«الأيام» تطوف بديار قلعة المقاطرة وزريقة الشام:لوحات طبيعية معلقة تحاصرها وعورة المكان وأسوار العزلة والحرمان

> «الأيام» علي الجبولي:

>
على رقعة واحدة يكاد يمتزج المنزل، المدرج الصخر والجبل
على رقعة واحدة يكاد يمتزج المنزل، المدرج الصخر والجبل
توحد التضاريس الطبيعية وتنوع التضاريس الاجتماعية ..تكاد تضاريس المقاطرة أن تتوحد، بيد أن الزائر يلمس تنوعاً آخر هو تنوع التضاريس الاجتماعية،عمارات فخمة توحي بوجود شريحة موسرة عمادها تجار ومهاجرون وأرباب أعمال.

مدرجات زراعية ومشاهد رصات خلايا النحل والإبل والأغنام توحي بخارطة شريحة المزارعين والرعاة، وعلى هامش مدينة التربة وامتداد بلدات المقاطرة مشاهد فئة المهمشين (الاخدام) غالبا ما يتولون الأعمال الشاقة والثانوية، وبعضهم أجبرته الفاقة وضيق الحال على امتهان الشحاذة مما يوحي بحضور ملحوظ لهذه الفئة مع أن التمييز والاضطهاد وضيق الحال أجبر كثيراً منهم على النزوح من المنطقة.

بين ثنايا هذا التنوع الاجتماعي تحتل المرأة في المقاطرة مكانة المهمش الأول، على امتداد المكان والزمان. فأينما يمد الزائر نظره يجد المرأة العاملة الأكثر كدحاً وإنتاجاً، تحرث الأرض، تحصد المحصول، وفوق رأسها تجلب الماء، الحطب، والحشيش من مسافات شاسعة ووعرة.

بيد أن التقاليد الريفية تحول دون تصوير تلك الإنسانة المستخدمة في تحمل جل النشاطات السكانية وكل الأعباء المنزلية، أما نسبة التحاقها بالوظيفة العامة فضئيلة جدا، في حين نسبة التحاق الفتاة بالمدرسة خاصة في المقاطرة شديدة التدني لأسباب عديدة أهمها الحالة المعيشية، التمييز الجنسي، القيود الاجتماعية، ضعف الترابط الأسري، التشتت السكاني، الزواج المبكر والمتعدد.

عن نسبة التحاق المرأة بالوظيفة العامة ونسبة التحاق الفتاة بالمدرسة يقول الأخ رئيس قسم شئون الموظفين بإدارة التربية والتعليم في المقاطرة: «عدد الطلاب والطالبات في التعليم الأساسي والثانوي نحو 17 ألف طالب وطالبة منهم نحو 7 آلاف طالبة، يشكل منهم طلاب المرحلة الثانوية أكثر من ألفي طالب وطالبة، منهم 770 طالبة فقط. في حين عدد المدارس 58 مدرسة، منها 20 مدرسة أساسية- ثانوية، أما عدد موظفي القطاع التربوي من المعلمين والمعلمات والإداريين والعمال فيبلغ 822 موظفا، منهم 63 معلمة وموظفة فقط» هذه النسبة سواء للفتيات الملتحقات بالمدرسة أو العاملات في قطاع التعليم لا شك أنها تشكل نسبة متدنية إذا علمنا أن تعداد سكان مديرية المقاطرة يصل إلى قرابة 70 ألف نسمة.

حيثما يمتزج الروع بالروعة

انضمت للركب شخصيات اجتماعية بارزة في زريقة الشام الشيخ سعيد السلامي والشيخ أحمد قائد حوفكي مرافقين للشيخ علوي الزريقي العضو البرلماني السابق الذي أضفى على الرحلة حيوية ومهابة وأنسانا بعض الإرهاق ومشاق الطريق.

انحرفنا في طريق جبلي وعر باتجاه قرية (الشرجة) أول قرى زريقة الشام في المقاطرة، مساكن تتبعثر على رؤوس الآكام والتلال وأخرى تلوذ بأحضان وسفوح الجبال العالية وبعضها بمحاذاة الشعاب أو على أطرافها. يتداخل السكن بالأرض الخصبة والمدرجات الزراعية. أراض خصبة رغم استحواذ الجبل على معظم المكان، أينما مددت النظر شطر التربة خلفك أو نحو زريقة الشام ترى دوراً كأعشاش نسور مطوفة بالحسن على قمم وصخور الجبال الشاهقة، اجتزنا الشرجة نحو سلسلة جبال منيف ، قور، الحمل ،الظاهرة، لزيارة زريقة الشام.

الطريق، البيت، المدرجات الزراعية تتنافس على الجبل
الطريق، البيت، المدرجات الزراعية تتنافس على الجبل
تناثر سكاني مبعثر تغلق عليه الجبال الشاهقة من الجهات الأربع «فرضت عليه البيئة الجبلية أسوار المنفى» (محمد العزعزي «الأيام» العدد 5234).

ما أن اجتزنا نجداً وعراً حتى وجدنا أنفسنا قد استوينا فوق جبل شاهق يتصل بسلسلة جبلية كأنها لوحة معلقة في السماء وتحت أقدامنا قاع سحيق يكاد لا يكون له قرر من يغامر وينظر إليها يلفه الروع والدوار. معالم بيئية خلابة ترسمها أشجار نادرة من الفروش والنشام والقرنيط والسرح والعرعر والضروب وارفة الظلال زكية الرائحة نسور وعقاب وطائر رخام تحلق حيناً تحتنا وحيناً فوق رؤوسنا لتضفي على المكان إحساساً بالوحشة والمهابة. ولكن رغم الخوف ورهبة المكان ثمة طبيعة زاخرة بالروعة والجمال ومعالم تضاريسية وسحر طبيعة تمتزج فيها المهابة والغرابة ،مناظر خليقة بجذب السياح المحليين والأجانب لاسيما هواة المغامرات وتسلق القمم .

فصوص در تزين قلادة حسناء

تعد قمة منيف أعلى قمم جبال المقاطرة بما فيها قلعة المقاطرة الشهيرة. على مرمى البصر تحتنا وقبالتنا تتبدى زريقة الشام. دور وأشكال بناء تتعلق على قمم وصخور الجبال الشاهقة كفصوص در تزين قلادة حسناء.

تتكون زريقة الشام من عدد من قرى وتبعثر سكاني يكاد يكون لا رابط لعقده المتناثر على رؤوس وأحضان وسفوح الجبال الوعرة. يصل عددها سكانها نحو 12 ألف نسمة يشكلون ثلاثة مراكز انتخابية (الدريح ، الجمرك ، أقيان) في محلي مديرية المقاطرة بمحافظة لحج، أما برلمانياً فإنها تنضم للدائرة الانتخابية (61) بمديرية الوازعية بمحافظة تعز.

قيل لنا إن من يصعد إلى قمة منيف ليلاً بميسوره مشاهدة أضواء مدينة عدن على بعد نحو 140كم جنوباً، وأضواء مدينة جبوتي قبالة السحل الغربي للبحر الأحمر وإن كان على بعد أقل ، أما فوق قمة جبل الظاهرة فهضبة مستوية تشبه مطاراً سالكاً لهبوط المروحيات.

أشبه بحزام يلف خصر فارس يمتد ما أسموه طريق القريشة - زريقة الشام ، بطول حوالي خمسة كيلو مترات يتلوى في عرض وخواصر جبال منيف، حمل، قور، الظاهرة والسلسلة الجبلة المتصلة بها. طريق غالباً نحتته الأيدي في الصخر الأصم ،حيناً في عرض الجبل وحيناً في طوله، لا تستطيع عبوره سوى سيارات (التيوتا) في أكثر من ساعتين. معبر مغامرات مرعب ومرهق وغير محسوب العواقب سموه مجازاً طريقاً يحوم عليه الموت من فوقه ومن تحته.

في منتصف السبعينات نحت ذلك الطريق في عهد الرئيس المرحوم إبراهيم الحمدي، أهالي المنطقة مازالوا يتذكرون الفضل لرجل اسمه عبد الرحمن الصريمي في شق هذا الطريق، لا أدري إن كان هو عبد الرحمن الصريمي الفدائي الشهير قائد فرقة صلاح الدين الفدائية إبان مرحلة الكفاح المسلح.آنذاك فقط عرف سكان تلك المنطقة السيارة لكن الطريق كثيراً ما تجرفها السيول والأمطار وتغلقها الصخور المتساقطة فيعيدون شقها من جديد بأيديهم، أما خطر تردي السيارات بمن فيها أو تردي السائرين فلن يبرح المكان في أمد منظور، مع ذلك يعدونها شيئاً من لا شيء. تصل تلك الطريق إلى مواضع معينة فقط، بينما هناك كيانات سكانية تفتقر للطريق ولو كان معبر مغامرة.

مشهد من البيئة المقطرية
مشهد من البيئة المقطرية
أمام ذلك التشتت السكاني في تلكم الطبيعة القاسية لا يملك الزائر إلا أن يتساءل، ما الذي يجبر هؤلاء الناس على العيش في هذه الطبيعة القاسية؟ ألم يكن بمقدورهم السكن في أماكن أقل وعورة؟ وأية خدمات وتنمية يأملون أن تصل إلى هذا التشتت السكاني في هذه الطبيعة الوعرة ؟

قال أحدهم:«بعض الناس رحلوا إلى المدن والمناطق الأخرى لكن قلة حيلة بعضهم وارتباطهم بالأرض والماشية جعلهم يفضلون البقاء في المنطقة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى