في الذكرى الأولى لرحيله : هيثم فارس القصيدة العربية

> «الأيام» محمد عمر جميع:

> في حقيقة الأمر إن الموت حق على كل إنسان مؤمن بربه وبعقيدته، إنه الراحة البرزخية لكل مخلوق، وسنة من سنن الحياة التي لا جدال فيها، وهنا مازلت أتذكر مقولة مشهورة قيلت قديماً، وهي للشاعر أبي العلاء المعري فيلسوف الشعراء وشاعر الفلسفة إذ يقول:«الموت نقّار على كفّه جواهر يختار منها الجياد».

ففي يوم الجمعة 2مارس 2007م اختار الموت شاعرنا المجيد محمد حسين هيثم وغيّبه عنا وعن عالمنا الفاني، وبمثل هكذا غياب رحل فقيد الحركة الأدبية والشعرية الأديب والشاعر محمد حسين هيثم -رحمه الله- وبرحيله فقد الوطن واحداً من أبرز مبدعيه في المجال الشعري.

فالشاعرمحمد حسين هيثم قد بلغ في حياته قمة الإبداع، وقمة الأدب، وقمة الثقافة، وقمة اللغة، وقمة الحس الوطني لأن الواجب يقتضي الدفاع عنه شعراً ونثراً.

فشاعرنا هيثم كبير بحجم الوطن الذي عاش ومات فيه وبحجم القصيدة التي ظل وفياً لها وظلت وفية له، حيث أعطاها جل اهتمامه وجعلها خبزه اليومي وجزءاً لا يتجزأ من تاريخ حياته الحافل بالعطاء.

والمتتبع لسيرة حياة الشاعر هيثم يجدها لوحة مليئة بالكفاح والنضال منذ يوم ولادته حتى يوم رحيله، كيف لا؟ وهو من عائلة (هيثم) العريقة المشهورة بالكفاح والنضال، فـ(أبو هيثم) الغالي ولد في حي من أحياء مدينة الشيخ عثمان بمدينة عدن عام 1958م، ومن هذه المدينة الجميلة (عدن) مدينة الشعر والشعراء بدأ الشاعر محمد حسين هيثم- رحمة الله - الشعر مع بداية الثمانينات بصحبة أستاذه الكبير الشاعر المعروف سعدي يوسف ومجموعة من الشعراء الشباب في عدن أمثال أستاذي الشاعر الكبير عبدالرحمن إبراهيم -أطال الله في عمره، ومبارك سالمين، والحنكي، وشوقي شفيق وإن كان الأقدم تجربة، فهيثم كتب القصيدة وتميز فيها ليس على المستوى الكتابي التدويني - فحسب- بل أيضاً تميز في مستوها الصوتي الذي عرف به هيثم تمثيلاً وتعبيراً.. فهيثم ظل وفياً للقصيدة، كما ظلت القصيدة وفية له، فهو كتب قصائده بقلم من فضة إن لم يكن بماء من ذهب:

لا تنسَ على الشرفة أسرارك

واحمل قيثارك

لا تترك خلفك إيقاعا

وامسح من جدران هوائك عطر الموسيقا

واكنس كل هديل لامرأة في الريح

ونم في جفن الشمس

ولا تغمض عينيك هنالك

واجمع

أحبابك فيك

وخبئ كل نجيمات الصبح بعمق شغافك

وانزع كل وجوه الظلمات حواليك قناعاً

فقناعاً

واحرس أيامك

سوّرها بنشيد لا يأفل

واكملْ

طرقاتك رغم العتمة

خضها في الليل صراعاً

واكمن في البرق

ولا تغفل

ثم ثعالب تعوي

وتقود ضباعاً

(من قصيدة «وصايا الذئب»- ديوان على بعد ذئب)

إذا أمعنا التأمل في هذه القصيدة من هذه الديوان أو غيرها من القصائد في الدواوين الأخرى للشاعر نجد أن الشاعر محمد حسين هيثم-رحمه الله- كتب قصائده بأسلوب جميل متميز وببراعة فنية وإتقان ممتاز للغة العربية ذات الأسلوب الساحر الجميل، وقدرته الفائقة على انتقاء الألفاظ انتقاء جميلاً يدل على موهبته النادرة في مجال الإبداع الشعري.

فيهثم الشاعر الإنسان، نضح شاعراً وإنساناً عبر السنين، فاتصف بمزيد من التواضع إلى حد أنه لا يمر دون أن يسلم عليك سوء أكان يعرفك أم لم يعرفك، فهذه خصاله، وتواضعه الجم، إنه سلوك نادر لعبقرية أدبية أنتجت (هيثم) وغيرها من الروائع الأدبية، لهذا «فالثمار اليانعة لا تبقى في أشجارها بل تسقط مبكراً» وغادرنا (هيثم) مبكراً.

فالشاعر محمد حسين هيثم اهتمَّ كثيراً بقضايا الوطن وأهله وتاريخه، كما اهتمَّ كذلك بقضايا الأمة العربية هذا (الوطن العربي) الأم الذي ينتمى إليه (هيثم) وكل إنسان ينطق بالضاد، ولم يغادر هذا الوطن العربي ونكباته القصيدة عند هيثم والذي يظهر جلياً من خلال قصيدته التي بعنوان «هولاكو» في ديوانه (على بعد ذئب):

مرَّ على دجلة هولاكو

ورمى في النهر

رؤوساً لا عدلها

كتباً لا تحصى

وتواريخ بلاد

فلماذا بعد قرون

عاد إلى دجلة ثانيةً هولاكو

هل نسي كتاباً لم يغرقه؟

هل ضيّع خاتمه؟

فأتى ليبعثر أشلاء أبي نواس

ويمزق أحشاء النهرين

هل قالت عترافته

إن السر هنالك

في قاع الـ.. أين؟

فمضى يشطب إيقاعات المدن النهرية

أو يلغي البصرة

أو ينسف كل هواء في بغداد

أم أن حنيناً شبّ به

فأتى ليزلزل هذا العالم

كي يسمع منتشياً ثانيةً

صرخات الأولاد

هولاكو عاد

(من قصيدة «هولاكو»- ديوان على بعد ذئب)

إنه الموت إذن ولم يبق لنا إلا الدعاء لأبي (هيثم) بأن يسكنه الله فسيح جناته وينزل عليه شآبيب رحمته، وإن ما يذكر به الإنسان بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية هو مقدار ما أفاد به الآخرين، فقد ترك لنا الشاعر محمد حسين هيثم عددا من الدواوين الشعرية وهي كالآتي:

-1 اكتمالات (سين)- 1983م.

-2 الحصان - 1985م.

-3 مائدة مثقلة بالنسيان - 1992م.

-4 رجل ذو قبعة ووحيد - 2000م.

-5 رجل كثير- 2002م.

-6 استدراكات الحفلة- 2002م.

-7 (حازي بحزيك) - نصوص شعرية باللهجة العامية.

8- على بعد ذئب.

ومن خلال هذه الدواوين التي تركها (هيثم) نلاحظ أن اللغة لا تهدأ و الكلمات لا تستقر في قاموس محمد حسين هيثم، كما ترك ثلاثة من الأولاد من بينهم (هند) القاصة والروائية المبدعة.

لهذا فقد غادرنا هيثم إلى عالم الخلود ولكن القصيدة والشعر لم يغادرانا فالشعراء يموتون ولكن القصيدة لا تموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى