وترجل الفارس عنا في أصعب الظروف!

> صلاح القعشمي:

> يعجز المرء أحيانا عن الاسترسال والحديث عما يجيش في صدره وحياته، لشعوره بأن الكلمات لا تفي بالقصد شيئا، ولا تحقق الهدف كاملا، خصوصا عندما يكون الحديث عن هامة وجهبذ عظيم وعلم متبتل وعابد وجل، أجهد نفسه ليسعد غيره، وقدم الكثير لينعم أهله ومجتمعه بالخير. لذلك فقد حاولت جاهدا أن أبادر إلى صياغة هذه العجالة وفاءا لبعض الحق في أحد أبرز رواد هذه الأمة وفحولها الأخيار، مع علمي الأكيد بأن الحديث عن فقيدنا الراحل لا يفيه حقه.

إن فقيدنا الراحل المرحوم الشيخ عمر قاسم العيسائي، الذي منحه الله نفسا كبيرة وسعة في كل المقاييس، وحباه الله يدا سخية، وسطر سجلا عظيما، ستحكي كل الأجيال المتعاقبة عن كل ما قام به من أدوار جبارة وخالدة خلال مسيرة حياته، وعلى كل المستويات.

ولعمري إن الجهابذة والنذر من الرجال ومنهم فقيدنا الراحل عنا لم يبلغوا هذا المستوى الرفيع من المجد والرفعة إلا لأنهم لم يتركوا خرما حتى كسم الخياط تلج فيه رغبات الأنفس، فكان ممن أماتوا مطامعهم وحب الذات والأنانية، وجعل عمله كله ابتغاءً لمرضات الله في هذا الممر الدنيوي إلى حياة لا فناء فيها ولا جزع. وحق فيه قول الشاعر:

إن لله رجالا فطنا

طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا

أنها ليست لحي وطنا

جعلوها لجة واتخذوا

صالح الأعمال فيها سفنا

نعم لقد كان فقيدنا الراحل كذلك، وينطبق عليه ما قاله القائل في تلكم الأبيات، مع علمى أنني لم أكن من جلسائه ولم ألتق به قط.. ولكن أعماله الجليلة خير شاهد، فكم هي الأكف التي ترتفع في الدعاء له.

لمَ لا وهو الذي أعطى الكثير لكثير من المعدمين وذوي الحاجة بطيبة نفس وسخاء دون منّ أو أذى.

لقد كان مجمل وقته في الطاعة لباريه عابدا، صائما، شاكرا، محبا للصلاح، وفعل الخيرات، فضلا عن ورعه وزهده في الدنيا، متعطشا للآخرة، كان ذا خلق حسن واضح مع كل الناس، يكره النفاق ولا يقبل النميمة، وملتزما للمواعيد، لم يخلف موعدا قط، قلمّا يوجد له نظير، منّ الله عليه بالمال والسخاء والتواضع والفراسة، لاحصر لمناقبه ومآثره الخالدة التي يتحدث عنها الكثير ممن عايشوه.

لقد كان- رحمه الله- يحث على العمل الصالح والاهتمام بالعلم، وقدم بسخاء منقطع النظير للجانب التعليمي، وكم كانت فرحته كبيرة وعظيمة عندما بلغه خبر إنشاء كلية التربية في يافع، وتحمل تكلفة إنشائها وتأثيثها وتزويدها بأجهزة الكمبيوتر والمعدات المختلفة التي بلغت تكلفتها الإجمالية أكثر من مائة مليون ريال.

ضف إلى ذلك مساهماته الكبيرة في إنشاء عدد من المدارس والمساجد وشق الطرقات وكفالة الأيتام وإفطار الصائم ورعايته الفقراء والمعوزين، ولمس الكثيرون عطاءه في البوادي والمدن ووصل إلى أبعد الأصقاع، حريصا على تنفيذ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يتم المعروف إلا بثلاث: ستره، تحضيره، وتعجيله». لقد كان فقيدنا- رحمه الله- الرجل الكيّس المحنك الذي لايشق له غبار، ولا تنطلي عليه الحيل، وصاحب قلب رحيم، ومتسامحا لا يحمل عداوة ولا بغضاء لأحد، صبورا متحملا، يقابل الجهل بالعفو والصفح.

تلكم نفحات موجزة عن فقيدنا الراحل، ولم أطمع في تعداد فضائله، وحسبي هذا هنا، وإن لم أقنع بما أوجزت.

راجيا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى