المؤرخ حمزة علي لقمان ..عدن بين البحار والجزر

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد :

>
ممّا سطر لنا قلم المؤرخ الأستاذ حمزة علي لقمان حول تاريخ عدن ودورها البحري وامتداد نفوذها عبر البحار الواسعة وأهميتها والجزر الملتقية بها عبر الممرات المائية، شكل لنا مرجعية في قراءة هذا الجانب من سجلات عدن التاريخية التي تقدم لنا من أبواب المعارف والقصص ما يعطي لذاكرتنا زيادة معرفة عن هذه المدينة وبحارها، وحكايات الناس فيها، ولقد كانت للجزر المتصلة بحريا بعدن الكثير من الأحداث عبر مدار الأزمان، وهذه بعض من أحاديث الأستاذ حمزة علي لقمان عن عدن وجزرها وبحارها.

ميناء عدن بين ساحل صيرة وسواحل الشيخ أحمد

في العدد 6 من مجلة «فتاة شمسان» الصادر يوم الأربعاء 1 يونيو 1960م الموافق 7 ذو الحجة 1379هـ السنة الأولى، وفي باب (صور من تاريخ عدن) نشرت هذه المادة التي تقدم عدة إجابات عن أسئلة القراء، وهذا هو نص المادة التاريخية: «س: منذُ متى عُرفت عدن كميناء بحري عظيم؟

ج: منذُ أيام سبأ وحمير، فقد كانت عدن مرسى للسفن الصغيرة والكبيرة التي تصل إليها من الهند وغيرها من بلدان الشرق، تحمل البضائع الثمنية، إما للاستهلاك المحلي أو ليعاد شحنها إلى بلدان أفريقيا ومصر والشام.

س: هل معنى هذا أن عدن كانت تحتكر التجارة مع هذه البلدان؟

ج: لقد ذكر بحار يوناني ميناء عدن، زارها في أيام دولة حمير، فقال: إن عدن احتكرت تجارة الهند، وإنها كانت وسيطة بين تجارة الهند وتجارة مصر.

س: وكيف كانت علاقة عدن بتلك البلدان؟

ج: بحكم مركز عدن الهام كانت عدن محط أنظار التجار من مختلف البلدان، وخاصة الهند ومصر وأفريقيا والإمبراطورية الرومانية، لأن الرومان كانوا ينظرون إلى عدن بعين الغيرة والحسد وخصوصا في أيام القيصر كلوديوس، الذي أراد أن يحول تجارة الهند إلى الموانئ المصرية رأسا بدلا من مرورها بعدن، ولم تكن أمامه سوى طريقة واحدة لذلك وهي تخريب ميناء عدن.

س: وماذا فعل القيصر كلوديوس؟

ج: أرسل حملة عسكرية، تمكنت من تخريب ميناء عدن والهبوط بمستواه.

س: وماذا حدث بعد ذلك؟

ج: في أيام الملك الحميري مرثد بن عبدكلام استعادت عدن مجدها القديم، وازدهرت تجارتها، وسكنها تجار الهند ومصر وأوربا، وكان ذلك في أيام حكم القيصر قسطنطين، حتى أن الرومان سموا عدن روما ثم (أمبوريم) أي المستودع الروماني.

س: ومتى كان ذلك؟

ج: حوالي سنة 340 ميلادية أي قبل الإسلام بحوالي 300 سنة.

س: وكيف صارت عدن وصار ميناؤها بعد الإسلام؟

ج: كانت عدن زاهرة في أيام دولة بني الصليحي، وكان يحكمهابالنيابة عنهم بنو معن، وذلك حوالي سنة 450 هجرية، ثم في أيام بني زريع كانت الحركة التجارية في عدن نشيطة خصوصا بعدما استقل بنو زريع بعدن وانفصلوا عن دولة بني الصليحي، أما في أيام بني أيوب فقد زادت عدن في نشاطها وبالخصوص في أيام نائبهم فيها أبو عثمان عمر بن علي الزنجبيلي الذي حكم عدن من سنة 569 إلى سنة 589 هجرية.

س: هل يمكن أن تعطينا فكرة عن حالة عدن وأهلها في تلك الأيام؟

ج: نعم، كانت الحركة التجارية مركزة في جبل صيرة وساحل صيرة والمناطق القريبة منه، وهناك كانت السفن تلقي مراسيها، وقد وصفها الرحالة العربي ابن بطوطة، فقال: «إنها مرسى بلاد اليمن، وتقع على ساحل البحر الأعظم، والجبال تحيط بها، ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد، وإنها مرسى أهل الهند، تأتي إليها المراكب العظيمة، وتجار الهند ومصر ساكنون بها». وقال ابن بطوطة: «إن أهل عدن ما بين حمالين وصيادين وتجار، وللتجار منهم أمول عظيمة، وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع مافيه، لا يشاركه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال، ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة».

س: وهل وصف ميناء عدن أحد غير ابن بطوطة؟

ج: نعم وصفها صلاح الدين ابن الحكيم فقال: «ولا ينقضي أسبوع إلا ويدخل إلى الميناء عدد من السفن، فيزورها التجار حاملين بضائعهم المتنوعة، ويكسب أهلها أرباحا كبيرة».

مبنى الجمارك في المعلا المحاذي لفرضة المعلا Maalla Wharf أي مرسى السفن الشراعية، وكانت الفرضة أو المرسى أقدم موانئ عدن قبل الاحتلال البريطاني 1839م، واستمر يتطور منذ بداية القرن العشرين كمرسى وميناء لاستقبال السفن وصيانتها وكذلك بناء السفن.
مبنى الجمارك في المعلا المحاذي لفرضة المعلا Maalla Wharf أي مرسى السفن الشراعية، وكانت الفرضة أو المرسى أقدم موانئ عدن قبل الاحتلال البريطاني 1839م، واستمر يتطور منذ بداية القرن العشرين كمرسى وميناء لاستقبال السفن وصيانتها وكذلك بناء السفن.
وحين يتهيأ الربان للسفر فإنه يرفع رآية ليجتذب أنظار التجار الذين يسرعون إلى الساحل، ووراءهم عبيدهم يحملون الملابس الثمينة والأسلحة النافعة، وتقام أسواق على الساحل ويأتي الأهالي ليتفرجوا.

س: وكيف هبط مستوى عدن بعد ذلك؟

ج: استمر ميناء عدن نشيطا في أيام بني الصليحي وبني زريع وبني أيوب وبني رسول وبني طاهر، ثم بعد الغزو العثماني في سنة 1538 ميلادية بدأت عدن تتعرض لغزو رجال القبائل حتى ضاق التجار بتلك الحالة فبدأوا يهجرونها ثم مر العثمانيون من اليمن واستولى عليها أئمة الزيدية، أما لحج وعدن فقد استولى عليهما فضل بن علي السلامي مؤسس الدولة العبدلية سنة 1832م، فتمزقت عدن وهبط مستواها وتخرب دورها وهجرها تجارها، وفقدت مجدها وعظمتها، خصوصا أن رجال القبائل من يافع والعبادل وأبين كانوا يغزونها وينهبونها ويخربونها.

س: لقد ذكرت أن ميناء عدن كان في صيرة فمتى انتقل إلى التواهي؟

ج: كانت منطقة صيرة تسمى الخليج الأمامي، ومنطقة التواهي الخليج الخلفي أو الخليج الغربي، وكانت دار الفرضة تقع في صيرة إلا أنه في سنة 1755م بنى بعض التجار العرب والهنود مرسى في المعلا، وفي سنة 1864م انتقلت دار الفرضة من صيرة إلى المعلا، وبذلك بدأ مجد ميناء صيرة بالزوال، وفي سنة 1867م بنت الحكومة الإنجليزية دكة في ساحل الشيخ أحمد بالتواهي، وبذلك صارت التواهي تستقبل السفن بدلا من صيرة».

في كتابة تاريخ الجزر اليمنية الصادر عام 1972م عن مطبعة يوسف وفيليب الجميل في بيروت، يقدم لنا عدة معلومات تاريخية عن جزيرة صيرة التي تقف تجاه مدينة عدن كحارس أمين، تصلها بالمدينة طريق كانت تتسع لعربة واحدة في وسطها جسر تمر من تحته قوارب صيد الأسماك.

ويرى الكاتب حمزة علي لقمان أن تاريخ هذه الجزيرة ارتبط بتاريخ عدن، لأنها ظلت لعدة قرون من الزمان المركز الأمامي في الدفاع عن ميناء صيرة من جهة البحر، وفي فترات من تاريخ عدن كان السجن والجمارك في جزيرة صيرة، كما لعبت الجزيرة عدة أدوار هامة خلال الغزوات البرتغالية والمصرية والعثمانية والبريطانية، وكانت بها مواقع على الانتصارات والمآسي، وظلت الصلة بين البر والبحر.

ومن كتب الحكايات يشير المؤلف إلى أول الأساطير، وهي أن (قابيل) بعد أن قتل أخاه (هابيل) هرب إلى عدن مع أخته (أقليمة) خوفا من غضب أبيهما (آدم)، وبعد دفن جثة هابيل فوق جبل في عدن كان يعرف باسم جبل التعكر، يعرف الآن باسم جبل حديد، ظهر لهما إبليس وأغراهما على النار وبنى لهما معبدا فوق جبل صيرة.

ويذكر نقلاً عن القاضي أبي الطيب بامخرمة أنه قال: «في رأس جبل صيرة حصن قديم فيه رتبة، وسمع أن القاضي العدني جمال الدين ابن كبن طلع إلى رأس هذا الجبل، ومعه جمع من أعيان عدن، فأدلوا بالبئر المذكورة حبلا، ثم رفعوا وقد احترق طرفه، وقال شيخنا الوالد ـ رحمه الله ـ فلما حكيت هذا القصة للملك المجاهد علي بن طاهر قرر أن يصعد إلى الجبل في يوم مقرر، ولكن حين حل ذلك اليوم وصلته أخبار بمقتل أخيه الملك الظافر عامر بن طاهر عند أبواب صنعاء، فألغى رحلته إلى الجبل وغادر عدن إلى صنعاء».

أما المؤرخ ابن المجاور، فقد ذكر أن جبل صيرة به بئر تعرف باسم (عنبر)، وقد عرفت عند أهل عدن باسم (بركة عنبر)، وسميت عند حكماء الهنود (بيران) ويخرج منها دخان لسنوات طويلة من الدهر، وعرفت أيضا باسم (بئر الهرامسة)، وليس لإنسان المقدرة على النظر فيها من شدة وهج النار، وتوجد حول البئر حجارة مكسرة وأفاعٍ وحيات قائمات.

عُرف عن عدن منذُ عهود سحيقة من التاريخ أنها منطقة بركانية، لذلك ظهرت حولها الحكايات الشعبية والأساطير، إضافة إلى موقعها الجغرافي الاقتصادي والعسكري الذي جعلها ملتقى الشعوب والثقافات، وما أفرز عنها من معالم ومعارف كانت عدن الوعاء الحاوي لكل هذا، وذلك ما قدمت بعضا منه كتابات حمزة علي لقمان.

جزيرة العبيد وجزيرة الشيخ أحمد

بعد نقل الميناء إلى منطقة التواهي أطلق عليه بندر التواهي، ويتكون من شبه جزيرة جبل إحسان غربا وجبل شمسان شرقا ويصل طوله حوالي 8 أميال من الشرق إلى الغرب، أما العرض فيبلغ 4 أميال، وينقسم إلى خليجين بواسطة لسان أرضي تمتد نحو نصف ميل إلى الجنوب، ومن جزيرة علاية ،أما المدخل بين رأس سليل في الغرب ورأس طارشين في الشرق يبلغ 3 أميال وفي العرض ثلث ميل.

في هذا المحيط المائي المتصل جغرافيا بعدن توجد عدة جزر أكبرها جزيرة العبيد، عرفت باسم جزيرة السواعي، وهي سفن مصنوعة من الأخشاب (شراعية)، كانت تصل من عدة مدن بحرية، مثل صور في سلطنة عمان وزيلع في الصومال، وتقع جزيرة العبيد في مرسى السفن الشراعية في المعلا تجاه باب السلب في الجانب الشمالي من جبل حديد، وقد وجدت في هذا المكان دكة الكباش التي كانت تنقل من بر الصومال إلى عدن بواسطة هذه السفن، وترتفع أعلى قمة فيه حوالي 300 قدم، وقيل أيضاً عن هذه الجزيرة إنها كانت تستخدم كمركز لتطعيم الحجاج قبل السفر بحرا.

من عدن إلى الأراضي المقدسة

ويقول الأستاذ حمزة لقمان عن هذه الجزيرة: «وفي وقت الجزر يمكن للأنسان الوصول إليها من الطريق البحرية المرتفعة التي شيدت في البحر لتربط منطقة خورمكسر بمدينة الشيخ عثمان وبالطريق المؤدية إلى مدينة الشعب وعدن الصغرى، وحين ردم البحر لبناء أرصفة المعلا صارت جزيرة العبيد مرسى إضافيا ومعملا لترميم السفن، وشيدت في الجزيرة معامل وبنايات ومصانع لتعليب الحليب، ونجارة ومخازن ومستودعات ونادٍ للزوارق.

وأمام جزيرة العبيد تتناثر جزر صغيرة بنيت على اثنتين منها مستودعات لتجفيف وخزن السمك والجلود، وهذه الجزر هي صخرتا الأخوين علاية ومرزوق الكبير وقيس الحمال وقلفتين، وبين خليج الغزو (كونكوست بيه) ورأس عنتوف تقع جزيرة دنافة الخالية من السكان.

وفي منطقة عدن الصغرى تتناثر جزر صغيرة وصخور بارزة هي سليل والمربعة والطويلة وغيرها.

أما جزيرة الشيخ أحمد فصخرة تقع في ميناء التواهي، سميت باسم الولي الشيخ أحمد الصياد المقبور في سفح جبل الساعة المطل على ميناء التواهي، ويعتبر من المعالم التي يرغب الزوار والسواح في التقاط صور لها، لأن مسجد الشيخ أحمد الصياد هو أول ما يقابل السواح عند نزولهم إلى الرصيف، وحين احتل الإنجليز عدن وقع اختيارهم على ساحل الشيخ أحمد ليكون محطة لخزن الفحم، لأن السفن كانت تستطيع الرسو على بعد 100 ياردة من المحطة.

وقد شيدت فوق الجزيرة بنايات لتكون محجرا صحيا، وبعد إلغائه استعملت البنايات كمنازل للموظفين، وفي يناير 1968م تحولت البنايات إلى مدرسة لتدريب ضباط الهجرة».

جزيرة ميون

تبعد جزيرة ميون عن ميناء عدن مسافة 100 ميل بحري و200 ميل عن جزيرة كمران، وهي تقع في مضيق باب المندب على بعد ميل ونصف من الساحل العربي و11 ميل من الساحل الأفريقي، وتفصل باب المندب إلى قسمين، الأول المضيق الصغير الذي يفصل الجزيرة عن الشاطيء العربي، ويتكون عرضه من 3 كيلو مترات، والثاني المضيق الكبير وعرضه نحو 21 كيلو مترا، ويستخدم المضيق الصغير لمرور السفن نظرا لوجود مجموعة من الجزر البركانية الصغيرة والمعروفة باسم (الأخوات السبع) في المضيق الكبير.

وعن تكوين الجزيرة يشير الأستاذ حمزة علي لقمان إلى أنها تتكون من تشكيلات صخرية بركانية هي عبارة عن مجموعة من التلال المنحدرة نحو الشاطيء، واسعة آمنة يبلغ طولها حوالي ميل ونصف وعرضها نصف ميل وتحيط بالميناء، أما أعلى قمة مرتفعة تصل إلى 245 قدما، وقد زارها البحار اليوناني مجهول الاسم الذي ذكرها في كتابة (الطواف حول البحر الأحمر) باسم ديو دورس.

في عام 1511م احتلتها قوات بحرية برتغالية بقيادة الفونسو ديليو كيرك عند عودته من البحر الأحمر، وقد أقام بنايات عسكرية في الرأس الشمالية للميناء، ولكن انسحبوا منها لعدم وجود المياه الصالحة للشرب، وفي عام 1738م جاءها الفرنسيون وقاموا بحفر بئر ماء، لكنهم أنسحبوا لنفس السبب.

وبعد امتلاك بريطانيا لعدن عام 1839م احتلت جزيرة ميون عام 1857م وقامت ببناء فنار يصل ارتفاعه إلى 90 قدما، وأمكن مشاهدة أنواره من على مسافة 22 ميلا، ولذلك العامل أرسلت حكومة الهند جنودا لحراسة الفنار، وفي عام 1912م تم تحسين حالة الفنار وجهز بفتيلة وهاجة، وكانت في تلك الفترة تعد من أحدث ما يمكن تقديمه في مجال الخدمات في هذا الجانب.

عام 1883م أسست هيئة تجارية في الهند شركة للفحم في الجزيرة تدار من بومباي، غير أن اسمها حول بعد ذلك إلى (شركة بريم للفحم)، وأصبحت تدار من لندن، وفي عام 1884م أقامت شركة البرق الشرقية محطة لها، وأوصلت الأسلاك من تحت البحر إلى عدن وإلى الساحل الأفريقي، وظلت الشركة تعمل في تموين السفن حتى عام 1936م.

وخلال تلك الحقبة أسست مدينة ميون الصغيرة التي تكونت من البيوت والفيللات والمعامل والمنشآت والفنادق لاستقبال السواح وركاب السفن ومكاتب الشركات والمباني الحكومية، ومدرسة ومسجد ونادٍ رياضي ومصنع لإنتاج الثلج، وعدة ممرات للسفن ومحطة تقطير لمياه الشرب من مياه البحر، وأقامت سلطة للميناء لها مرشدون بحريون، وخدمات صحية ومهندسون للسفن التي كانت تزور الجزيرة من أجل التزود بالوقود والمواد الغذائية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى