دولة في ملعب وحكومة في شركة:غانا الفقيرة تنجح في استضافة إفريقي 26 فهل نستفيد من الدرس؟ ..قلعة الميناء واللون الأصفر عنوان النهائي المثير

> «الأيام الرياضي» أحمد الشباره:

>
الحديث عن كأس الأمم الأفريقية الـ 26 التي أقيمت في غانا أخذ حيزا كبيرا من تناولات وسائل الإعلام العالمية، من حيث التغطية الخبرية للحدث لعبا وتنظيما واستضافة، وتكمن الروعة في الكتابة عن هذا الحدث الكبير حينما تكتشف الحقيقة من واقعها.. وكانت لي فرصة لحضور المباراة النهائية لإفريقي 26 بالعاصمة الغانية أكرا، برفقة عدد من الشخصيات وزملاء الحرف، ولا شك أن الكتابة بعد الحدث ليست سوى محاولة لمجاراة واقع المشاهد عن قرب، بعيدا عن واقع المشاهدة عن بعد، والتي يراها ملايين البشر عبر شاشة التلفاز.. حديث ما بعد أفريقي الفراعنة سيتناول جزءا من رحلة الألف ميل والدروس التي من الأولى الخروج منها ولو بجزء من الثانية في الفائدة..وعبر MTN كان لوفد يمني فرصة لاكتشاف أن (غانا) لم تكن سوى ملعب لكرة القدم سلمت مهام حكومتها لشركة تدير البلد في هذا الحدث الكبير.

البداية.. ترتيب وتنسيق

في الاجتماع الذي ضم قيادة شركة MTN للاتصالات والتقاط الصور التذكارية مع السيد وليد عكاوي، مدير عام التسويق، عرفنا الكثير عن الرحلة ومحاور عمل المجموعة التي تكونت من السيد حسام سعد، المدير العام التجاري، الأخ علي الشاحذي، مدير العلاقات العامة، الأخ محمد الزبيري، مدير عام تمارا سنتر، أفضل الوكلاء للشركة، ورياضيا الأستاذ محمد منصر، وكيل وزارة الشباب والرياضة، وحسام السنباني، الأمين العام المساعد لاتحاد الكرة، والزميلين العزيزين معاذ الخميسي، مدير إدارة الأخبار الرياضية والشبابية بالثورة، والعزي العصامي، نائب مدير إدارة الأخبار الرياضية بوكالة سبأ.. وكان الموقف جميلا ونحن نتسلم (المهمات) من ملابس ومعدات السفر وتعليمات هامة وأنت على مشارف زيارة بلد على بعد آلاف الأميال على المحيط الأطلنطي.

رحلة المتاعب في سطور النوم

لن نفرط في الحديث عن تفاصيل الرحلة، لكن للعلم بدأنا من دبي أولى محطات الانطلاق بعد صنعاء، وتوقفنا السريع هناك لم يكن لينتهي كما كان مخططا له، بدأ بالتأخير في المطار لربكة بسيطة في إحدى التأشيرات عند الدخول، ثم إني غرقت في نوم عميق قبيل الرحيل إلى أكرا على أرضية المطار، وبالتالي عدم سفري إلى غانا لولا عناد رفقاء الرحلة وعصبية العزيز حسام السنباني، الذي أصر على الخطوط الإماراتية الانتظار حتى حضوري (طبعا لم يتحدث أحد من الزملاء حول هذا الموضوع) رغم أنه كان الأبرز في الرحلة، وكأنه من باب (تقدير الزمالة) وهذا محسوب لهم، لكن أن تنام قبل المغادرة وتكون سببا في تأخير زملائك الذين كان مصيرهم البقاء في دبي وعدم حضور النهائي أمر بحاجة إلى تطرق، ولو أن القلم رفع عن ثلاثة، فأنا أحدهم، ومع ذلك كما قال المؤلف علي الشاحذي في مؤلفه (رحلة غانا) انتهى الفيلم الهندي بظهور البطل في آخر لحظة وسط تصفيق الجميع ،والموقف لا يحسد عليه، وجلَّ من لا يسهو ولا ينام.

صدمة حضارية منذ البداية

بعد رحلة دامت 9 ساعات جوا وصلنا إلى أكرا، وبعيدا عن كل شيء من حفاوة الاستقبال وشدة حرارة الجو أصبنا بصدمة لم نستطع كتمانها، فقد تفاجأنا بالبلد ولم يجد أحدنا سوى التعليق (هل أخطأنا الرحلة ووصلنا باجل أو المراوعة، بدلا من أكرا) هذه حقيقة الصدمة، بلد لا يملك من الاسم والشهرة إلا ما تناولناه سابقا أنه يلعب كرة قدم عالمية، أما البنى التحتية فلكم حرية التشبيه بين جعار أبين أو باجل الحديدة وأكرا الغانية.. قد يكون زملائي تحدثوا عن الموضوع وباستفاضة، وهذه هي الحقيقة، وتكرار تناولها يأتي في إطار أهميتها بالنسبة لنا كبلد نتخوف من استضافة خليجي 20 ونعد العدة الرسمية والشعبية وتشكل اللجان الرفيعة والفنية والـ....،ونسأل الله الستر.

غانا الصفراء

الحديث عن التنظيم سيتم تناوله لاحقا.. لكن اللافت للنظر أن تشاهد بلد العبيد (كما يحلو لأبنائه تسميته) يتحول من أسود إلى أصفر، ومنذ البداية المطار يتكلم أصفر، الشوارع مزينة بالأصفر، الناس يلبسون الأصفر، المزيج بين YELLO و HELLO كان منسقا، (الأصفر يرحب بالجميع في غانا)، وهكذا كانت فكرة رعاية MTN للحدث قد أخذت نصيبا وافرا من الحضور الإعلاني والتسويقي، لكنه لم يكن شيئا أمام روعة وحسن التنظيم وإظهار غانا على أنها دولة تقع في عمق أوروبا وليست دولة لا تملك سوى الملعب الذي نقل للعالم صورة مغايرة للواقع الذي تراه بأم عينيك.. وسنكررها دائما (بقدر العطاء يكون النجاح).. والغانيون عرفوا الطريق الصحيح للنجاح وهم على علم بقدراتهم وإمكانياتهم فسلموا رقابهم لشركة MTN لإدارة البطولة ورعايتها والوصول بها إلى بر الأمان، وتركوا لها مجالا واسعا لتسويق نفسها في جزئية من جزئيات الأهم وهي (تسويق غانا) للعالم بأسره من خلال كرة القدم، وبكل بساطة نقول:«إن دولة لا تملك سوى ملعب لكرة القدم تمكنت من الظهور المشرف أمام العالم بتخليها عن سلطة الإدارة لشركة خبيرة في التسويق، فكان المزيج الإعلاني التسويقي (ملعب + إدارة)= دولة، لكنها دولة الأصفر العالمي شعار غانا في البطولة، وهو شعار الشركة الراعية (الرسمي للبطولة).

تاريخ أسود.. مفاخرة وتناقض

في مساء اليوم الأول كان لنا وعد برحلة جماعية.. وتحركنا في الصباح سفرا لمدة تجاوزت الثلاث ساعات خارج العاصمة أكرا، وبعد عناء وزحام ومشاهد متناقضة كان أبرزها غياب البنى التحتية، لا مظاهر للحياة السعيدة، مشاهد الفقر والجوع والمرض تراها من نافذة الباص المرتفع.. حالة البؤس والعوز والزحام وغياب الثروة ومظاهر الشحاتة عند التوقف.. والأهم من ذلك غياب أبسط مقومات الحياة، ويكفيكم مثلا أن تروا أناسا ذكورا وإناثا لايأبهون وهم يقضون حاجتهم (أعزكم الله) على قارعة الطريق، التي كانت اضطرارية حتى للضيوف للوصول إلى قلعة التفاخر الغريب.

قلعة الميناء.. العبيد كانوا هنا

تفاجأنا ونحن نسمع الدليل والمرشد السياحي يتحدث بفخر عن هذه القلعة، وسبب تفاجأنا أنها جمعت بين النقيضين: البناء بناه البرتغال، والهدف تعذيب أبناء البلد بطرق وحشية، ثم بيعهم في سوق النخاسة وبثمن بخس بعد حبس طويل في غرف قاتلة وتعذيب وحشي، فأين المفاخرة في الموضوع؟ وأين حقوق الإنسان المدعاة من هذه الدول؟.. كل شيء في هذه القلعة التي تحمل اسم (الميناء) لإشرافها على الميناء الرئيسي للقوارب ورسو سفن التجارة والصيد، والأهم سفن بيع العبيد من خلال نافذة كئيبة على أحد جدران القلعة، وتفاصيل أخرى عن القلعة سنتجاوزها، والتي كانت القلعة عنوانا لحياة بئيسة في القديم، اختتمت بمشاهدة مشاهد لأطفال بؤساء لا يعرفون شيئا عن العالم سوى لعبة كرة القدم، خصوصا الساحلية وبالطريقة البدائية (بدون ملابس) أمام مجاميع من العبيد، تراها بكل سهولة تخلع ثيابها كاملة (كما خلقها ربها) لتمارس هواية السباحة والاستحمام في الشاطئ دون اكثرات بالآخرين .. وهنا كان العبيد حتى القرن الـ 21 ،ولا فرق بين حياة العبودية القديمة وحياة القرن الجديد سوى اختلاف اللاعبين ومستغلي الثروات، وكفى.

تناقض آخر.. الشحاتة عنوان

المنتجعات وفخامتها وبنجومها الخمس متواجدة في هذه المنطقة، ومن وراء الأسوار أطفال يبتكرون وسائل (الشحاتة الحديثة) لزوار المنطقة، وحياة الناس البدائية التي تدعو للرأفة والشفقة وأنت تفكر في مشاكلهم وظروفهم حتى العودة للفندق.. وللحديث بقية.

في الحلقة القادمة

> لقاء التصالح بين بلاتر وعيدو بحضور كونداريزا رايس الغانية.

> ممنوع الدخول لغير (الأصفر).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى