للوحدة رب يحميها

> عباس ناصر السقاف:

> في البداية نود أن نستسمح القارئ الكريم في عنوان مقالتنا هذه، لأنها مقولة مأثورة لشيخ قريش عبدالمطلب (جد النبي صلى الله عليه وسلم) عندما اجتاح أبرهة الحبشي بجحافل جيوشه مكة المكرمة وعزم أبرهة في هذه الحملة اقتلاع الكعبة المشرفة ونقلها إلى مكان آخر، يومها كان عبدالمطلب حامي الكعبة قد فقد بعضاً من إبله وعندما ذهب للقاء أبرهة الحبشي كان سؤاله محدداً عن الإبل التي تم سلبها واستغرب أبرهة ومن في حضرته أن عبدالطلب يسأل عن إبله ويغفل الكعبة، فأطلق عبدالمطلب مقولته المشهورة: أنا رب إبلي وللكعبة رب يحميها. ورغم جاهلية عبدالمطلب إلا أنه يعلم أن الله لا يقبل الظلم، وهو على يقين أن هذه الحملة سيكون مصيرها الفشل، وبالفعل أرسل الله عليهم طيورا أبابيل وانتهت الحملة وبقيت الكعبة.

وما نحن بصدده هنا الوحدة في اليمن السعيد، وما يقال حولها من رفض وقبول، وأصبح اسم الوحدة بضاعة رائجة في سوق السياسة، فمما لا شك فيه أن الوحدة هي الشيء الذي أتى اسمها في كل الكتب السماوية تأمرنا به، كما في قوله تعالى:(لا تفرقوا فتفشلوا) وقوله تعالى:(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ذلك لأن في الوحدة القوة وفيها الخير وفيها الأمن وهي أساس العدل والمساواة والحرية، وكما أشرنا سلفاً ما يخصنا في هذا المكان الوحدة اليمانية التي قامت على التقاء مصالح بعض من قيادة الشطرين وعلى العواطف الشعبية، ولم تكن على أسس ودراسات استراتيجية لتكون لها سوراً واقياً ضد أي ظروف أو اختلالات. وعندما انتهت تلك المصالح تحولت إلى أحقاد وحروب إلغاء أحد طرفي المعادلة، ومع ذلك فهي علامة مميزة في تاريخ اليمن الحديث يجب الحفاظ عليه.. بما أن الوحدة مزروعة في وجدان كل إنسان بسيط وزاهد مؤمن بالله، فإنها تثبت بين الصعود والهبوط على قوة إيمان ذلك الشخص، فكلما كان الإنسان صادقاً في إيمانه كانت الوحدة أقرب إلى وجدانه، وكلما كان الإنسان ضعيفاً في إيمانه متمسكاً بزهو الدنيا كانت الوحدة أبعد عن إيمانه.

نحن اليوم نعيش في زمن النفاق السياسي، الذي بموجبه فهم بعض سياسيي اليوم سواء في السلطة أو في المعارضة أن السياسة هي فن الغش والخداع، وأن الغاية تبرر الوسيلة، ظنوا أنهم بحيلة منهم أن يصوروا أنفسهم بأنهم الأتقياء المؤمنون بالوحدة متناسين ومتجاهلين أفعالهم وآثارهم على هذه الأرض من تطاول في العمران ونهب البر والبحر والحجر والشجر والزرع والضرع، لهذا فالمعادلة هي أن الوحدة ملازمة للتقوى والزهد، وإن حاول كثيرون ممن يسيطرون على مفاصل الأمور أن يصوروا الإنسان البسيط الذي يطالب بحقوقه على أنه انفصالي وبكل ما يكون من سلطة ومال وإعلام وأن يقلبوا الحقيقة، فالحقيقة جلية واضحة وهي أن البسطاء هم المؤمنون بالوحدة وجنودها، وأن سماسرة المال والأرض والإعلام هم من يضربون الوحدة في مقتل وأن الفساد هو البيئة الملائمة لوأد الوحدة. صحيح أن رئيس الجمهورية انطلاقاً من إيمانه الصادق بالوحدة قد حاول في الفترة الأخيرة أن يضع يده على موضع الداء، من خلال إصدار عدد من القرارات وتشكيل عدد من اللجان لمعالجة بعض الاختلالات، مثل تشكيل هيئة مكافحة الفساد واللجان الخاصة بالمتقاعدين والمبعدين قسراً والمناضلين والأراضي ولجنة تقييم الظواهر السلبية وغيرها من اللجان، إلا أن فريق الفساد وأصحاب نظرية الغاية تبرر الوسيلة، لم ولن يتركوا هذه الإصلاحات أن ترى النور، وصوروا الأمر للقيادة السياسية أن الأصفر الرنان والدراهم هي بلسم معالجة قضايا الشعوب وليس تطبيق القانون والعدل والمساواة بين الناس، لهذا أحظروا فريقاً من الناس ممن تمرسوا على أكل الفتات على موائد الحكام المختلفة في كل زمان ومكان، ولا يستطيع الفرد منهم أن يقنع أفراد أسرته بأي قضية فقدموهم للقيادة السياسية يجددون البيعة لهم وللوحدة ولا نجد لهم من وصف أكثر من بيعة الخوارج لعلي كرم الله وجهه، وعلى هذا الموال صرفت أموال كثيرة جداً، وبقيت الاختلالات على ماهي عليه. وعندما لا تعالج الأمور بالطريقة الصحيحة تؤدي بالتأكيد إلى نتائج كارثية وهو ماحصل بالفعل، وتم قمع البسطاء من أن يعبروا ولو بطريقة سلمية عن مطالبهم، وتم سفك الدماء وسقط الشهداء والجرحى، وبقي الحال من السيئ إلى الأسوأ.

وبما أن الصراع قديم بين الخير والشر سيستمر ما بقي الإنسان على هذه الارض، ولذلك سيبقى الصراع قائماً وإن كانت أدواته متباينة في الشكل بين من يطالب بحقوقه المنهوبة سلمياً وبين من أخذ هذه الحقوق وبيده المال والإعلام والسلاح، ويتمترس باسم الوحدة وهذا الصراع مكشوف في حقيقته أمام الناس الصادقين، وإن غرروا بجزء من الناس باسم الدفاع عن الوحدة، من هنا دعوة صادقة وعاجلة لكل إنسان في هذه الوطن تهمه الوحدة بصدق، أن الوحدة في خطر ممن يتشدقون باسمها وممن يصطادون في الماء العكر، ونحن نقول لهؤلاء ما قاله شيخ قريش عبدالمطلب لأبرهة الحبشي نحن أرباب الأراضي المنهوبة، ونحن أرباب وظائفنا المحرومين منها، ونحن أرباب المواطنة المتساوية، ونحن أرباب بحارنا التي تعبثون بها، ونحن أرباب تعليم أجيالنا التي صارت بفسادكم في خبر كان، ونحن أرباب صحتنا ومشافينا التي أصبحت بفضلكم تجارة موت، وكذلك نحن أرباب لقمة عيشنا التي تتلاعبون بها، وأخيراً نحن أرباب كل شيء جميل في هذا الوطن أفسدتموه.

أما الوحدة فلها رب يحميها..

منصب دثينة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى