمعية مكافحة السرطان وقال لنا الأطباء عليكم بالعلاج الكيماوي وبدأنا بذلك، ولكن لم نستكمله نظراً لشحة الإمكانيات وعوضاً عن ذلك يتم حالياً معالجتهم بالقرآن الكريم والأعشاب وهناك بعض التحسن، ولكن الحل يكمن في نقلهم جميعاً إلى الخارج لمعالجتهم على نفقة الدولة».

الوراثة أم البيئة؟!

الأخ هادي سالم يسلم (قريب للعائلة):«بصراحة لا يوجد اهتمام من السلطة المحلية ومكتب الصحة بالمحافظة والمديرية بحالة مرضانا، وعندما ذهبنا إلى المكلا وعدنا الإخوة في مكتب الصحة بالمحافظة بدفع أجرة المواصلات، ولكن ما أن وصلنا المكلا حتى تنصلوا من وعدهم وطلبوا منا دفع ثمن الوقود عشرة آلاف ريال، ولم يساعدنا أحد لا في المكلا ولا في صنعاء، وأولياء أمور الأطفال عمال بالأجر اليومي وعلى باب الله وحتى الإعانة محرومين منها رغم حالتهم الصعبة».

وأضاف:«حول أسباب انتشار هذا المرض نحن إلى الآن لا نعرف بالضبط أسبابه، والأطباء لم يفصلوا في الأمر، بعضهم يقولون قد يكون بسبب عوامل وراثية خاصة وأن المرضى من عائلة واحدة ذات صلة قرابة، والبعض يعتقد أن الأمر يعود إلى عوامل بيئية موجودة في المنطقة- تلوث بيئي - أو وجود مواد مسرطنة والله أعلم».

واختتم الأخ هادي سالم بالقول:« كلمتي الأخيرة مناشدة لأهل البر والإحسان في هذا البلد نقول لهم: مدوا أيديكم إلى هؤلاء البراعم، وأملنا في تبني علاجهم في الخارج، ونرجو أن تصل مناشدتنا هذه عبر «الأيام» إلى أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء؟».

مأساة كبيرة

الأخ تركي عمر باشيبة عضو المجلس المحلي قال:«إن ما يحدث لهذه الأسرة هو مأساة كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأضم صوتي إلى صوت هذه الأسرة المنكوبة في مطالبة وزارة الصحة والسكان وأهل الخير بسرعة العمل على إنقاذ هؤلاء الأطفال من معاناتهم والله يجزي المحسنين».

وأضاف قائلاً:«إن هذه الأسرة تعاني ظروفاً معيشية صعبة تثير الشفقة والرحمة لكل من علم بها، حتى البيوت التي يسكنون فيها ما هي ببيوت، وأولياء أمور الأطفال بدون عمل ولا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج، وهم في الأصل لا يستطيعون توفير لقمة العيش لأبنائهم».

إشارات سريعة

اطَّلعنا على رسالة مفتوحة من مكتب الصحة بميفعة وإدارة مستشفى عزان موجهة إلى كل من يهمه الأمر تؤكد أن هدى، فيصل، أصيل، خالد وبلخير يعانون مرضاً جلدياً منذ مدة طويلة.

وتوصي الرسالة بمساعدتهم مادياً لتجاوز محنتهم لأنهم يعانون مرضاً عضالاً وكل هذه اللامبالاة التي قوبل بها هؤلاء المرضى من قبل الجهات المختصة في الدولة.

وخاصة وزارة الصحة والسكان تجعلنا في «الأيام» نوجه صرخة استغاثة إلى أهل البر والإحسان أن يلتفتوا إلى هذه المأساة وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.أبلغني أفراد الأسرة أن أنقل شكرهم وتقديرهم للأخ محمد عبدالكريم باجوبة (فني مختبر) وعضو الفريق الطبي المتابع للحالة منذ البداية على جهوده الإنسانية والشكر موصول للدكتور عبدالعزيز بارحمة.

وماذا بعد؟

هكذا تتهادى العبرة السجينة بداخل القلب لتمزق كل هذه الآهات المكتظة والجاثمة على صدور هذه الأنفس البريئة، وهكذا فيصل وأصحابه ينتظرون يومياً أن تزحف الشمس نحو مخبئها ويلف الظلام الأرجاء وتنثر النجوم بريقها حتى يلاقوا بقية الأحباب في الحي ويتبادلوا معهم الآهات والضحكات في آن واحد.

إنها فيضانات من دماء الوجع وشلالات من الأحزان والعجز والانكسار، وهنا فقط يتوقف القلم عن الكتابة ويعجز اللسان عن التعبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى