ورحل الفاضل !!

> عمر محمد حبيب:

> أحببته كما لوكان أبي، وأدركت أن الدنيا بخير وطيبة مادام يوجد بها أناس فاضلون أمثال أستاذي الخير العزيز عبدالله فاضل فارع .

قبل عامين ونيف درسني وعلمني الفاضل اللغة الإنجليزية في السنة الأولى “ماجستير” في كلية التربية بخور مكسر، وإن كنت قد تغيبت لظروف خاصة أجبرتني على التغيب وعدم حضور ساعات بعض المساقات التي استنهجتها إلا أنني كنت حريصا كل الحرص على حضور محاضرات أستاذي “الفاضل” ولم أتغيب طوال العام الدراسي عن حضور أية محاضرة له .

كان ذاك الرجل الفاضل يعاملنا جميعا وكأننا في المقام الأول أبناؤه، ومن ثم زرع الثقة في أنفسنا على أننا سنتجاوز مساق اللغة الإنجليزي بنجاح تام .. كان يقول لنا : “لا أحد يفشل عندي أبدا، ولن أفشل أحدا منكم، ولا أحد لايفهم الإنجليزية، فهي بسيطة جدا على الفهم !!”.. وكان من ضمن زملائي الدارسين من لم يعرف من الإنجليزية إلا القليل القليل مما جعلهم يقلقون كثيرا على أنهم سيفشلون، غير أن ذاك الفاضل سلط على وجوههم وعقولهم ضوءا من شعاع وجهه وعقله المنيرين، وأشهد الله أنهم صاروا ينطقون ويكتبون ويفهمون الإنجليزية.

رحل أستاذي الفاضل (عبدالله فاضل فارع)، وبرحيله لم أفقد أنا فحسب بل فقدت اليمن عامة علما وطودا وقمة شامخة من أولئك القليل الذين تملكهم.. فالفاضل لم يكن إلا بحرا جادا بالعطاء التربوي والعلمي لطلابه ومريديه في كل يوم !!

وإذا كانت ميزة وصفة أستاذي الفاضل “الجود” يعطي ولايأخذ، فقد كنت بعد انتهاء العام الدراسي كلما حلت مناسبة شهر رمضان الكريم أو العيدين أو غيرهما أتصل به إلى منزله لأطمئن على صحته وأهنئه بالمناسبة، وكان يردد على مسامعي كلما اتصلت به : “والله عاد فيك الخير ياعمر !!” وقبل انتهاء المكالمة كان يودعني قائلا : “سلم لي على أبين وأهل أبين الطيبين !!”.. كان يجود حتى في مكالماته الهاتفية .. كم كان طيبا وخيرا ذاك الفاضل العزيز !!

ولعله آلمني كثيرا أنني لم أكن أعرف أنه في الفترة الأخيرة كان مريضا، رغم أن ذلك قد كتب على صفحة من صفحات “الأيام” التي لسوء حظي لم أقرأها ذلك اليوم لانشغالي.. وشاءت رحمة ربي وقضاؤه وقدره أن يتوفاه في فجر يوم الإثنين 14/4/2008م، وحينما بلغت برسالة هاتفية من أستاذي الدكتور محمد علي يحيى (أطال الله في عمره) وبعده استلمت مكالمة هاتفية من زميل دراستي العليا الأستاذ مراد محمد سالم تألمت كثيرا على فقدان ذلك الوجه الذي ما إن تراه حتى يجذبك ضوؤه وإشعاعه المنيران وكأنه مغناطيس من نور.. فلقد كان أستاذي الفاضل يملك وجها مطبوعا بالضوء الخير المليء بالطيبة، الأمر الذي يجعلك تحبه رغما عنك !!

وماذا بعد ؟.. لقد رحل أستاذي الفاضل .. فهل ستجود الحياة بمن يملأ مكانه الشاغر الآن ؟!.. كم مؤلم أن يرحل الذين نحبهم وكأنني بهم أردد قول شاعرنا عمرو بن معد يكرب الزبيدي :

رحل الذين أحبهم

وبقيت مثل السيف فردا

فما أراه مما يعتمل في حياتنا أننا سنفقد أستاذتنا الأفاضل وأهلنا وأقرباءنا وأصدقاءنا ممن نحبهم واحدا تلو الآخر نتيجة ما نعاني منه جميعا دون استثناء، فلا اهتمام من قبل ذوي الشأن، أو قل ذوي الحل والعقد بعلاج أو معيشة، ولابتقدير أو حتى شهادة ورقية أو كلمة شكر !!

بل نجد أن التهديد بالتقاعد بالمرصاد، وهضم الحقوق المالية والمعيشية هو السائد.. والجحود والنسيان والبهتان أساس التعامل مع كل المبدعين الأفاضل!!.. فماذا أخذ الفاضل معه، أو ماذا ترك.. لافيلا .. لا سيارات .. لارصيد بنكي في الداخل أوالخارج !! لذلك يسود اليوم في أوساط كل المبدعين الأفاضل مايمكن أن أسميه “معاناة الظلم” والله لايحب الظالمين !! .. ولو أنهم رغبوا في العيش في بلد آخر لكان حالهم اليوم أروع مما يتصورون.. لكنهم تيمموا قول الشاعر :

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وأهلي وإن جاروا علي كرام

غفران من الله وسلوان ورحمة ألف ألف ألف مرة، أسأل مولانا وخالقنا العظيم الغفور الرحيم أن يهبك إياها أستاذي الفاضل (عبدالله فاضل فارع)، وأن يدخلك ويسكنك فردوس جناته مع الرسل والشهداء والصديقين، وأن يلهم أفراد أسرتك الكريمة وأهلك وجميع أحبابك الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعوان .

نائب رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين م/أبين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى