ماذا نريد؟

> د.هشام محسن السقاف:

> الوحدة ليست صنماً من تمر يُعبد ويأكله عابدوه، بل هي هدف سام يتحول إلى وسيلة لتحقيق كرامة الإنسان وحريته

حزب رابطة أبناء اليمن

الخطاب الإعلامي الرسمي المتسم بأقصى درجات الشمولية، لن يلهينا عن قولة الحق والانحياز لقضايا وطننا المصيرية تحت ذرائع شتى، تبدأ من الثوابت المزعومة التي هي في ظاهر الأمر كلمة حق يراد بها باطل، كما ذهبت الخوارج في يوم من الأيام إلى تقديس غير المقدس أصلاً، على اعتبار أن مؤسسات الدولة -عسكرية أو مدنية- هي جزء لا يتجزأ من التوليفة الاجتماعية، ويسري عليها ما يسري على غيرها، فالثابت الوحيد -كما يقول هيراقليطس- هو التبدل المستمر وليس هنالك من ثابت في السياسة والاجتماع، ناهيك عن الاقتصاد إلا ما يكون من أمر الثوابت العقائدية الإيمانية في الدين دوناً عن تقديس الفقه والاجتهادات الإنسانية الأخرى، لأن النص القرآني مقدس بطبعه وثابت، والتفسير متبدل ومتحرك غير خاضع لمقاسات التقديس.

فاذا انتفى حراك الأشياء وتبدلها كمعادل ميكانيكي منتظم بقانونية التطور الإنساني المستمر، لدبَّ في الأوصال الموت التدريجي، البرودة والجمود والاضمحلال، ولدارت عجلة الحياة في فراغ لا ينتج إلا فراغاً مريعاً، وهو ما كان سبباً في انهيارات كبرى رأينا -بل وكنا شهود عيان عليها- يوم أن انهارت النظم السياسية الكبرى بسبب الأيديولوجيات (العقائدية) الجامدة سواء في الاتحاد السوفيتي أو رومانيا أو سواهما في مطلع العشر الأواخر من القرن الماضي.

فلا يجوز إطلاقا أن نتخطى أماني وحقوقاً وآمالاً مشروعة لقطاعات شعبية عريضة بحجة من الحجج المدفونة في القاموس الشمولي، كأن يكون حراك الجماهير في محافظات الجنوب خروجاً على الوحدة، بينما هذا الجنوب كان ساعيا على الراس- كما تقول الأغنية الصنعانية- وليس على الرجلين فقط لتحقيق هذه الوحدة، مضحياً بالثروة والمساحة والنظام الإداري العصري.

أما ما حدث منذ 7/7/1994 فقد أجهض فكرة نبيلة كان بالإمكان تطويرها لانتشال الأوضاع العامة، نحو دولة عصرية ديمقراطية حقيقية تحتكم للمؤسسات القانونية، ومن ثم تجاوز تعثر صنع الدولة المؤسسية في الشمال منذ الثورة وانتشال أوضاع الجنوب من مثالب التجربة الاشتراكية، بدولة ترضي الجميع وباستفادة الجميع من المزايا الحسنة في أي من الشطرين. لكن المؤسف أنه قد جرى تسويق نظام /اللانظام الجمهورية العربية اليمنية في المربعات الخالية بعد حرب الإخوة في صيف 1994 في المحافظات الجنوبية.

والذين اعتقدوا تحت نشوة النصر الذي يشبه الهزيمة أن الناس سوف تقبل في الجنوب أوضاعاً كهذه واهمون طبعاً، ولا ينبغي أن نكابر كثيراً أو نلجأ إلى تجزئة المشكلة، وحلها بضمادات لا تصل إلى عمق الجراح الغائرة، فمايزال هناك مجال لحل وطني شامل، بعيداً عن المناورة والدوس على أماني المواطنين وتطلعاتهم، سواء في محافظات الجنوب أو غيرها من المحافظات في الحياض الوطني، كأن تتجه النوايا مخلصة لدعوة وطنية للوفاق تشارك فيها خيارات الجنوب السياسية في الخارج والداخل، بعقد مؤتمر أو ملتقى يعيد للوحدة ألقها الضائع، والتقاط ما يرد في تصريحات الشخصيات السياسية البارزة من أبناء الجنوب مثل الأخ علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس وعبدربه منصور هادي والسيد عبدالرحمن الجفري وسالم صالح محمد وعلي سالم البيض وهشام محمد علي باشراحيل ومحمد حيدرة مسدوس وغيرهم من الخيارات والفعاليات السياسية والحزبية، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني لا تسعفني الذاكرة في ذكر أسمائهم، والعودة كما يجب إلى خيارات الوحدة المتكافئة المتوازنة التي لا تغمط الناس أشياءهم، ولا تجعل من قوة العادة والنفوذ والقبيلة والعسكر أدوات هدم لدولة يجب أن تبتني بطرائق مؤسسية ديمقراطية ينعم فيها الكل بالخير والأمن والمواطنة المتساوية، والتدوير السلمي للسلطة دون فواصل أو فوارق أو تمايز بين شرق وغرب وشمال وجنوب في كل ربوع الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى