الوحدة أولا.. الوحدة أخيراً

> د. عيدروس نصر ناصر:

> شكلت الحركة الاحتجاجية السلمية في المحافظات الجنوبية، (والتي بدأت في الامتداد إلى بعض المحافظات الشمالية)، شكلت نقلة نوعية في الحياة السياسية اليمنية، وفي حركة المعارضة والاحتجاج على الساحة اليمنية عموماً، فلم تشهد اليمن طوال تاريخها الحديث وربما القديم أية مسيرة مدنية سلمية، يشترك فيها عشرات الآلاف، ناهيك عن مئات الآلاف، إلا تلك المسيرات التي تدعو لها السلطة لتأييد سياساتها أو للضغط على زعمائها من أجل ترشيح أنفسهم للمناصب العليا، وفي الغالب يكون جمهور هذه الفعاليات من الموظفين الحكوميين ورجال الأمن والجيش وطلاب المدارس والجامعات، وكل هؤلاء يحضرون هذه الفعاليات بالإكراه وتتخذ بحقهم العقوبات في حالة غيابهم عنها.

وللأسف الشديد ما تزال السلطة اليمنية تتعامل مع مطالب هذه الحركة الاحتجاجية على أنها عمل تأمري معادٍ للوطن ويستهدف الوحدة، في خلط متعمد بين الظلم والفساد كقيمتين تنتسبان في نظرية الأخلاق إلى قائمة الرذائل، وبين الوطن والوحدة كقيمتين ساميتين تقعان في قائمة الفضائل، بالرغم من اعترافها بوجود المشكلات التي استدعت تلك الاحتجاجات، والتي جاءت بفعل السياسات الخاطئة التي تمارسها هذه السلطات منذ 7/7 وإعلانها (أي السلطات)عن تكليف وزراء وتشكيل لجان وتكوين فرق العمل لمحاولة الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه من جراء تصاعد النضال السلمي لضحايا حرب 1994م المشؤومة.

على أن المهم هنا هو الحفاظ على الطابع السلمي المدني للنضال الذي اختطته الفعاليات المدنية والسياسية في المحافظات الجنوبية، وفي المقدمة منها جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين والأمنيين وجمعيات العاطلين عن العمل، وعدم الانجرار إلى طريق الفوضى والعنف الذي ترغب السلطات الأمنية في جر المواطنين إليه، ليسهل عليها الإجهاز على هذه الحركة الاحتجاجية بحجة مخالفتها للدستور والقانون.

لقد أكدت الفعاليات السلمية المتنامية التي تشهدها المحافظات الجنوبية منذ النصف الأول من العام 2007م، أن السلطات اليمنية التي ما انفكت تتغنى بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان لا تتعدى علاقتها بهذه المفاهيم مجرد الألفاظ التي تتكلم بها وأنها تضيق ذرعاً بمجرد خروج الناس في فعاليات سلمية مدنية للتعبير عن رغبتهم في المصالحة والتسامح وطي صفحات الصراع والاختلاف، وتجسيد حقهم في رفض الظلم والنهب والتجويع والاستبعاد، وكافة السياسات التي تجلب لهم الويلات وتسحقهم بالمعاناة والآلام.

ولعله من اللافت أن معظم الفعاليات التي شهدت أعمال عنف وإسالة الدماء كانت تلك التي تتدخل فيها الأجهزة الأمنية من ردفان إلى الضالع فالمكلا وعدن، وعندما تغيب تلك الأجهزة تسير الأمور على ما يرام وليس أدل على ذلك من مهرجان الذكرى 44 لثورة 14 أكتوبر الذي احتشد فيه ما يزيد على مائتي ألف مشارك والذي لم يشهد أي شكل من أشكال الاحتكاك حتى وإن بسبب التزاحم، مما يعني أن كل عنف أو شغب لا يحدث إلا بسبب تدخل الأجهزة وربما بتخطيط مسبق منها.

وينبغي لقيادة الفعاليات الاحتجاجية أن تعي جيداً أنها لا يمكن أن تطلب من هذه السلطة القمعية الكيفية التي تتعامل بها (أجهزة السلطة) مع مطالبها وفعالياتها، وأن حجر الزاوية في هذه الفعاليات هي وحدة صف المشاركين فيها أولا وأخيراً وتوحيد خطابها وواقعية مطالبها، والتركيزعلى القضايا الرئيسية، وما أكثرها، وترحيل القضايا الخلافية، والترحيب بكل المشاركين والمؤازرين أفراداً أو أحزاباً أو منظمات، وعدم استبعاد أحد، وبذلك تكون قد فوتت الفرصة على الذين يرغبون في تمزيق الحركة الاحتجاجية وتفكيكها وتوسيع دائرة خصومها، وتصويرها على أنها مجموعة من الفوضويين الذين لا يجمعهم سوى (عدائهم للوحدة) ومن ثم تصوير الذين دمروا الوحدة وقضوا على مضمونها الديمقراطي وحولوها إلى غنيمة حرب على أنهم الوحدويون الحقيقيون والمدافعون عن الوحدة، وهم في حقيقة الأمر أبرياء من كل ذلك.

ولسنا بحاجة إلى تذكير الزملاء في قيادة الفعاليات الاحتجاجية بأن قوتهم تكمن في وحدتهم وتماسكهم وتوسيع دائرة الأنصار بانفتاحهم على كل من يدعم مطالبهم، وتضييق دائرة الخصوم، وأن بطش السلطة وقمعها لن يتمكنا من إطفاء جذوة الحركة الاحتجاجية، وأنه ليس هناك أخطر على هذه الحركة السلمية المدنية المتحضرة من انحرافها عن طابعها السلمي وانصراف قيادتها إلى الخلافات الجانبية وترك القضايا المفصلية والتركيز على الجزئيات والصغائر والخلط بين الأصدقاء والخصوم.

ملحوظات أخيرة

- أحد كتبة الحزب الحاكم بعد مقالة سابقة لكاتب هذه السطور في «الأيام» الغراء اتهم العبد الفقير لله (الذي هو أنا) بأنه يمثل المتعهد لضحايا الحرب وقادة النضال السلمي في البرلمان، وهي تهمة أعتز بها (وإن كنت لست وحدي) وأسأل الله أن يمكنني من الإيفاء بها.

- حملة الاعتقالات التي سبقت وتلت مهرجان 13 يناير للتصالح والتسامح، تكشف عن رغبة السلطات الأمنية في تمييع قضية الاعتداء على المهرجان، والبحث عن متهم وهمي (نعلم وتعلم هي أنه بريء من التهمة) بغية إخفاء الجاني الحقيقي وحمايته من المثول أمان القضاء.

- تحية شخصية أتوجه بها (كعضو في المجلس التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين) لسكرتارية الاتحاد فرع عدن على قراءتها المعمقة للواقع الجنوبي الذي تضمنه بيان الفرع المنشور في صحيفة «الأيام» منتصف الأسبوع الفائت.

* عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى