أدب الإقامة:تجربة تجديد غير مسبوقة في النص الشعري

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> لن تهدأ في مسالك الأدب العربي نزعات التجديد، فهي تجري على منوال أن لا ثابت في الأشياء إلا التبدل المستمر (هيراقليطس)، وتبقى الحقيقة المطلقة ثابتة بمقاييس اللامدرك ومحدودية المدركات، ومهما بلغ الإنسان من صنوف المعرفة، فكلها تدخل في نطاق (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). ومع التسليم بخصوصية التجربة الإبداعية وشخصانيتها المحددة سلفا، كحالة مخاضية مجالها الحيوي الذات الفردية الأكثر تجليا في التجربة الشعرية التي تخرج من هكذا حالة بعد الولادة، ليدخل في فردانيتها وخاصها تجليات أخرى أوضح وأشمل وأعمق، تلامس بل وتتماهى في العام المشترك، لتتشكل تلك الصورة المبهرة التي لاتبهت، وتظل على تماس دائم، وفيه أيضا، لتنعتق من زمنها الأول ومحدودية مجالها المخاضي الأول وتذوب في دوائر أكبر وأزمان أخرى دون مدركات محسوبة أو محسوسة لدى الولادة الأولى، أو لدن الفاعل بتجليات التكوين الجنيني (مجازا) في اللامدرك والمدرك فيه، الظاهر والباطن، لأن منوط فعله محسوم منذ البداية عند حدود الولادة في وقتها وحسب.

وبعيدا عن الخوض في حلقات التجديد في البنيان الشعري والقصيدة العربية إجمالا، وقد مسها على طول المراحل ذلك النزوع إلى الجديد والتجديد في بنيانها، في المبنى والمعنى، وفي الصور والموسيقى والأخيلة والقوافي، ليصل ذروته في الثورة الشعرية العاصفة التي أخرجت القصيدة من بحور الخليل، تحت مسميات شتى: القصيدة الحديثة والجديدة وإلى ما بعدها، لنقف مشدوهين إزاء حراك لاينقطع حتى تتملكنا الخشية من المجهول على الشعر نفسه.. بعيدا عن ذلك كله، فإن الاستحداث الأغرب قادم من الجزائر العربية، فـ (الجزائر نص مفتوح.. نص متخم بالمحبة والتسامح.. نص شاهق العلاقات والعبارات) التصدير لكتاب (جسر لعناق الأحبة)، وهو في فحواه ومبناه بنيان شعري تصنعه التجربة الشعورية الثنائية، بالتقاسم أو بالتماهي في ذات النص وبالتداخل فيه صناعة تكوينية إبداعية من ذات ثنائية- إذا جاز التعبير-، حيث شاعران يفرغان مكنوناتهما الشعرية في النص المرتجى، فيأتي النص واحدا والشاعر اثنان!! أما العنوان الجديد الأبرز لذلك النمط فهو جزائري (الإقامات) أو (الإقامات الأدبية)، وقد تعمد الأديب والشاعر الجزائري يوسف شقرة أن يفاجئني بالمسمى قبل معرفة تسبيبات الاسم.

فـ (الإقامات) شكل جديد للقصيدة ثنائية المصور، يتقاسم تمخضات ولادتها شاعران، بعد أن مهدت لهما السبل جهة ترعى الإبداع، كانت في الجزائر وزارة الثقافة، حيث يشارك في التجربة الجديدة شعراء من الوطن العربي بالقسمة الثنائية على النحو الآتي:

1) ميلود خيزار (الجزائر) ولقمان ديركى(سوريا)

2) محمد بوطغان (الجزائر) وفيديل سبيتي (لبنان)

3) حكيم ميلود (الجزائر) ومحمود مظلوم (العراق)

4) علي حرز الله (الجزائر) وعبدالستار محمد أحمد سليم (مصر)

5) منيرة سعدة خلخال (الجزائر) ومنال الشيخ (العراق)

6) عفاف فنوح (الجزائر) وليلى السيد (البحرين)

7) ميداني بن عمر (الجزائر) وخالد درويش (ليبيا)

8) يوسف شقرة (الجزائر) وجمال عبدالقادر الجلاصي (تونس)

9) عادل صياد (الجزائر) وطه عدنان (المغرب)

10) فاطمة أبريهوم (الجزائر) وسناء عون (سوريا)

11) نسيمة بوصلاح (الجزائر) ومها ناجي يحيى صلاح (اليمن)

أما متشاركو النص الشعري في (الإقامة) الثانية من 5 إلى 15 ديسمبر 2007 فهم:

1) علي مغازي (الجزائر) وإدريس علوش (المغرب)

2) سليمان جوادي (الجزائر) وحمود محمد البغيلي الرشيدي (الكويت).

3) مي غول (الجزائر) وفاديا دلاّ (سوريا)

4) إبراهيمي لحسن (الجزائر) ورجب الهاوي (مصر)

5) النواري قماز (الجزائر) وإبراهيم طالع الألمعي (السعودية)

6) محمد عبدالسلام منصور (اليمن) وعبدالقادر الحصني (سوريا)

7) محمد علي سعيد (الجزائر) وعبدالدائم مسعود أكواص (ليبيا)

8) رضا ديداني (الجزائر) وأحمد عبدالحسين (العراق)

9) سامية بن عسو (الجزائر) وفاطمة الشيدي (عمان)

10) حسين زبرطعي (الجزائر) وعلي الجلاوي (البحرين)

11) زينب الأعوج (الجزائر) وعائشة البصري (المغرب)

12) عبدالله الهامل (الجزائر) ونشمي مهنا (الكويت)

13) قاسم شيخاوي (الجزائر) ومحمد نجيب بن حمادي (تونس)

14) الأخضر فلوس (الجزائر) وعبدالله الصيخان (السعودية)

15) عيسى قارف (الجزائر) وفتحى أبو النصر (اليمن)

تقول السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية عن هذه التجربة الشعرية الفريدة: «إننا ندعو مبدعين عربا إلى الجزائر ليكتشفوا جمالها وسحرها ويذهبوا إلى رحابتها الساحرة، وتراثها الذي خلب دوما لب الفنانين والرحالة والكتاب، فتركوا لنا إبداعات مازلنا نحتضنها بالحفاوة الكبيرة، ونعتني بنشرها وتقديمها باعتبارها تمثل شهادات جمالية عن مقاربة أرواح عظيمة وعقول نيرة لاتزال تحمل الكثير من القدرة على الإدهاش والمفاجأة». وتستطرد السيدة خليدة عن التجربة قائلة: «أيها المبدعون أيتها المبدعات إن دعوتنا لكم أردنا أن تكون سابقة في الثقافة العربية، كي نقول بالإلحاح الأكيد، إن المبدع حتى وإن كان رحالا في النصوص والجغرافيا الخيالية، إلا أنه من حقه أن يستريح بين الفينة والأخرى استراحة المحارب، الذي كلما حدس أن هناك من يمنحه مرفأ أو مستراحا، فإنه سيمنح بكرمه الفائض، شهادة حية تقول تاريخ الأمكنة وظلال الحياة ومعانيها».

كتاب: (جسر لعناق الأحبة) ص 7.

أما الشاعر بوزيد حرز الله (محافظ الإقامات) والشاعر جيلالي نجاري (منسق الإقامات)، فقد كتب عن التجربة ما يلي:

«الشعر مغامرة، والشعراء هم أنبياء الأكوان وسفراء المحبة والجمال، والشعر دعوة للعناق على مدى الحياة ولحظة إنسانية عظمى تتخطى ملايين السنين بتوقيت الناس العاديين، هكذا خلصنا إلى إقرار تنظيم برنامج (إقامات الإبداع)، ونحن نحتسي الشاي المعطر بنكهة النعناع في مكتب معالي وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي، التي أصرت على أن تكون الجزائر هذه الأرض المضمخة بالدماء أرضا لحبر الشعراء وأشواقهم اللاهبة، أرض تتباهى بمواعدة المبدعين لصناعة العشق وفتح كوى جديدة للإشراقات الواعدة ونشرها في سماء العروبة أطيارا تغني الأمل في مستقبل باسم لاريب فيه». (جسر لعناق الأحبة) ص9.

وربما كان للشاعرين بوزيد وجيلالي نزق من ذات صنيع (الإقامة) الشهرية بكتابة نصهما التصديري للكتاب المذكور بالتشارك في كتابته معا، لقد استلفت انتباهي نص نسيمه بوصلاح (الجزائر) ومها ناجي يحيى صلاح (اليمن) المولودة في العام 1978 ولديها أعمال شعرية وقصصية في طريقها للإصدار وهي ليست- حتى الآن- من الأسماء الشعرية المألوفة والمعروفة في اليمن، وإن كان مستقبل الإبداع مفتوح أمامها. يقول النص الموسوم بـ (قص.. لصق):

-1 سورة الموج

وحدها السفن.. تعرف قصة البحر.. ووحده البحر.. يعرف قصة السفن.. والداخل بينهما يوسوس في صدور الموج..

-2 خصلة

حين حلمت بالبحر لم أكن أعرف أنه شاسع حد الغرق.. ركبته في خيالي مثل أفلام الكرتون.. لونته بقطعة طباشير زرقاء.. وتركت السحب نقية بلون الصفحة.. وعندما لم أجد لونا أصفر للشمس.. قصصت جديلتي.. ألصقتها في منتصف الصفحة وتركتها تنزل لتغتسل في البحر.

ومع أن تمخضات الولادة بحاجة لطقوس طويلة تعين المولود على تعثرات الولادة، وقد ألمح الزميل العزيز يوسف شقرة رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجزائر والمشارك في (الإقامات) إلى أن مكيال نجاح التجربة الجديدة الفريدة لن يفيض من وقته وساعته، فالشوط طويل أمام التأصيل الدقيق لتجربة (الإقامة) وصناعة النص الشعري بأنفاس ثنائية، وإن كانت التجربة قد أعطت ثمارا ونتائج طيبة من وجهة نظري (هـ السقاف)، تفصح عن نفسها من النصوص الشعرية التي ضمها ديوان (الإقامات) لجمال الجلاصي (تونس) وصديقي يوسف شقرة نفسه، فمن أصداء الديوان نسترجع النص الأول المسمى (تيبازا):

لا تنقري كل الحبات

واتركي صغار العصافير تهنأ في أوكارها

همس (عمي الطاهر)

من جبة المغمور بالضوء

والأعشاب البحرية المجنونة المبعثرة

في تلافيف الغربة والغواية

كانت الموجة الصغيرة العاشقة

تلامس زورقه الغافي بتحنان وتعبد

وهي تقضم أوراق (قصيدة في التذلل).

في عدن تشرق المعطيات الإبداعية الثرة نصوصا مشتركة للشاعرين مبارك سالمين وجمال الرموش، كنت قد استمعت إلى مقاطع مما كتباه قبل عامين من الآن في مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في عدن.

وقد أكد لي الشاعر الصديق كريم الحنكي أن هناك نصاً منشوراً للشاعرين شوقي شفيق ونجيب مقبل مما يوحي أن تجربة شعرائنا المبدعين قد سارت على منوال ثنائية النص الشعري أو (الإقامة الإبداعية)، كما يحب أن يسميها إخوتنا الجزائريون.

ومع ذلك إن كان السبق يمنيا أو جزائريا فلن يغير من أصل الحكاية شيئا، طالما يصب في وعاء التجريب والتجديد الشعري العربي بمقومات إبداعية حقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى