قافلة التسامح والتصالح..تنشد الصلح

> أحمد عمر بن فريد:

> إذا كان للجنوب حق وواجب سياسي ينبغي علينا استعادته تجاه تاريخه وكيانه ودولته السابقة، فإن هناك في المقابل واجبا اجتماعيا حتميا ينتصب أمامنا جميعا تجاه إخواننا وأبنائنا من مختلف القبائل الجنوبية التي ابتليت شر البلاء بداء الثأر القبلي الأهوج المتخلف الذي أعاد تلك الكيانات الاجتماعية إلى أجواء العصور الجاهلية التي يحكمها ويسودها منطق الاقتتال واستباحة الدماء وإزهاق الأنفس البريئة، وزيادة دارة الأيتام والأرامل، وزراعة الخوف والشقاء والضنك والأحزان في مختلف مناطق الاقتتال القبلي.

ومن قبيل الصدفة وحدها وبينما كنت أهم بكتابة هذا المقال.. تلقيت مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء أسمعني فيها صوت (القصف المدفعي) المصوب من قبل إخوانهم تجاه مرابعهم الصغيرة بما حملت في أحشائها من نساء وأطفال وشيوخ.. وفي الحقيقة أنك وبمجرد أن تستمع لتك الأصوات النشاز من النيران الصديقة يتبادر إلى ذهنك مباشرة هذا السوال الجوهري: هل فعلا إلى هذا الحد بات الجنون سيد الموقف في حياتنا؟!

وحينما تسهب في الحديث مع المحيطين علما بتلك المساحة الواسعة لظاهرة الثأر في الجنوب، فإنك سوف تكتشف أن أخطر بلاء قد حل وسكن بلادنا في مرحلة الوحدة هو هذا الشيطان اللعين الذي يسمى (الثأر).. حيث ستنجلي أمام مخيلتك صورة سوداء قاتمة متشابكة تنبئك أن عدد القضايا الراهنة هو عدد كبير أكبر مما كنت تتصوره بكثير، وأن عدد الضحايا الذين أزهقت أرواحهم بنيران الإخوة والأصدقاء هو عدد فوق المتوقع وفوق التصديق وفوق الاحتمال أيضا.. وستعلم أيضا أن النتائج المباشرة الناتجة عن الخراب والدمار المادي والنفسي قد تجاوزت بالفعل الدمار الممكن إنجازه بفعل الحروب الرسمية، وفي مرحلة الدراسة والاستنتاج والتفكير في هول هذه الكارثة سوف تتيقن أن هذا (الفخ الكبير) الذي تقبع في ذمته الواسعة غير الإنسانية جموع غفيرة من أبناء الجنوب، هو فخ مدروس.. ومنهجي.. بفعل السياسة ذاتها التي استباحت الجنوب ونهبت ثرواته بصورة وحدوية لم يسبق لها مثيل من قبل!!

الغريب في الأمر أن فعل السحر المصطنع والمصدر بشعوذة عصية على الفك، يبدو أنه قد بات الغرام الأول لعشرات الألوف من إخواننا أبناء قبائل الجنوب المتناحرة فيما بينها، وباتت القضية برمتها تنتمي إلى ذلك النهج الغريب المتمثل في إيذاء الإنسان لنفسه، وتمتعه بذلك الأذى الذي يصنعه وينتجه كل يوم، من خلال أدواته وإمكانياته المتواضعة في كل شيء، والمتفوقة فقط في صناعة الموت والدمار.. وهي حالة إنسانية غريبة بات فيها (القبيلي الجنوبي) مصدر أذى وتعاسة لحاضره ولمستقبله معا.. وهو حاضر تعيس، تنهب ثرواته من على بعد كيلومترات قليلة من كمائن الموت والاقتتال القبلي المرسوم بدقة، والهادف إلى إنتاج واقع سياسي من شأنه تغييب الجنوب بالمطلق عن مسألة نهوضه الكامل من كبوته الكبيرة.

ومن وسط الأجواء الأخوية الجنوبية المتضامنة والمتسامحة، تخلقت فكرة تسيير قافلة التسامح والتصالح لمعالجة قضايا الثأر في الجنوب، وهي قافلة يحيط بها من كل جانب عنصر زرع المحبة والوئام، ونزع بذور الكراهية والشقاق والخلاف.. قافلة تهدف إلى إحلال الحياة والسكينة والطمأنينة والسلام، بديلا عن الموت والقلق والتوترات والحروب.. إنها قافلة جنوبية كبيرة منسجمة ومحتدة ومؤمنة برسالتها الإنسانية وواجبها الأخوي تجاه فك طلاسم ذلك (العمل الشيطاني) المصدر إلينا من مصادره المتعددة المعروفة.. قافلة سوف ترسم لها (خارطة طريق)، وسوف تنطلق نحو أهدافها المرجوة التي ستطالب في أول مهامها بعقد (صلح قبلي عام) لمدة عامين في الأعلى أو عام واحد فقط في الحد الأدنى.. مع علمنا الأكيد أنه لايمكن أن يتحقق الهدف إلا بتضافر جميع الجهود.. ومن قبل جميع الأطراف المعنية.

إن هذا العمل أو المشروع الوطني الكبير.. هو مشروع مفتوح تتسع فيه المساهمة لجميع الصادقين النبلاء من أبناء الجنوب، وسوف يتم وضع بنائه وهيكله العام، من داخل مخيم شهيد التسامح والتصالح أبوبكر اليافعي في عدن.. وغاية منانا ألا يبخل علينا أحد بما يستطيع المساهمة به من محبي الخير والسلام.

ماضاع حق وراءه مطالب

كنا نعلم علم اليقين أن الأمور التي انتهت بضياع الجنوب عقب حرب 94م سوف تنعكس نتائجها بالتأكيد سلبا على كل جنوبي في كل مكان، وكان من نتائج ذلك الوضع محاولة (ضم) حق ابن الصريمة على طريقة (الضم الكبير).ولأن الرجل من النوعية التي لاتقبل على نفسها الضيم أو الضم عن طريق الفهلوة أو النصب أو حتى الاستقواء.. فقد نهض الرجل لنفسه ولتاريخه ولكرامته معا.. ودافع عن جميع حقوقه بكل شراسة وشجاعة وتمدن وتحضر.. حتى جاءهم في حين بغتة بـ (الخبر اليقين) والحكم الدولي العادل الذي أهدته إليه عدالة (باريس) ضد ظلم (صنعاء).. مفيدا بشكل قاطع ومانع أن على الذين خبروا (الفساد) وظنوا أن ابن الجنوب سيكون (لقمة سهلة).. إعادة جميع ما خطط ودبر لنهبه إلى صاحبه (فورا) وخلال أسبوعين من تاريخه.. إذن مبروك لأخي العزيز ومبروك لنا جميعا.. وعقبال عودة الحق الكبير!.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى