سر الولاعة عند المواطن (عايش على الهامش)!

> هيثم الزامكي:

> السيد (عايش على الهامش)، مواطن بسيط أو على رأي إخواننا المصريين (غلبان)، وهو يستمع دائما باهتمام لنصائح الأصدقاء ويقتنع بمعظمها، لكنه لاينفذ من تلك النصائح إلا القليل، كنصائح الصبر، عدم اليأس، وتسليم الأمر إلى الله، أما بقية النصائح فعلى الرغم من اقتناعه بها فإن عدم تنفيذه لها، يرجع إلى عدم توفر الأسباب والخيارات التي تمكنه من تفضيل نصيحة أو خيار على الآخر، فهناك من نصحه مثلا ببيع بيته نظرا للسعر العالي لأرض ومساحة البيت، أما البيت، أومايشبه البيت، فليس له قيمة، وبقيمة هذه الصفقة سيتمكن من شراء شقة صغيرة، واستثمار بقية المبلغ لشراء سيارة أجرة يمكن أن تحسن من دخله، لكن مشكلة السيد عايش أنه لايملك البيت، وهو حتى لا يستطيع دفع إيجاره، وما وجوده هو وعائلته فيه إلا باتفاق مقايضة مع مالكه، بمبدأ السكن مقابل الحماية، ومن الناصحين للسيد عايش على الهامش من يحثه على تغيير عمله لتحسين دخله، ولا يملك عايش إلا أن يهز رأسه معربا عن شكره لهذه النصيحة القيمة، فالأعمال متوفرة والطلب أكبر من العرض في سوق العمل المحلي، والحصول على عمل أمر في غاية السهولة، ويصل الذكاء ببعض أصدقاء عايش إلى نصحه بالسفر لتغيير الجو وإراحة أعصابه، لدرجة أوصلوا فيها السيد عايش لمقت النصح، وقد بات يخشى تطاولهم، كأن يطلبوا منه مثلا الاشتراك في نادي للعب الجولف أو ركوب الخيول ليروح عن نفسه.

ولأن الأصابع لا تتساوى والأصدقاء ليسوا كلهم أذكياء، يملك السيد عايش على الهامش أصدقاء من روحه وفكره وبساطته، يفهمونه ويقدمون له النصائح الجيدة التي يمكن تنفيذها والاستفادة منها، ومن أهم النصائح التي تلقاها مؤخرا نصيحة بأن يخزن أكبر قدر من المواد الغذائية في منزله، كون عجلة دوران الأسعار للأعلى لم تتوقف منذ فترة ليست بالقليلة، وبدون أن يضيع وقته، توجه السيد عايش إلى البقالة، وبدأ جولته التفاوضية المعتادة مع البائع، وبنجاح إجباري الحدوث، تمكن من دفع نصف ماعليه من حسابه السابق، وسحب ما يريد من المواد الغذائية زائدا ولاعة بقيمة عشرين ريالا، تلك الولاعة التي تعود كل شهر أن يشتريها مع بقية أغراضه، على الرغم أنه ليس مدخنا، وقد كانت نصيحته الوحيدة لجميع أصدقائه الأذكياء والبسطاء، بأن يشتروا تلك الولاعة دون أن يفصح لأحدهم فحوى تلك النصيحة، خشية أن يسخروا منه وينعتونه بالغبى، وبعد ضغوط شديدة مورست عليه من أصدقائه، وبتدخل موازٍ لتلك الضغوط، لكنه ليس ضغطا من زوجة السيد عايش، كونها لا تحتاج للضغط عليه، نظرا لما تملكه من مقومات ومزايا تمكنها من ذكر طلبها مرة واحدة، لينفذ عايش ذلك الطلب مشفوعا بابتسامة الرضا، رضي أو كره ذلك الطلب، فما كان من السيد عايش إلا الإفصاح عن سر الولاعة، ضاربا بكل مخاوفه من نعته بالغباء عرض الحائط.

لقد كان عايش يشتري هذه الولاعة تعبيرا عن إعجابه وتفاؤله بها، فهو معجب بصمودها الأسطوري أمام وحش الغلاء الذي طال معظم السلع في السوق، ولم تتزحزح قيمتها ريالا واحدا منذ سنوات، ولطالما زارته تلك الولاعة في منامه، وقد رآها تمشي رافعة رأسها متبخترة، بين صنوف من العملات الأجنبية والمحلية، وأكياس من سلع المواد الغذائية، وقد طأطأت لها تلك العملات والسلع رؤوسها تبجيلا لمرورها بينهم، أما تفاؤله بها فينبع من استيعابه العكسي لحكمة التفاحة المعطوبة، وقد تعود أن يشتريها ويضعها مع بقية مواده الغذائية، أملا في أن تسري عدواها المتمثلة في ثبات سعرها، لتشمل بقية سلعه!.

تعليق: قد لايتفق أحد مع منطق السيد عايش على الهامش في إعجابه وتفاؤله بالولاعة، لكن هل بيننا من لايتمنى أن تصل عدوى هذه الولاعة الصامدة إلى بقية السلع في السوق؟ سؤال نوجهه للحكومة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى