هنري .. ظالمٌ أم مظلوم؟

> «الأيام الرياضي» متابعات:

>
قديماً كان جديراً بتحويل عشب ملاعب الكرة التي تعانقها قدماه إلى إبهار وازدهار.. كان بمقدوره أن يجعل أسماء أي فريق في دائرة الظل والكواليس ، كان الأغنية التي حفظها الكبير والصغير .. هنري العجيب، هنري الرهيب.! هكذا كان العشاق يسمونه، وهكذا كان يرد لهم الجميل بالجميل بقطعه للمسافة الأكبر بين ما تحقق وما يُرجى أن يتحقق.. !

حينها.. ما كان للنائبات أن تقض مضاجع عشاق فنه المبهورين بسحره ، وذلك عندما ظلموا هنري ولم يعطوه لقب الأفضل في العالم ، كان الجاحدون يرفعون غرابيلهم المرقعة يكابرون.. ولكنَ وهجه لا يلبثُ يلسعُ رؤوسهم,, هنري الآرسنال كان يتفوق على الجميع لذلك فقد أغضب وأسعد الجميع..!

وبينما كانت الأقدار تُشير إلى رحيل مفاجئ إلى البرسا.. كان العشاق ينتظرون منه إبداعا من نوع آخر، خُيل لهم في لحظات حماس ممزوج بثقة أن جوهرة نفيسة وفاخرة ستضاف إلى العقد البرشوني النفيس..!

كان عشاق البرسا يفترشون ضباب الواقع .. فبهاء الذكريات الجميلة، يولول النفس، ويرنو لماضيها القريب البعيد، تستنطقه وترسل له ألوع التحايا والنداءات، وتأبى أن تراه-كما يبدو-مبحراً نحو النهايات.

كان قدومه كطلعة الشمس تخترق باحة النجوم المضيئة! كان موجعاً بالنسبة لكثيرين، ومبدعاً لمن أحبوه أكثر، فسُلم المشاهدة يبدأ لمن نحب ونهوى بواحدة تتلوها اثنتين ليغدو الأمر ثلاثاً.. إمتاع يتلوه إقناع لتتوج المسألة بالإشباع.. وفي ثنايا الثلاث، كانت زاوية الرؤية تعجز أن تحيط به كما فعلت مع من هم سواه.

في البرسا وفي زحام كلمات إطراء عجز اللاعب عن ردها أو حتى احتمالها، بدأ ومن دون مقدمات أن هنري أصبح يتوشح بخذلان الأمنيات بانزلاقه إلى قعر بعيدٍ جداً عن ما كان العشاق يأمَلون.. يتمنون.. وينتظرون.. بدا اللاعب كليث أسمر يبتسم ملء أشداقه منثالة عليه الجرابُ جرابُ الغادرين,, وزمجرة أنياب الشامتين.!

ربما كان من (ممكنات) الأحداث أن ينحدر هنري بمستواه، ومن (مسلمات) العقل أن اللاعب –أي لاعب- قد يُبحر بالاتجاه المعاكس لما يريده الجماهير، ولكن.. هل يمكن للممكنات أن تُبرر أو المسلمات أن تُقرر أن هذا هو هنري؟

ليس جلداً للذات يُهوى الحديث بهذا الكلام .. أما السؤال الباقي أبدا والذي لم تهزمه الإجابات بعد : لماذا أصبح هنري هكذا..! محيرة هي الإجابة كصاحبها، وقد تكمن مع عشاق النادي الكتلوني الذي لم يستطع اللاعب نفسه أن يذر بعض الرماد على أعينهم، فحاولوا أن يلتمسوا له بعض العذر مع هتافات المدرجات متشككين تارة وتارة متفائلين، أصبحت الجماهير تستقرئ نفسها تبحث عن ذات نجمها في ذاته .. فبدوا كمن يدافع مهاجماً، لتكون صرخات ريبتهم تجاه اللاعب خائفة وتائهة وطائشة..! من السهل أن يأتي المنطق التبريري المداهن ليرفع شارة الاعتراض، فيبث أفكاره التي تملها الأذن وتمجها العقول.. من السهل أن يتم القول ان هنري لا يلعب في البرشلونه بمركزه الذي تعود عليه، ومن السهل أن يقال أيضاً أن الأيام البرشلونية القادمة حبلى بالوعود والأمنيات .. ولكل هؤلاء أقول:

إن اللاعب الذي رأينا في الكامب نو أبعد ما يكون هو عن كرة الثلج .. التي كلما تدحرجت كبرت!! ولكن لطالما حوت المبررات المزيد الذي لا يذوب، والعقلية التبريرية دائماً تهوى الهروب..!

ربما وبعد سرد ما تيسر من أكاديميات اللوم وأبجديات الملامة فلعل الجمهور سيدرك أن العتاب في هكذا مواضع صار فكرة قديمة وأن هنري أتى من الآرسنال وفي داخله الكثير من بوادر الانحدار.. فاللاعب غدا مستهترا غير متحمس ولا يبدو مبالياً، ناهيك عن نقصان الدافعية لكي يبدو كما يحب أن يكون..!

والمتأمل هنا لا يضنيه الأمر لرؤية مقدار الفراغ العاطفي الذي أصبح فيه واضطراب أجوائه الداخلية كثيراً، ومن ناحية أخرى فاللاعب أصبح -على غير العادة- قليل الفاعلية أمام المرمى .. يبالغ كثيراً خارج السياق المطلوب .. لا يسدد كثيراً وقد يجيد التحرك (أحياناً) خارج الصندوق لا داخله.. لم يعد لمَّاحاً في التهديف ومستلزماته من تحرك بكرة ومن دون كرة .. لكنه أيضاً لا يصلح كصانع ألعاب (رئيسي) وهو الدور الذي لطالما حاول إقناعنا بتقمصه..!

أعرف أن البسيطة لم تعرف نجماً إلا وكان لقدرية الانكسار في مسيرته الرياضية زاوية أو مكان..من بيليه إلى مارادونا إذا تحدثنا عن العوالي الشمم.. ومن رونالدو إلى فان باستن إذا تناولنا معاصرة القمم.. إلا أن كل بلاء موكل بمنطق ، ولأنها القلوب المكلومة من انحدار لاعبٍ الأصل فيه أنه (مدهش).. وكذا النفوس التي عودها هنري على التجبُرِ في التطلعات وعدم التقهقر من دون مسببات..!

وأمام كل هذا ازدادت الأمور سوءاً بإعلان اللاعب أمام الملأ أنه سعيد جداً بوجوده في البرصا ، وهذا أمر إن لم يدعو للغضب فإنه يدعو للسخرية العريضة ، إذ ما أصعب أن تكون سعيداً مع من هم ليسوا سعداء بأدائك .. وما أتعس أن يكون سقوط اللاعب غير مبرر، وبقدر ما ارتقى من صعود..!

طبيعي أن يُقال أن الحل لمشكلة هنري مع هنري نفسه وليس مع البرصا.. وبديهي أن يردد العشاق أن على اللاعب أن يعود لخارقات اللا وعي عنده .. وأن يمزجها بالكثير من الواقعية، ناسياً تداعيات عاش عليها طويلا.. وحقيقة (الفريق في لاعب واحد) التي لطالما عاش عليها في صفوف الآرسنال.! ربما يكون هذا الأمر الصعب التخلص منه، لأن هنري من نوعية اللاعبين الذين يتألقون كثيراً مع الفرق التي تعتمد كلياً (أو بجزء كبير) على تقليعاته وإبداعاته .. ومن الصعوبة أن يذعن لدور جماعي (لاعب في فريق) لأنه أمرٌ لم يعتد عليه وربما لا يريد أن يعتاد عليه .. !

لا أدري هل على جماهير البرصا ألا تنتظر الكثير من هنري!؟ أم أن الأحلام الكتلونية بوجوده لم يحن لها أن تنتهي بعد!؟ مؤكدٌ أن على الغزال الأسمر ألا يطيل الغياب.. فالقادمون كثر، كما أن الجماهير الكاتلونية المتعطشة للمجد غير مضطرة لإمهال لاعب أكله الآرسناليون لحماً ورموه لهم عظماً.. !

أما الإجابة عن السؤال القائل بطبيعة الحال : هنري ظالم أم مظلوم ؟، فتبدو المسافة التي تفصل بين جانبي ذلك التساؤل تساوي مثيلتها التي تفصل بين عقل هنري والتفكير السليم ، وبين هذه الإجابة أو تلك ، تتوه الأفكار وتتلعثم الأحكام، وليس الانحياز لأحدهما إلا كمن يبني بيته دونما قواعد في الريح، أو كمن يبني قواعده ويكتفي، ومن ثم يجلس في العراء ليستريح..!

وليد عبدالله صالح العبّادي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى