حتى لا نترحّم على النبّاش الأول

> «الأيام» محمد سعيد القدسي:

> بصفتي أحد أبناء القناة الثانية (يمانية حالياً) تعلمت أساسيات العمل على يد كوادرها، فإنني أتمنى وأتطلع أن تصبح هذه القناة العريقة من أفضل القنوات وأن تكون برامجها من أحسن البرامج وأكثرها تميزاً، وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال بالصدفة أو بدعاء الوالدين، ولكن من خلال عدة عوامل أهمها التدريب والتأهيل المستمر لكوادرها من معدين ومخرجين ومحررين وفنيين ومذيعين.

أما العامل الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه فيتمثل في الاستقرار المعيشي للعاملين في هذا الحقل المهم والخطير لأن هذه الشاشة الصغيرة التي اقتحمت بيوتنا دون استئذان صارت من أهم أدوات التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي وحتى السلوكي والأخلاقي، وإذا لم تحسن إدارتها ستأتي النتائج عكسية وسلبية وبدلاً من أن تكون أداة تنوير وتقويم ستتحول إلى أداة تخريب وتحطيم .

وعليه فإن من أهم عوامل الإبداع في هذا القطاع التلفزيوني التي تدفع العاملين للعطاء وإبراز أفضل ما لديهم هو الاستقرار المعيشي، إذ يصعب أن يبدع الإنسان ويكون إنتاجه مفيداً بينما أوضاعه المعيشية مرتبكة وسيئة، مهموم بتوفير احتياجات أسرته من مصروفات مختلفة ناهيك عن إيجار السكن وفواتير الماء والكهرباء.

وأي مسؤول يرغب في تحقيق الأفضل في البرامج والوصول إلى التميز فعليه أن يحقق الحد المعقول من الاستقرار المعيشي للعاملين، وهذا هو المفهوم الحديث للإعلام والإعلام المرئي تحديداً الذي يقوم على البذل السخي للبرامج والعاملين خاصة لمن يطمح في الريادة والتميز، وما شهدناه في السنوات الأخيرة ولايزال، من ضعف البرامج ورداءتها في القناة الثانية (يمانية) من أسبابه إضافة إلى الإهمال وعدم المتابعة، عدم الاستقرار المعيشي الذي دفع البعض إلى السعي وراء الكم والبرامج الأكثر أجراً دون الالتفات إلى الجودة أو الصلاحية .

ولا أخفي سراً أننا استبشرنا خيراً بتعيين قيادة جديدة للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون برئاسة الدكتور عبدالله الزلب وكذلك تعيين الدكتور خالد عبدالكريم رئيساً لقناة يمانية، فقد أصبح التغيير ضرورة ملحة نظراً للركود والرتابة والتسيب الذي ساد في السنوات الأخيرة إضافة إلى تراكم الأخطاء التي زادت من حجم الصعوبات المهنية والمعيشية .

وللإنصاف .. فإن مواجهة التركة الثقيلة من الأخطاء ولوبي التخريب لن تكون سهلة بالتأكيد، إلا أن ذلك لا يبرر بأي حال الاستسلام للواقع والتخاذل عن القيام بما تمليه أمانة المسؤولية وعدم اتخاذ الإجراءات الضرورية للتغيير والتصحيح والتطوير .

جميل أن تتمكن القيادة الجديدة للقناة من إزاحة بعض من ثبت ارتكابهم للأخطاء والتفريط في حقوق القناة والعاملين، لكننا بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك، فتغيير الأشخاص لن تكون له قيمة إذا بقيت الأمور تدار بالآلية السابقة نفسها والأوضاع السيئة كما هي .. ما جدوى تغيير الإدارة المالية السابقة بينما آلية العمل المالي والإداري لم يطرأ عليها أي تعديل يذكر، ولاتزال شكوى العاملين مستمرة من بطء الإجراءات والمماطلة والتأخير في المعاملات وصرف المستحقات، حتى المساهمات الشهرية التي يفترض أن تصرف نهاية كل شهر وكانت الإدارة المالية السابقة تصرفها غالباً لأغراض أخرى ولا تعاد للموظفين إلا في مواعيد متأخرة وغير ثابتة، لم يتغير من أمرها شيء ولاتزال تصرف في مواعيد متأخرة وغير ثابتة فما جدوى التغيير إذاً؟!

ما فائدة تغيير الإدارة المالية التي أضاعت جزءاً من حقوق العاملين بينما لم يتم محاسبتها أو إعادة تلك الحقوق إلى أصحابها ومنها على سبيل المثال مساهمات الموظفين لشهر يونيو من العام الفائت وتقدر بتسعة ملايين ريال لماذا لم يتم استعادتها ممن أخذها أو صرفها لمستحقيها من قبل إدارة المؤسسة أو القناة رغم مرور هذه المدة؟!

إدارة القناة تقول إنها غير قادرة على إعادتها أو تغطيتها من ميزانية برامجها، والمؤسسة العامة لم توافق حتى الآن على صرفها فمن يتحمل المسؤولية وهل على العاملين البسطاء أن يتحملوا أوزار غيرهم ومسؤولية أخطاء لم يرتكبوها؟

أما الجزء الأهم في الموضوع الذي يعد مربط الفرس والاختيار الحقيقي لقيادة القناة، فهو الأداء البرامجي الذي لم يشهد حتى الآن أي تحسن فلاتزال البرامج نفسها برتابتها ورداءتها، وكنا نتمنى أن تكون الخارطة البرامجية الجديدة التي بدأت مطلع هذا الشهر وكانت معدة للبث الفضائي الذي تأخر لأسباب فنية وتقنية، كنا نتمنى أن تظهر بمستوى أفضل يتناسب والمرحلة الجديدة والبث الفضائي إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث خاصة في البرامج المباشرة التي يتم إعدادها جيداً، إما بسبب إهمال بعض معديها وتقاعسهم أو لضعف مستويات البعض الآخر وتواضع إمكاناتهم في الإعداد وجهلهم أبسط شروط البرامج التي تبث على الهواء وما تتطلبه من جهود وإمكانات

والإجراء الذي اتخذ قبل أيام بتحويل معظم البرامج المباشرة إلى مسجلة ليس هو الحل الأمثل حسب رأيي الشخصي، بل لابد من إعادة النظر في كيفية إعداد البرامج على الهواء وإلزام المعدين بإعداد المواد والفقرات المناسبة ومتابعتهم، كما لا يعني ورود اتصال غير مناسب من أحد المتصلين أن تلغى البرامج المباشرة، ولكن حسن تصرف المذيع ونباهة عامل التحويلة هو الذي سيقطع الطريق أمام أي اتصال غير ملتزم .

ومن باب الوفاء لهذه القناة الغالية على قلبي وحرصاً على ظهور رئيس القطاع بالمظهر اللائق به كمسؤول فاعل وقادر على التغيير إلى الأفضل .. أقول إننا إذا بدأنا البث الفضائي بهذا الرتم البرامجي الرتيب، فإن صورتنا أمام العالم لن تكون مشرقة ولا مشرفة، وفي النهاية ستقع المسؤولية على رئيس القطاع بصفته المسؤول الأول، حتى وإن أخطأ غيره، وأكرر القول إنني أعلم أن المعوقات والصعوبات كبيرة وبعضها يستعصي على الحل، ولكن لا مفر من تحمل أمانة المسؤولية طالما قبل بتحملها ووعد بالإصلاح والتغيير، ولكي يأتي من يستشهد بالمثل الشعبي «رحم الله النباش الأول» .. معذرة نسيت إخباركم بقصة النباش (القبار).

يحكى أن نباشاً أو حانوتي باللهجة المصرية كان ينبش قبور الموتى بعد دفنهم ليلاً ويأخذ الأكفان ويبيعها، فلما اكتشف الناس أمره قبضوا عليه وسجنوه، فاستاء ابن ذلك القبار الوحيد على ما فُعل بأبيه قائلاً: لماذا يعاقب أبي كل هذا العقاب رغم أن جرمه هين. وأقسم أن ينتقم لأبيه ويجعل من سجنوه يترحمون عليه .

وبالفعل استطاع إقناع أهالي القرية بأنه سيكون أميناً على الموتى إذا عينوه بدل أبيه، فلما مكنوه من العمل لم يكتف ببيع أكفان الموتى كما كان أبوه يفعل، بل أضاف إليها الجثث، فكان يبيع الجثث بأكفانها، فقال الناس: (سلام الله على النباش الأول) كان أرحم .

مذيع ومقدم برامج في قناة (يمانية)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى